الحب الأول وظاهرة الانهيار الأسري

الحب الأول وظاهرة الانهيار الأسري

عزة مختار

أكد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن نسبة الطلاق بين الشباب حتى سن ثمانية وعشرون عاما قد بلغت 30.1 % من عدد الزيجات في هذا السن

تلك التصريحات وغيرها كثيرا ما نراها تدق ناقوس الخطر لكل المتخصصين في المجال الأسري ليبحثوا ويفكروا بعمق عن أهم الأسباب التي تؤدي إلي تلك الظاهرة الغريبة والوافدة علي مجتمعنا المصري ووضع الحلول بالتالي لها حتى نقلص منها ومن خطورة تداعياتها علي المجتمع ككل .

وفي إطار ذلك البحث الذي أقوم به فقد توصلت إلي مجموعة من الأسباب النفسية والاقتصادية والاجتماعية وراء انتشار تلك الظاهرة بصورة ملحوظة  خاصة في الفترة الأخيرة ،  وقد جمعت الأسباب المشتركة بين معظم حالات الطلاق أو المشكلات التي تنجم في الفترة الأولي من الزواج ،هو الارتباط بعاطفة قوية قبل الزواج بطرف ثالث لأحد الزوجين .

فبعد الزواج يقارن كل طرف منهما زوجه بالإنسان الذي كان مرتبطا به قبل الزواج ، يقارنه من ناحية الشكل الظاهر ومن ناحية التجاوب العاطفي ومقدار ما يعطيه من اهتمام ، في نفس الوقت الذي ينسي احدهما للآخر أن تكاليف الزواج هي شيء آخر غير تلك الفترة التي تسبق الزواج حيث أن كل طرف يحاول أن يظهر للآخر أفضل ما فيه , دون التعرض للمشكلات الحياتية التي تصاحب الأزواج في الفترة الأولي عادة .

وقد تحاورت مع الكثيرين منهم لتكون لهم كلمة واحدة ، ليس هذا من تزوجته ، إنه قد تغير ، أنا لم افهمه جيدا ، لقد خدعني ، وحين يتم فحص الكلمات وما هي خلفيتها الحقيقة  فتجد أن هناك حقيقة لم تذكر من قبل ولا تظهر في الصورة عادة لأنها دائما ما تكون في كوامن النفوس

" المقارنة " ، تلك هي كلمة السر ، فكل طرف يقارن بين شريك حياته وبين الحبيب الأول ، الحبيب الذي ما رأي منه سوي كل ما يحلم به ، كلمات الحب والإعجاب ، المظهر الحسن ، الوجه البشوش ، هكذا كان ، واليوم كائن آخر ، يجده من فرط تعبه في المطبخ والتنظيف نائما حين عودته من عمله ، أو يجده وقد عاد من العمل برائحة غير طيبة وبوجه عابس تعلوه ذرات التراب المختلط بالعرق ، وصوت عال نكد يطلب الغداء والراحة دون سؤال عن أحوال أو إلقاء كلمة لطيفة عابرة .

فتحدث المقارنة ، ويعود الخيال للوهم القديم ويحلو لكل طرف أن ينفرد بذكرياته مبتعدا عن الآخر حتى تزيد الهوة عمقا واتساعا    

وتلك حكاية من تلك الحكايات :  

وجدته ساهما حزينا  ، تظهر علامات التوتر الشديد عليه حين يهم بالكلام وكأنه ليس هو الشاب الذي تزوج منذ أقل من شهر واحد ، تكاد تسقط الأشياء من بين يديه ويقلب عينيه فيما حوله وكأنه يراه لأول مرة ، قرأت مأساته قبل أن ينطق بها ، إنه ليس سعيدا  في حياته وغير راض عنها ، لكنني رغم قراءتي لهذا الذي ارتسم علي وجهه بوضوح إلا أنني تعجبت كثيرا ، إذ أنني أعرف عروسه جيدا ،  فكم هي جميلة وودودة  وتعرف جيدا حق زوجها الذي تعلمته علي يد أمها المؤمنة الملتزمة ، وتعرف كيف تحيل بيتها لواحة من الحب والسعادة كما عاشت في بيت أبويها ، ولذلك كانت الحيرة الشديدة لتلك الحالة التي أري ذلك الشاب فيها ، وقد كان كما عرفناه من قبل مرحا نشيطا فما الذي ألم به ؟

وكأنه قرأ كل ما بي من حيرة  وتساؤلات فقال لي  مصاحبا كلامه بتنهيدة حارة : اصبري وستعرفين كل شيء ، سأحكي لك من البداية وأريد نصحك ، ماذا افعل ؟

صبرت حتى يهدأ ويبدأ في روايته .

