تعبير عن مخاوف و مطالبة بتطمينات

أو تمسكا بدولة الامتيازات ....

زهير سالم*

[email protected]

( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ..) . وأي ظلم وقع وما يزال يقع على القائمين بعبء هذه الثورة السورية ؟! ثم ما نزال نسمع من يطالبهم في كل يوم بأفانين من المطالب والتنازلات طورا تحت عنوان التطمينات والضمانات ، وأخرى اتهاما لهذا المجتمع بما تعجز عن تخيله أبالسة الشر من الاتهامات ، وثالثا في لحن مقيت هو إلى تأكيد الاستضعاف والاستذلال  والاستزلال أقرب حتى يكاد المواطن السوري المستضعف المقهور ينشد :

ولم أر ظلما مثل ظلم ينالنا ....يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر

وكأن لسان حال المتخوفين والمشككين وطالبي الضمانات والتطمينات يقول إن سورية كانت في اليد الأمينة محمية بالعدل مظللة بالإخاء والمساواة وأنها اليوم إذ يحتمل أن تنتقل إلى يد أبنائها الحقيقيين ستصبح مهددة بما شاءت أوهام هؤلاء المتكافلين المتضمانين على ظلم الشعب السوري والاستئثار عليه في الداخل والخارج أن تفتريه ..

لقد طرح المشروع الثوري الوطني بصدق منذ اللحظات الأولى مشروع المجتمع المدني الموحد لفتح أفق على هذا المستوى . ليس لطائفة واحدة وإنما لجميع مكونات المجتمع السوري . نعتقد أن الإلحاح على طلب ما يسمى بالضمانات تحول في الراهن الوطني إلى ذريعة . ونعتقد أيضا وهذا الأهم أننا عندما نتوافق على المجتمع المدني الموحد المحكوم بقانون السواء الوطني فإننا نسقط تلقائيا مفاهيم الأقلية والأكثرية بكل أبعاده وأوهامه ..

إن المأمول منذ اليوم أن يتفهم العقلاء على كل المستويات  أن الشراكة الوطنية لا يمكن أن تقوم وتستمر على أي قاعدة من قواعد الغبن . إن معنى أن تكون الثورة وأن يكون المستقبل لكل السوريين لا يجوز أن يترجم أن على فريق ما أن يخضع ، وأن من حق مكون مجتمعي مهما حظي به من دعم خارجي أن يستأثر . إن المجتمع المدني الذي يلغي مفهوم الأقلية والأكثرية على مستوى الحقوق والواجبات هو المخرج الذي يجب أن يقنع به الجميع . يبدو لنا حتى الآن أنه لا المجتمع الدولي مؤمن عمليا بهذا وجاهز للاعتراف به ، ولا المستفيدون من الواقع القائم الذين يستأثرون بشكل او بآخر مستعدون أن يتنازلوا عما يستأثرون به .

 هناك فريق من المواطنين يغلفون تمسكهم بمكاسبهم الإضافية على حساب المطحونين والمستضعفين من السواد الوطني العام بغلاف القلق والخوف . نعتقد أن المنتظر من هؤلاء طوفان الدم في حياة السوريين إلى الحد الذي وصل إليه أن يتوقفوا عن هذه اللعبة ، وأن يكفوا عن الاختباء وراء عناوين الخوف من الآتي وطلب التطمينات . وأن يسقطوا من حساباتهم في سورية المستقبل أي تفكير بمجتمع أو دولة ( الامتيازات ) .

نحن نتذكر قانون الامتيازات الذي أصدره السلطان سليمان القانوني في عهد قوة دولة الخلافة حرصا على اجتذاب المزيد من العلاقات والاستثمارت ، وكيف تحول هذا القانون في عهود الضعف إلى معبر للتدخل السافر في شئون الدولة وإلى الاستعلاء والاستئثار على سواد المواطنين . لن يكون في سورية الغد أي قانون للامتيازات . وكما يحكم الأمريكيون والفرنسيون والبريطانيون والأتراك والإيرانيون وطنهم سوف يحكم السوريون وطنهم بنفس الطريقة واعتمادا على نفس المعايير . لن يحكمهم بعد اليوم ضابط مغامر اختطف دبابة في غفلة ، ولا قنصل متسلل عبر مجموعة اشترى ولاءها بأي ثمن .

وفي العصر الثوري الذي دفع فيه السوريون الأوفياء هذا الفيض من الدماء . يجب أن تسقط لغة المداورات والمداهنات الرسالة الوحيدة التي يجب على الجميع أن يتوقفوا عندها هي أن غدنا هو غد المجتمع المدني الموحد ، مجتمع أسنان المشط  . وهو شرط الأفق الوطني الذي يجب على الجميع أن يقنعوا ويُقنعوا به من أمامهم ومن ورائهم أيضا. فمن زاد أو استزاد فهو من ربا الجاهلية ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية