هل ستغير السعودية سياستها الخارجية في عهد الملك سلمان ؟

هل ستغير السعودية سياستها الخارجية

في عهد الملك سلمان ؟

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

عقب وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مباشرة اتجهت الأنظار إلى الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز والذي قام بجملة من التغيرات في المملكة شملت مناصب هامة وحساسة في المملكة ، وثارت عدة تساؤلات مفاداها: هل ستغير المملكة سياستها الخارجية في العهد الجديد ؟

السياسية الخارجية السعودية كان لها مواقف متباينة ومؤثرة في العديد من الملفات في المنطقة لعل أبرزها موقفها من ثورات الربيع العربي ودعمها للثورات المضادة ، وموقفها من تيار الإسلام السياسي ومن داعش ، فهل ستتغير هذه السياسة ؟ وما السيناريوهات المحتملة لهذا التغيير ؟ وما المحددات التي تحكم سياسات المملكة الخارجية ؟ هذا ما سنتناوله بالرصد والتحليل فيما يلي .

موقع السعودية في النظام الإقليمي

أما عن طبيعة بيئة الإقليم؛ فقد مثّلت دول: مصر، السعودية، إيران، سوريا، تركيا، قلب النظام الإقليمي، بينما مثّلت باقي دول مجلس التعاون، مع لبنان المثقل بانقسامات طائفية وسياسية غير قابلة للحل، والعراق الغارق في وحل الطائفية ، ودول المغرب العربي، دولَ الهامش.

اتسم النظام الإقليمي بشكل عام كونه مخترقًا من قبل القوى العظمى تحديدًا الولايات المتحدة، حيث ثمة قسمة ثنائية كلاسيكية لدول النظام الإقليمي، أطلقتها الإدارة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001: محور الاعتدال؛ وهو يضم: مصر، والأردن، ودول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية . ومحور الممانعة ويضم: إيران، وسوريا، وحركة حماس، وحزب الله كفاعلين من غير الدول. وكان محدد هذه القسمة هو مدى التوافق مع إستراتيجية واشنطن في المنطقة (خاصة العلاقة مع إسرائيل، والموقف من حركات المقاومة، وما يُسمى الإرهاب)(1). ولعل النظرة تغيرت الآن لتيار الممانعة الذي انهار بفعل أحداث الثورة السورية . وبشكل عام فإن مسارات السياسة الخارجية السعودية مرتبطة بشكل وثيق بما ترسمه الإدارة الأمريكية في الإقليم ، وتبقى هناك مساحات هامشية تلعب فيها السياسة الخارجية السعودية وغيرها من دول الخليج دون أن تتعدى الثوابت والاستراتيجيات الأمريكية في الإقليم بما يخدم مصالح أمريكا وأمن إسرائيل.

النفوذ السعودي في دول الخليج

تحظى السعودية بتأثير كبير في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص وفى الإقليم بشكل عام ، ويستند هذا النفوذ على عدة معطيات وأسباب أولها : " أن السعودية تمثل مهد الإسلام، الدين البالغ عدد أتباعه مليارا ومئتي مليون إنسان. وتشكل السعودية 20 بالمئة من الدخل القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وربع الدخل القومي للدول العربية حسب آخر أرقام صندوق النقد الدولي. وهي عضو في مجموعة العشرين الدولية الأولى اقتصاديا في العالم.

وتمثل البورصة السعودية أكثر من 50 بالمئة من تداول بورصات المنطقة ـ وهناك خمس شركات سعودية من أصل عشر شركات في هذه المنطقة على رأسها " أرامكو" المنتجة للنفط و"سابك" التي تختص بمجال المشتقات النفطية. و السعودية هي الدولة الثالثة في العالم من حيث احتياطها النقدي البالغ 850 مليار دولار، بينما الثروات الشخصية تزيد عن خمسمئة مليار دولار.

وأخيرا وليس آخرا السعودية هي الدولة الأولى في العالم في مجال تصدير النفط، والمتقدمة بأشواط بعيدة في مجال البنية التحتية لإنتاج النفط، والقادرة على تصدير 12.5 مليون برميل يوميا، فضلا عن احتياطي في القدرة على إنتاج 2.500.000 برميل يوميا إضافيا." (2)

و أشار تقرير أمريكي، أن دول الخليج العربي وتحديداً قطر وعمان والإمارات، قلقة من تنامي النفوذ السعودي في المنطقة، ... واعتبر التقرير الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، بعنوان "الميزان العسكري في منطقة الخليج" أن مجلس التعاون الخليجي يعتبر واجهة براقة أكثر منه قوة حقيقية، لأنه يفتقد التعاون الفعال في كل المجالات، خاصة العسكرية منها.

