عبثيات أحمد جبريل في سوريا

ياسر الزعاترة

تقول الإحصاءات أن رقم الضحايا بين الفلسطينيين في سوريا قد تجاوز الخمسمائة من بينهم نساء وأطفال. ولو أخذنا الأمر بالنسبة والتناسب، فسنجد أن نسبة الضحايا من الفلسطينيين كبيرة، وإن لم تبلغ نسبتهم بين السوريين.

في الأيام الماضية عاد ملف فلسطينيي سوريا إلى الواجهة من جديد إثر اشتباكات في مخيم اليرموك بين فلسطينيين من جماعة أحمد جبريل وعناصر من الجيش الحر الذي بادر بدوره إلى تشكيل مليشيا من الفلسطينيين المؤيدين للثورة من أجل السيطرة المخيم وطرد أنصار النظام من جماعة جبريل.

خلال الشهور الماضية تعرض المخيم الذي لم يعد للفلسطينيين وحدهم بعد توسعه لعدد كبير من الهجمات والاقتحامات والقصف الجوي والبري خسر على إثرها أعدادا كبيرة من الضحايا، الأمر الذي ميزه عن كثير من المخيمات الأخرى التي نجحت فيها إلى حد ما سياسة الحياد بين الطرفين.

في الاشتباكات الأخيرة حصل المؤيدون لأحمد جبريل على دعم لوجستي كبير من الجيش النظامي في مواجهة الثوار، فيما يعلم الجميع أن إمكانات الرجل جد محدودة، هو الذي يتزعم فصيلا صغيرا لديه بعض الكوادر المتفرغين الذين يُستبعد أن يكونوا قادرين على فعل الكثير.

الأرجح أن كثيرا من المقاتلين الموالين لجيش النظام لا صلة بهم بجبريل، وأنهم يُدارون من قبل المؤسسة الأمنية والعسكرية السورية، وليس في هذا الكلام تبرئة لرجل وضع نفسه في خدمة النظام وداعميه، وفي المقدمة منهم إيران، لكنه التقدير الواقعي لفصيل هامشي الحضور في الداخل والخارج.

يحدث ذلك من طرف النظام على ما يبدو من أجل كسب البعد الرمزي للقضية، هو الذي سعى على الدوام إلى استثمار قصة المقاومة والممانعة في حشده ضد الثورة والثوار، وبالطبع عبر تصوير ما يجري بوصفه مؤامرة على سوريا بسبب مواقفها وليس ثورة على غرار ثورات الربيع العربي.

الذي لا خلاف عليه هو أن الفلسطيني في سوريا كان يعيش خلافا للحال في لبنان وضعا معقولا من الناحية المعيشية، إذ لم يكن ممنوعا من ممارسة أي نوع من المهن، بما فيها العمل في المؤسسات الرسمية.

لكن الفلسطيني أيضا ليس بعيدا عن التأثر بالأجواء العامة في البلاد وفي المحيط، لاسيما بعد أن دخلت الثورة السورية في منعطفات الفرز الطائفي، فضلا عن قناعته كإنسان بأن الثورة لم تكن ضد المقاومة والممانعة، بقدر ما كانت ثورة من أجل الحرية والكرامة.

على هذه القاعدة كان الانحياز النفسي واضحا لصالح الثورة والثوار، لكن ذلك لم يؤد إلى انخراطٍ واسع النطاق في فعالياتها، وبالطبع نظرا للحساسيات المعروفة، والتي تجعل أي مشارك في الثورة من الفلسطينيين أكثر استهدافا من سواه، إذ سيصوره النظام بوصفه ناكرا للجميل، لكأنه جميل النظام وليس الشعب الذي احتضن فلسطين، تماما كما احتضن لاجئي حرب تموز 2006 من دون النظر إلى أي بعد مذهبي، حتى عندما كان يسمع بعض الاستفزازات المذهبية بأذنيه كما قال كثيرون.

الذي لا شك فيه أن هناك عددا لا بأس به من الضحايا الفلسطينيين قد شاركوا في القتال إلى جانب الثورة، رغم أن معظم الشهداء لم يكونوا مشاركين في القتال، بل أصيبوا جراء القصف المتواصل على المخيمات، وتحديدا مخيم اليرموك.

لم يكن بوسع أحد لوم الفلسطينيين على حيادهم في الثورة، لكن مواقف أحمد جبريل وجماعته وبعض رموز الفصائل الفلسطينية الأخرى ذات الصلة بالنظام كانت مستفزة بما تنطوي عليه من إساءة أخلاقية، ولو سكتوا لكان بالإمكان الحفاظ على مبدأ الحياد.

أما وقد تورطوا فقد كان طبيعيا أن يحدث الفرز، وكان متوقعا أن يخرج من بين الشبان الفلسطينيين من يقف في المعسكر الآخر على أسس مختلفة، من بينها البعد الديني، وحيث يشعر الفلسطينيون بأن هذه الثورة تحظى بتأييد معظم أبناء الأمة وعلمائها، فضلا عن الفصائل الفلسطينية الكبيرة ومنها حماس وفتح، وإن تحفظت في مواقفها بعض الشيء.

هي إذن جريمة الذين رقصوا على إيقاع النظام وآلته الإعلامية والعسكرية، وفي مقدمتهم أحمد جبريل الذي ختم حياته بهذا الموقف البائس ضد شعب ثائر خرج يطلب الحرية والكرامة. شعب لم يكن يوما إلا محبا لفلسطين، منحازا لها ولشعبها على أساس مبدئي وليس على قاعدة المصلحة كما هو حال النظام.