عندما يعادي التليفزيون المصري الرئيس مرسي!!

عندما يعادي التليفزيون المصري الرئيس مرسي!!

حسام مقلد *

[email protected]

من منا لا يتذكر الخطاب الإعلامي للتلفزيون المصري إبان حكم الرئيس المخلوع؟! لقد كانت الدنيا كلها ـ بحسب هذا الخطاب ـ تتعلم من مبارك وتستلهم حكمته للتخطيط لمستقبلها!! كانت أخبار مبارك وعائلته تتصدر نشرات الأخبار الرسمية مهما كانت قوة وأهمية وخطورة الأحداث الأخرى!! فتَحْتَ رعاية السيد الرئيس الملهم محمد حسني مبارك كانت تفتتح المشروعات وتعقد المؤتمرات وتقام الندوات؟! وكانت كلماته بلسما شافيا، ومدونة سلوك، ومنهج عمل لا يلتزم به المصريون فقط، بل يتخذه العالم أجمع دستورا معصوما يسير عليه!!

كان التلفزيون الرسمي المصري لا يحرمنا من بركات الرئيس مبارك وكلماته المضيئة وأخباره العظيمة، لدرجة أن بعضنا توقع أن تتصدر النشرات الإخبارية أنباء مهمة عن فخامة السيد الرئيس (الفرعون الإله..) مبارك من قبيل: (حلاقة شعره بأمان، وتمتعه بالصحة والعافية بعد خروج فخامته من الحمام ... طويل العمر يطول عمره يزهزه عصره وينصره على من يعاديه...!!)

اليوم تغير الوضع تماما!! فتماهيا مع المنهج الثوري يتم تحقير رئيس الدولة، وتحقير حزبه، والهجوم المستمر عليه!! والتركيز على أخبار عادية وجعلها تتصدر نشرات الأخبار الرسمية، فمثلا قناة النيل للأخبار تُصَدِّرُ نشراتها الإخبارية بخبر يقول: (اشتباكات بين بعض الأهالي عند قسم شرطة كذا...) والخبر التالي (اشتباكات في محيط محكمة كذا بالإسكندرية...) ثم خبر يقول: (خادم الحرمين الشريفين يتسلم من مرسي قيادة القمة الاقتصادية العربية)...!!

لاحظ: أخبار الاشتباكات تتقدم على خبر القمة الاقتصادية العربية، وكاتب الخبر يقول: خادم الحرمين الشريفين يتسلم من مرسي ولم يقل (الرئيس مرسي) حتى الصور التي كانت تأتي من الرياض أثناء البرنامج الإخباري لتغطية الحدث كانت لاستقبال الرئيس اليمني ورئيس الوزراء اللبناني، وتكررت هذه الصور عدة مرات طوال البرنامج، ولم تعرض قناة النيل للأخبار (المصرية...) على المشاهد (المصري...) صور استقبال الرئيس (المصري...) ولا نفهم السر في ذلك!! فهل يهتم المشاهد المصري برؤية عبد الهادي منصور رئيس اليمن أكثر من اهتمامه برؤية وفد بلاده ورئيس بلاده في هذه القمة؟ أم أن المقصود هو إهانة الرئيس مرسي وتعمد تهميشه؟!

كارثة بكل معنى الكلمة أن يتعمد التلفزيون المصري الرسمي (تلفزيون الدولة) تهميش السيد رئيس الجمهورية والإساءة إليه؛ فهذا إهانة للدولة ذاتها بغض النظر عن شخص الرئيس سواء أكان الدكتور محمد مرسي أو غيره، فالرسالة السلبية الموجهة للمواطن في غاية الخطورة لأنها  ـ ودون مبالغة ـ تساهم في إسقاط هيبة الدولة في عقلية المشاهد... والإلحاح على هذه الرسالة بصور شتى في كل وسائل الإعلام يؤدي إلى جرأة الناس على الدولة وعلى القانون وعلى انتهاك أية حرمة وأية ثوابت، ولا يمكن أن يكون ذلك من الحرية في شيء!!   