وتخشى دول الخليج  الأصغر فقدان النفوذ الاقتصادي والسياسي لصالح السعودية التي يزيد عدد سكانها خمس مرات على سكان عمان ثاني اكبر دولة في المجلس من حيث عدد السكان لتسيطر أيضا على قطاع النفط والغاز الأكثر أهمية في المنطقة.

أما فيما يتعلق بالعلاقات الخليجية – الخليجية ودور السعودية فيها ، فإن علاقة المملكة السعودية بالبحرين قد اشتدت أواصرها (خاصة بعد دخول قوات درع الجزيرة لكبت الحراك الثوري هناك)، ووصل الأمر إلى حديث عن اندماج سياسي كامل بينهما، والذي لم يُكتب له النجاح على أية حال. وفيما يخص علاقتها بالإمارات تتلاقى السياسة الخارجية السعودية والإماراتية في موقفها من الربيع العربي وتتشاركان في دعم الثورة المضادة بكل السبل والوسائل، وفيما يخص علاقتها مع قطر، فموقف قطر الإيجابي من الربيع العربي (لو استثنينا موقفها من الحالة البحرينية)، قد أثار امتعاض باقي دول الخليج بشدة، خاصة السعودية. و ساءت العلاقة لحد ما، ولعب أمير الكويت جهوداً دبلوماسية كبيرة لإعادة العلاقات مع قطر بعد أزمة سحب السفراء على إثر موقفها الرافض للانقلاب العسكري في مصر ، وتحقق ذلك في قمة الرياض القصيرة التي سبقت قمة الدوحة ، ثم تلتها مصالحة برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بين مصر وقطر لتوقف الأخيرة هجومها على الانقلاب العسكري في مصر  والذي أسفر في نهاية الأمر عن غلق قناة الجزيرة مباشر مصر .

موقف السعودية من الربيع العربي

بدا موقف السعودية سلبيًا تجاه دول الربيع العربي، وذلك يرجع إلى محددين مرتبطين بدرجة كبيرة، الأول: يتعلق بمناهضتها لفكرة التغيير أصلًا، فضلا عن التغيير الثوري من باب أولى، وذلك بوصفها نظاما ملكيا وراثيا راسخا يتخوف من الألفاظ التي تتضمن مفردات الإصلاح، والتغيير، والثورة والديمقراطية.أما المحدد الثاني؛ فينصرف إلى علاقتها شبه العدائية بحركات الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون تحديدًا)، والتي تولت مقاليد السلطة في دول الربيع العربي .

ولم تخُف السعودية دعمها للثورة المضادة في دول الربيع العربي وفى مقدمتها مصر ، فعقب إزاحة الإخوان المسلمون عن الحكم أعلنت السعودية رسميًا أنها تعتبر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وتحسنت العلاقات لأبعد الحدود بين كل من مصر والسعودية والإمارات، و تدفقت المليارات بسخاء على الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي، و أصبح الثلاثي: الرياض، دبي، القاهرة، الحلف الجديد في النظام الإقليمي.

كمحصلة ، فإن الثورة المضادة قد غيّرت من خريطة التحالفات في الإقليم وانعكست بشكل مباشر على دور السعودية حيث ساءت العلاقات القطرية مع (السعودية والإمارات)، ولعبت السعودية دورا أكبر في دعم الثورة المضادة و بات من العسير أن تصل موجة الثورات إلى دول الخليج.

على الجانب الآخر بدت السعودية وكأنها داعم للثورة السورية ، ولكن حقيقة الأمر أن السعودية لا تقف ضد الأسد دعمًا للتغيير ودفاعًا عن حرية الشعب السوري، وإنما دافعها الوحيد هو مناكفة إيران منافسها الجيوستراتيجي الأهم في الإقليم . لقد رأت الرياض أن الإطاحة بنظام الأسد ستمثل ضربة قاصمة للإستراتيجية الإيرانية في المنطقة.(3)

ولم تنس وهى تمارس هذا الدور أن تضبط دعمها وفقا لقرارها الاستراتيجي العدائى لحركات الإسلام السياسي حيث وجدنا السعودية تنأى بنفسها تمامًا عن دعم أية كيانات إسلامية في المعارضة السورية ، وتُؤْثِر عليها دعم  كيانات أكثر علمانية. 

