إذا اتفقنا في الجوهر فلا بأس إذا اختلفنا في الأسلوب!

إذا اتفقنا في الجوهر

 فلا بأس إذا اختلفنا في الأسلوب!

بروفسور سليمان جبران

إلى الصديق س.

سلامات. قرأت رسالتك الإلكترونية. قرأتها مرّتين، صدّقني، ولم أقتنع بها. لا لأني عنيد، لا أغيّر رأيي، كما تتّهمني دائما، سامحك الله! بل لأني مقتنع تماما بموقفي. تعرفني منذ أيّام الشباب البعيدة: إذا اقتنعت بشيء فلا يمكنني الوقوف "محايدا". هكذا كنت، وهكذا سأبقى . ما العمل؟ لن أتغيّر بعد هذا العمر الطويل!

 النقاش نفسه، والاختلاف نفسه، كانا، كما تذكر طبعا، يوم كتبت رأيي في الثورة السورية. هل تذكر؟ سلّمتك الكتاب المذكور يومها، فرأيتك تضحك ملء فيك، وأنت تقرأ موتو الكتاب- بيت أبي ماضي : " ما قيمة الإنسان معتقدا/ إن لم يقلْ للناس ما اعتقدا ؟ ". ضحكتٍَ لأنّك عرفت أني أردّ عليك بالذات. كان موقفي واضحا، وما زال، من النظام البربري في سورية، فلماذا أخفيه، متلفعا بالموضوعية الزائفة، هاربا ، في الواقع، من وجه الغوغائية والغوغائيين. أعرف أن كثيرين يحملون نفس آرائي، في السياسة، وفي الأدب. لكنّهم لا يملكون الجرأة على إذاعتها. لا يريدون الخروج على "إجماع الأمّة". إنه جبن ، في آخر الأمر، حتى إذا غلّفته بما يُخفيه. لا أريد الاستطراد، لكني موقن تماما أنّ الصمت، الذي تدفعني إليه، هو أحد عيوبنا الاجتماعيّة، والفكريّة أيضا !

 نعود إلى موضوعنا، لئلا تتهمني بأني شدياقيّ، كما تفعل دائما، دأبي الاستطراد! تعرف طبعا، منذ زمن، أني جمعت، على حاسوبي، أكثر من أربعين "مسطرة" من الشعر الهابط. كنت مزمعا على كتابة مقالة طويلة، أشرح فيها أن الشعر يظلّ شعرا، والزبل يظلّ زبلا. سواء كانت الكتابة في المبنى التقليدي، أو المقطوعي، أو قصيدة النثر أيضا. النصوص التي جمعتُها من الصحف، مختلفة في الشكل، كما أخبرتك، لكنّها كلّها تتفق في أمر واحد: كلّها زبل ! لم أكتب مقالتي تلك، لأني لا أهوى عداء الناس، كما تتهمني دائما! لذا، عمدت قبل أيامٍ إلى نشر المقالة التي تلومني عليها، ولم آت فيها على ذكر أيّ "شاعر"، أو أقتبس أيّ شيء من "الدرّ المنثور" ، لئلا يظنّ أحدهم أنه مقصود شخصيّا. في خيالي، وعلى حاسوبي، عشرات النماذج من الشعر" الحلمنتيشي" ، كما أسفلت. فإذا سارع أحدهم إلى الردّ، باسم مستعار طبعا، فقد كشف هو، بغير ما قصد، أنه في القائمة المذكورة، والذنب ليس ذنبي! تماما مثل سارق الدجاج الذي أخذ يتحسّس رأسه حينما سمع صاحب القنّ يقول إن ريشة من الدجاج المسروق ما زالت على رأس الفاعل !

 في الماضي، كما ذكرت في مقالتي السابقة، كان في كلّ صحيفة محرّر يعرف الغثّ من السمين. أما اليوم فالفوضى سيّدة الموقف، و"لا يصلح القوم فوضى" ، كما تعلّمنا منذ الصغر. لذا فإني حين كتبت مقالتي المذكورة، عمدت فيها إلى تذكير "الشعراء" أن ما يقال أو يُنشر فلا يجد ردّا، من أيّ نوع، لا يعني أنه شعر فعلا، بحكم نشره والصمت عنه! طبعا، لا يصحّ في آخر الأمر إلا الصحيح، كما تقول لي دائما. مع ذلك،

يؤلمني، وأنا من قضى حياته في قراءة الشعر ونقده، أن يختلط الحابل بالنابل، فيظنّ الناس أن كلّ ما يُنشر هو من النوعيّة ذاتها. ألا ترى كيف عزف معظم القرّاء عن الشعر وقراءة الشعر؟ وضع الفوضىٍ المذكور يفتح الطريق أيضا أمام كثيرين من المتسلّقين، ويخنق في الوقت ذاته، أو يعوّق على الأقلّ، ظهور شعراء بالمعنى الحقيقي. لي صديق، شاعر حقيقي، يقرأ كثيرا ويكتب قليلا، لكنّه ضائع في هذه الزحام المزري لأنّه لا يعرف من وسائل الانتشار الشعري سوى الكتابة والنشر، في هذا الزمن المزيّف! لم أكتب حتى هذا اليوم كلمة واحدة في شعر هذا الصديق، وذنبه الوحيد أنه صديقي، فأخشى أن تُعتبر كتابتي بدافع الصداقة أو القرابة، كما هو دأب كثيرين من "النقاد"، الذين تعرفهم، دونما ذكر الأسماء هنا، على الملأ.

 أخيرا، تقول لي إن "بصلتي محروقة"، لا أستطيع الصبر على عوج أو غبن. ولماذا أصبر فعلا، وأترك للتاريخ أن يحكم على هذه "الزعانف"؟ لماذا أصمت، مثل كثيرين، فتظنّ هذه الزعانف أن الدنيا سايبةٍ، لا حسيب ولا رقيب؟! على كلّ حال، نحن متفّقان في الجوهر، وإن اختلفنا دائما في الوسائل. ابق على رأيك، ودعني على رأيي ومواقفي. إذا اتّفقنا في الغايات والوسائل جميعها، فلن تكون النتيجة سوى الملل. دم أخيرا لصديق لا توافقه دائما، وإن كنت تعرف أنه على حق!!