 

ذات يوم كان التليفزيون الرسمي المصري صرحا إعلاميا شامخا حمل مشعل التنوير والتثقيف، وساهم في كتابة صفحات الريادة المصرية للعالم العربي، وأكد على تفوق مصر الثقافي والحضاري، حدث ذلك عندما كان يعمل في هذا الصرح قامات إعلامية وفكرية كبيرة قادت مسيرته منذ انطلاقة البث الأول في 21 يوليو من عام 1960م، يومها كانت مصر قبلة المفكرين والمبدعين والمثقفين وصانعة الوجدان الجمعي للأمة العربية، وقد خرَّج هذا الصرح المصري العريق من مبنى (ماسبيرو) الشهير أجيالا من الإعلاميين المصريين والعرب.

اليوم أصبح حال التليفزيون المصري ـ وهو أقدم التلفزيونات الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا ـ يثير الشفقة والحزن في قلب كل مصري، وهو مثال شديد الوضوح لتردي أوضاع مصر الفكرية والحضارية والثقافية والتعليمية، وحتى لا يكون الكلام مرسلا أدعو الجميع للمقارنة بين تغطية قناة النيل للأخبار للقمة العربية الاقتصادية في الرياض وتغطية قنوات أخرى لنفس الحدث مثل: الجزيرة أو العربية، سنجد البون شاسعا والفرق هائلا بين التلفزيون المصري وبين هذه القنوات الحديثة التي لم يكمل بعضها عقدا من الزمن، ولا أتحدث هنا عن الإمكانات المادية والإبهار الإعلامي (من ديكور وإضاءة وتصوير...إلخ) وإنما أعني الإعداد الجيد والتغطية المتميزة والشاملة للحدث المهم من مختلف زواياه وما يصاحب ذلك من تحليلات وتقارير إعلامية متنوعة تضع المشاهد في قلب الحدث، ولنا أن نتخيل أن الاتصال الهاتفي بأحد الخبراء المُداخِلين من الرياض انقطع مرتين في نفس المكالمة! والأسئلة كانت هزيلة ونمطية!!

علينا أن نعترف أن المستوى الإعلامي والثقافي لمعظم منسوبي التلفزيون المصري من الضحالة بمكان، بل حتى بعضهم لا يجيد نطق الجمل والعبارات بلغة عربية صحيحة، ومخارج الحروف مضطربة لدى جلِّ المذيعين والمراسلين، وبين الغالبية العظمى من مقدمي البرامج والمحاورين والمراسلين وبين قواعد النحو العربي البسيطة التي تضبط الكلام عداء مستحكم (وللأسف بعضهم يلحن ويخطئ في نطق جمل بسيطة جدا يعرفها تلاميذ الصف الخامس الابتدائي كجر الأسماء بعد حروف الجر، ورفع الفاعل، ونصب خبر كان وأخواتها...إلخ) أضف إلى ذلك سطحية معالجة القضايا، وعشوائية طرح الموضوعات، وهزال الأفكار، وضعف الإعداد، وهشاشة المادة العلمية وفقر المعلومات المقدمة للجمهور.

بكل أسف لقد ازداد ضعف التلفزيون المصري بعد ثورة 25يناير المباركة وأصبح الأمر فوضى، وهناك الكثير من التخبط والعشوائية، وتحدث في بعض الأحيان أمور فضائحية!! وليخبرنا أحد في أي تليفزيون رسمي في العالم خرجت إحدى المذيعات حاملة معها كفنها للتعبير عن موقف سياسي شخصي تتبناه، لم يحدث ذلك إلا في التليفزيون المصري!! وإذا كان من حقها تبني ما تشاء من مواقف سياسية والتعبير عنها، لكن ليس من حقها استغلال تليفزيون الدولة الرسمي في ذلك، فما ذنب الجمهور؟! وما علاقته بخياراتها ومواقفها السياسية؟! وما ذنب المواطن المصري الذي يدفع من دمه وقوته وقوت أبنائه مرتبات هؤلاء المهازيل الذين هبط بهم إعلام الدولة المصرية إلى الحضيض؟!!

               

 * كاتب إسلامي مصري