السعودية والتمدد الشيعي في المنطقة

تتعارض السياسة الخارجية السعودية مع نظيرتها الإيرانية على طول الخط وتحاول السعودية كسر سوار النار الذي تحاول إيران أن تطوق به المنطقة ، ولم تنجح لقاءات وزيري الخارجية السعودي سعود الفيصل والإيراني جواد ظريف في نيويورك في شهر أيلول/سبتمبر 2014 بعد أن سلمت طهران سبعة من المطلوبين الأمنيين للسعودية. (4) و التي استهدفت تحقيق تفاهم أو هدنة تريح المنطقة من النزاعات التي أثارها سعي طهران لمد نفوذها في العالم العربي وفرض وصايتها على شيعة العالم العربي، وسعيها لإقامة هلال شيعي يمتد من طهران إلى بغداد فدمشق فبيروت، والأهم امتداد نفوذها لليمن، من خلال جماعة الحوثيين الذين نجحوا باحتلال صنعاء والسيطرة على مقاليد السلطة في اليمن . ولاشك أن السياسة السعودية في المنطقة جعلت النفوذ الإيراني يزداد سطوة في سوريا ولبنان والعراق ويمتد لليمن.(5)

الموقف السعودي من داعش

يكاد يكون الموقف السعودي من داعش كالمستجير من الرمضاء بالنار وقد أكد على ذلك الباحث الأمريكي "جونا بلانك"، كبير محللي العلوم السياسية لدى مؤسسة راند للأبحاث، في مقابلة مع CNN، قائلاً: " إن موقف مفتي السعودي، آل الشيخ، الذي اعتبر داعش تنظيما "إرهابيا" يعادل من حيث الأهمية الغارات الجوية الأمريكية، مضيفا أن السعودية تقدمت على صعيد المواجهة مع التنظيم، ولكنها تنظر إلى الصورة الأكبر في المنطقة، وتخشى أن يؤدي القضاء عليه إلى تقوية القوى الشيعية. التي ترى فيها العدو الأكبر لها." على حد قوله."

السيناريوهات المحتملة

لم يطلق الملك سلمان بن عبد العزيز العنان لفكر المحللين السياسيين طويلا لرسم المسارات المحتملة للسياسة الخارجية السعودية حيث أكد العاهل السعودي، أن المملكة ستواصل السير في "النهج" الذي سنه والده الملك المؤسس ومن تبعه من ملوك، موجها بأن تكون سياسة المملكة الخارجية "نهج متواصل ومستمر" وذلك في أول اجتماع لمجلس الوزراء يحضره الملك بعد توليه مقاليد السلطة.(6)

إلا أن الأمور لن تسير على هذا النحو الدراماتيكي ، فهناك العديد من التحديات التي يجب على السياسة الخارجية السعودية أن تعيد النظر فيها وهى فاعلة لامحالة ، ففى ظل تمدد داعش وفشل التحالف الدولي حتى الآن في القضاء عليه قد يؤدى هذا إلى ضرورة أن تمارس السعودية ضغوطا للتخلص من نظام الأسد سريعا ودعم المعارضة السورية والتحالف مع تركيا لمواجهة تمدد داعش ، وكذلك  تغيير سياستها في إدارة الملف اليمنى بعد أن خرج تحالف ( على عبد الله صالح مع الحوثيين)  عن طاعة النظام السعودية ليقلب الطاولة في اليمن بما يهدد النفوذ السعودي ويمكن لإيران ، وهو ما يجب أن تتداركه السعودية حتى لا يتكرر سيناريو التدخل الإيراني في العراق مجددا.

المصادر :

(1)  عن ملامح وصيرورة النظام الإقليمي العربي حتى التسعينات، راجع: علي الدين هلال، وجميل مطر، النظام الإقليمي العربي: دراسة في العلاقات السياسية العربية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية)، ط5.

(2)  النص السابق مقتبس من محاضرة ألقاها في واشنطن في أكتوبر الأمير تركي الفيصل السفير السعودي السابق في لندن وواشنطن ورئيس المخابرات السعودية الأسبق.

(3)  الموقف السعودي من الثورة السورية بين المُعلن والمُضمر، عربي 21 ،http://arabi21.com/story/704308

(4)  السعودية وإيران: 35 عامًا من الحرب الباردة وصراع النفوذ ،http://www.sasapost.com/iran-saudi-arabia

(5)  السعودية: السعي لتشكيل تحالف خليجي عربي لمواجهة إيران، http://www.alquds.co.uk/?p=270885

(6)  الملك سلمان بأول جلسة لمجلس الوزراء بعد وفاة الملك عبدالله: لا تبدلات في السياسة الخارجية ،cnn http://arabic.cnn.com/middleeast/2015/02/03/king-salman-first-gov-meeting