إن هؤلاء قوم مجرمون

د. عبد الوهاب الأفندي

د. عبد الوهاب الأفندي

 (1) إذا أحسنا الظن بالداعشيين من جماعة البغدادي فإننا نتهمهم بغباء مفرط. فحتى من منظورهم فإن قتل الأسرى والرهائن الأبرياء، وبث فظائعهم على الملأ، يستعدي العالم كله ضدهم. وإذا كانوا يعتقدون أن فظائعهم ترهب الناس وتجبرهم على الخضوع لسلطانهم فهذا غباء مزدوج. أولاً، لأنه لو كان الإرهاب ذا نفع وفعالية لكان بشار الأسد وأمثاله ينعمون بحكمهم غير منازعين. وثانياً لأن مثل هذه الفظائع لا تكشف فقط عن إفلاس ديني وأخلاقي فحسب، بل كذلك عن عجز. فالجماعة تنكل بالأبرياء تحديداً لأنها عاجزة عن أن تنكأ جنود العدو أو تصل إليهم.

(2)

كنت قد نشرت تعليقاً على ممارسات بعض فئات مسلمي بريطانيا ممن لم يفتح الله عليه بفقه ولا علم ما سميته «فتوى ضد الغباء». فكل ما زاد غباء المرء، كلما نقص دينه. والمؤمن كيس فطن، كما جاء في الحديث، وليس بغبي أحمق. وإنما يخشى الله من عباده العلماء، وإنما يتذكر أولو الألباب. فالممارسات الغبية حين تطبع باستمرار تصرفات جماعة، فإنها علامة واضحة على قلة حظها من الإيمان.

(3)

ليس الغباء وحده ما يقدح في مؤهلات الداعشيين الإيمانية. فالمؤمن ليس بطعان ولا لعان، وليس مؤمناً من لم يأمن جاره بوائقه. وليس الفجور في الخصومة من سمات المؤمنين، أو الغدر والعدوان على الأبرياء من سجاياهم. ولو أردنا أن نعدد علامات افتقار هذه الجماعة إلى الإيمان لاحتجنا إلى مقالات عدة.

(4)

سمعت كذلك من بعض أشياع هذه الفئة من «يفتي» بأن من حق «رئيس الدولة قتل الأسرى»، ولكن.. وهذا دليل آخر على ما يميز هذه الفئة وحاضنتها الأوسع ممن يسمون أنفسهم بالسلفيين الجهاديين من فقر في الفقه. ويذكرنا هذا بتلك الفئات من جماعات «التكفير والهجرة» التي كان يجتمع فيها بضعة أفراد ثم يعلنون أنفسهم «جماعة المسلمين»، ويبنون على ذلك أحكاماً ما أنزل الله بها من سلطان. فليست هناك دولة إسلامية أو غير إسلامية تقوم على رأسها هذه الميليشيا حتى تسري فيها أحكام الشرع، وليس هناك «رئيس دولة»، بل طائفة ممتنعة خارجة هاربة في الفلوات، وجماعة من المفسدين في الأرض. وليست المسألة فقط خلاف مع القوم في حكم، بل في وجود السلطة الشرعية المكلفة تطبيق الأحكام. فهل يحل لقطاع الطرق الفتوى وتطبيق الأحكام؟

(5)

هذه الفئات وأمثالها تدخل في حكم من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، لأنها فوق جهلها بأحكام الدين تنتهج الانتقائية، وتتبع الهوى، وتجيز لنفسها مخالفة الشرع كما يحلو لها متعللة بالضرورات. وكنت قد علقت هنا قبل سنوات على كبيرة من كبائر الجماعة الإسلامية الجزائرية حين نشرت شريط فيديو صدرته بأن التصوير حرام وكل مصور في النار، ولكنها احتجت بضرورة الدفاع عن سمعة جماعتها ضد المرجفين. وقلت حينها إن هذه الجماعة تستحق دخول النار مرتين حتى بمنطقها. مرة لارتكاب كبيرة التصوير ومرة لأن رسالتها كشفت من مساوئ الجماعة وضلالها أكثر من دعايات الخصوم. فلو كانت الجماعة صالحة كما يزعمون فقد شوهوا سمعتها، وإن كانت ضالة فمن باب أولى.

(6)

تهمة الغباء تصح، كما أسلفنا، إذا أحسنا الظن بهذه الفئة، وما أصعب ذلك! فلو عددنا إنجازاتهم لوجدنا من بينها تشويه صورة الإسلام على نطاق العالم، وتصوير المسلمين على أنهم برابرة وحوش لا يرقبون في بريء ذمة. وكفى بهذا صداً عن سبيل الله، وإثارة للكراهية ضد المسلمين في كل أرجاء الأرض. وقبل ذلك وبعده، حققت هذه الفئة لنظام الأسد وبقية أنظمة الاستبداد أغلى أمانيها، وعضدت دعايتها بأنها وأشياعها من المجرمين آخر الحصون ضد مثل هذه البربرية. 

(7)

هل مصادفة أن حققت هذه الجماعة لأعداء الإسلام من كل فئة وطائفة هذه المكاسب الضخمة؟ هل الغباء وحده يفسر هذه الخدمات التي تسدى لأعداء الدين؟ هل الغباء عذر عند فئة أثبتت في مواقع أخرى قدرات لا يستهان بها في أسلوب الدعاية والتكتيكات القتالية وجمع الأموال واستغلالها في الفساد والإفساد؟ هل القوم أغبياء لا يفقهون حديثاً، أم أنهم قوم مجرمون، يتعمدون تشويه الإسلام وصد الناس عنه، ويجتهدون في دعم نظام الأسد عبر سرقة ثورة الشعب السوري وتشويهها وحشد العالم ضدها؟ أفتونا جازاكم الله بما تستحقون!

(8)

الأرجح أنهما الأمران معاً: فغالبية أنصار هذه الفئة وجنودها من الأغبياء المغرر بهم، أما قياداتهم فهي عدو مبين للإسلام والمسلمين، أو هي مخترقة من قبل أجهزة تعرف تماماً ماذا تفعل. إذ لو أنفق أعداء الإسلام ما في الأرض جميعاً ومثله معه لما حققوا في قرون ما نجحت فيه هذه الفئة في أشهر معدودات. وليس الغباء بعذر لجرائم بهذا الحجم، لا في هذا الدار ولا في دار القرار. فليتب التائبون قبل فوات الأوان.