أيهما أولا... المفاوضات أم المصالحة ؟

أيهما أولا... المفاوضات أم المصالحة ؟

د.هاني العقاد

فيما يجري الرئيس أبومازن مشاورات واسعة لتشكيل حكومة مؤقتة توصل الفلسطينيين إلى الوحدة الوطنية وتعيد الصف الفلسطيني إلى حالة القوة الوطنية الواحدة عبر التجهيز للانتخابات العامة التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني , وفيما تتواصل اللقاءات السرية والعلنية بين قيادتي فتح وحماس لتنسيق المواقف وإحداث  اختراقات  في جدار تجميد  المواقف والاتفاق على  البدء بتطبيق ورقة الدوحة و والبحث في هذه الآليات ,  في نفس الوقت تستمر زيارات كيري المكوكية التي لم تتوقف منذ زيارة اوباما الأخيرة  إلى المنطقة العربية وكل هذه الجولات المكوكية  التقي كيري مع نتنياهو وابومازن والعاهل الأردني وحتى الرئيس المصري محمد مرسي , ويبدوا من هذا أن الانطلاق في نقطة ما في محور الدائرة السياسية الفلسطينية قد بدا في اتجاهين متضادين لكنهما متقابلين يلتقيان في النهاية بنقطة واحدة عند اكتمال المرور بمحور الدائرة  و لكن ليس شرطا أن يصلا نقطة الالتقاء في نفس الوقت , فالمصالحة و الوحدة الفلسطينية قد تصل مبكرا بكثير عن إطلاق مسيرة السلام من جديد .

بعد استقالة الدكتور سلام فياض وقبول الرئيس هذه الاستقالة والطلب منه حسب العرف السياسي و البرتوكولات الرئاسية  البقاء في منصبه لتسير أمور رئاسة الوزراء إلى حين انتهاء الرئيس من تشكيل الوزارة الجديدة وبالتالي استلام ملف رئاسة الوزراء من السيد فياض , تواردت أنباء تتقاطع جميعها معا لتفيد أن الرئيس أبو مازن سيرأس الحكومة الجديدة ويعين له نائبين لتجهز هذه الحكومة ملفات المرحلة الانتقالية وتنجزها  ليخرج الشعب الفلسطيني من نفق طويل مظلم كان اسمه الانقسام الأسود , الانقسام الذي أربك الكل الفلسطيني وأعاق الملف السياسي  الخارجي وتقدم الملفات الفلسطينية  الأخرى نحو مرحلة الاستقلال والتخلص من الاحتلال الصهيوني إلى الأبد , لكن يبدوا أن المفاوضات من اجل السلام الشامل تأتي في مرحلة لاحقة للمصالحة الفلسطينية  أو مرحلة متأخرة لان السعي إلى المصالحة سعي بيد الفلسطينيين و لا فيتو على أي جهود تبذل في هذا الاتجاه وحتى لو كان هناك فيتو فان الفيتو لن يعيق الحركة الفلسطينية الرسمية نحو إحداث مصالحة فلسطينية شاملة تكون مقدمة لتحريك ملف السلام و إطلاق المفاوضات بين الطرفين على أمل أن تمارس الولايات المتحدة دور ايجابي وعادل في هذا الاتجاه .

ستبدأ هذا الأسبوع لقاءات الوفد العربي السباعي في واشنطن مع وزير الخارجية الأمريكي "كيري"  من اجل عرض الموقف العربي من عملية السلام والوضع بمنطقة الشرق الأوسط بما في ذلك سبل التوصل إلى سلام دائم وشامل يتيح لكافة شعوب المنطقة التمتع بالسلام والعيش في  امن واستقرار , ويبدوا أن الوفد السباعي المكون من مصر والسعودية و المغرب و الأردن و فلسطين وبرئاسة رئيس الوزراء القطري الشيخ "حمد بن جاسم الثاني" و الأمين العام لجامعة الدول العربية "د. نبيل العربي" ستتركز مباحثاته حول مبادرة السلام العربية من جديد وضرورة التوصل إلى حل يقوم على أساس الدولتين وفقا للتعهد الأمريكي أبان ولاية "بوش"  الابن , و سيؤكد الوفد  على ضرورة اغتنام الفرصة للتوصل إلى حل نهائي عادل وشامل للصراع , ومن خلال هذا التحرك يمكننا أن نستنتج أن أبو مازن أوكل لجنة  المتابعة العربية التحرك نحو واشنطن وتقديم المقترحات والرؤى التي تتقاطع مع رؤى ومقترحات واشنطن والتجهيز لإطلاق عملية السلام بشكل جدي وحيادي , و في نفس الوقت تولى ابو مازن ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني للوصول إلى مصالحة يكون على أساسها إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى حالتها الطبيعية , مما سيؤهل مستقبلا للتعاطي مع الأفكار والمقترحات التي يرتبها الوفد العربي ويتوافق من خلالها مع واشنطن للبدء بمفاوضات سلام ترمي في فترة محددة إلى الشروع في تطبيق مشروع الدولتين .

لعل حقيقة التحركات السياسية بالمنطقة سواء الداخلية الفلسطينية منها او العربية نحو السلام مع إسرائيل توحي بتطور واضح في عملية المصالحة والسلام جنبا إلى جنب وكأن الجميع أدرك أن لا سلام دون مصالحة فلسطينية يرتب على أساسها البيت الفلسطيني  , وإذا حدثت المصالحة دون السعي بالسلام تقوض المصالحة من جديد بتدخل أطراف ما في الشأن الفلسطيني الداخلي  , وما يحير بعض المراقبين عند تفحص تلك التحركات وتحليلها يبدوا واضحا  أن المفاوضات تحتاج إلى حاضنة قوية لتستمر وتصل إلى نهاية تفضي إلى دولة فلسطينية مترابطة الأطراف و واضحة المعالم  وتتمثل هذه الحاضنة في دور الولايات المتحدة واللجنة الرباعية  وتتمثل  أيضا بدعم عربي واسع يتمثل بلجنة المتابعة العربية ,و المصالحة أيضا تحتاج إلى حاضنة قوية تدفع في اتجاه تليين المواقف المستعصية من قبل الفصائل الفلسطينية  ويتم هذا من خلال لجنة المتابعة العربية أيضا ودور قطر المؤثر نحو كف المخلب الأمريكي والإسرائيلي في الصف الفلسطيني الواحد, ولعل تليين المواقف جاء بعد القمة العربية الأخير بالدوحة وبعد إدراك  قطر أن عقد قمة عربية مصغرة للمصالحة الوطنية  قد لا يفيد عمليا  دون بدء الرئيس الفلسطيني بالمساعي نحو حكومة الوفاق ويبدوا أن تداركا قطريا للموقف قد حدث وتم تأجيل القمة للإعلان الكامل عن سريان مفعول المصالحة بعد وصول الرئيس عباس إلى غزة وتشكيل حكومة التوافق الوطني التي تؤهل الجميع للحياة السياسية الديمقراطية  المشتركة في فلسطين.