أحببتها حبا كبيرا ، لم أكن أري في الدنيا غيرها ، اخترتها من بين بنات الكلية ، شغلتني من النظرة الأولي ، ولم انم ليلتها من شدة تفكيري بها ، حاولت التقرب منها فوجدتها هي الأخرى قد شغلت بي وبمجرد أن صارحتها بحبي لها  وجدتها وقد تجاوبت معي ، ووجدتها تبادلني حبا بحب ، مرت الأيام ونحن نزداد من بعضنا البعض قربا وشغفا  ، لم يبعدنا  الذهاب للبيت وإنما كنا نتواصل طيلة الوقت بالهاتف  أو عبر الإيميلات ،  اتفقنا علي الزواج بعد أن ننهي دراستنا معا وان نبدأ من تحت الصفر معا ويساعد أحدنا الآخر ، كنا نعلم جيدا  صعوبة الطريق وانه ليس مفروشا بالورود ، ولن يساعدنا أحد علي اجتياز صعابه ، وانه علينا نحن فقط أن نعبره دون خسائر أو إصابات ، تعلقت بها كثيرا وتعلقت بي  أكثر ، كنا لا نطيق عن بعضنا فراقا ولو بضعة ساعات ، كنت أتعجل الأيام وأسابق الزمن في مذاكرتي كي أصل إليها و لا يأخذها أحد مني  ، لكن لا أحد يأخذ كل ما يريد في هذه الدنيا ، أحلامنا تضيع أمامنا دون أن نملك لها شيئا ننقذه بها ، سابقت الأيام إليها لكنها سبقتني ، ضاع حلمي وأنا أشاهده ينفرط من بين يدي ، تقدم لأهلها من هو أكفأ مني ، شاب لا يرفضه عاقل ، أما هي فقد قاومت كثيرا ، لم تستسلم بسهولة ، قامت بالاتصال بي مرارا كي أفعل شيئا ، لكنني وقفت عاجزا عن فعل أي شيء لم أملك ما أقدمه سوي وعود لست أدري متى أحققها فعليا ، قابلت والدها لكنه لم يقبل حتى أن أكمل كلامي معه  ودعا لي بان يرزقني الله من هي أفضل منها حين يأمر الله لي ؟، وفهمت رفضه وسببه ، فانا من وجهة نظره غير مناسب لابنته ، فانا ما زلت طالب وليس لي مستقبل محدد بعد ، دارت بي الدنيا وانقطعت عن العالم بعدما انقطعت كل أخبارها عني ، واعتزلت الدنيا بمن فيها وانفطر قلبي حتى لم أعد أعلم أو أميز هل أنا يقظ وما يحدث لي حقيقة أم أنني نائم وذلك حلم سخيف وسأصحو منه في أية لحظة ، ولكم تمنيت أن يكون حلما ، لم اعد أميز أمن الأحياء أنا أصارع قدري الذي انتهت معه كل الأحلام ، أم أنني بين الأموات وهذا عذابي الذي ألقاه نظير ما اقترفته في الحياة من آثام ، وكم هو صعب ذلك العذاب ، أن لا تميز أين أنت ومع من ومتى ،  مرت فترة طويلة وأنا في هذا التيه وحدي حتى لقد ضاع علي العام الدراسي ذاك ورسبت لأول مرة في حياتي ، لكنه يبدو أن الأيام بمرورها تمحو بعض الذكريات وتخفف الآلام أو تخفيها ربما لحين أن يأتي آت يعيدها مرة أخري إلي الحياة .

تخرجت من الجامعة بلا أي تقدير والتحقت بعمل معقول لتمر السنوات ويصبح حتما علي الزواج ، لم أختر كما تعلمين ، وإنما تركت لوالدتي الاختيار ، إنسانة ملتزمة تحترم زوجها وتعرف واجباته وتعرف حق بيتها ، وكانت زوجتي التي تعرفينها جيدا ، أعلم أنها من بيئة محترمة وتحاول أن تفهمني وتقدر تعبي  وتبذل جهدا في إسعادي ، لكنه والله رغما عني ، أري في كل ما تفعله نقصا وعيبا ، إن من عرفتها وأحببتها من قبل لم تكن أبدا كذلك ، لم تكن مجرد إنسانة ، لقد كانت تضفي علي حياتي سعادة لست أدري مصدرها ، كان مجرد وجودها قريبة مني يسعدني ، لم أراها مرهقة في يوم من الأيام ، لم تلقاني يوما ونحن نلتقي في الجامعة وهي عابسة تطلب مني وتطلب ، لم يمر يوم دون أن تسأل عني وعن حالتي المزاجية سعيد أنا أو غير ذلك ، تعرفني من صوتي إذا غضبت أو تعبت ، غنها هي من تملك علي حياتي ، إنها هي وليست غيرها ، وأبدا مهما حاولت زوجتي أن تقدم فلن تصل إلي ما كنت احلم به مع حبيبتي الأولي ، لقد انتهت قصة السعادة من حياتي  بمجرد أن انتهت حكايتنا ، وأبدا لن تطرق تلك السعادة حياتي مرة أخري .

تلك قصة من عشرات القصص التي دونتها ، والتي أدركت معها خطورة العلاقات التي تسبق الزواج بسم الحب وبسم الصداقة والأخوة

فنصيحتي إليكم جميعا أيها الشباب ، أولاد وفتيات ،  لا تغرسوا غرسا اليوم يدمر حياتكم في الغد.