العاملون على المشروع الإسلامي

ثنائية الخطاب والموقف

إذا كنتم ستفعلون هذا فلم لم تقولوه ؟!

زهير سالم*

[email protected]

في طور التطلع إلى بناء الدولة الحديثة في ظل معطيات الربيع العربي ، يُنتظر من العاملين المسلمين إعادة صياغة خطابهم على ضوء واقع اعترفوا عمليا أنه يحكمهم وإن حكموه . ينتظر من الفقيه المسلم أجوبة على تساؤلات كثيرة حول القضايا المطروحة بإلحاح على الأجندة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

 على رواد الفقه الإسلامي ان يجيبوا عمليا وليس نظريا كيف سيتعامل ( عمالهم ) مع مناخات العصر المعولم المفتوح على كل شيء وفي كل شيء وفي ظل مجتمع مدني متعدد العقائد والثقافات .

إن استسهال الأجوبة على الأسئلة الجدية التي تواجه الفقيه المسلم تنم إما على عدم إدراك لحجم التحديات المفتوحة على كل الآفاق ، أو على إصرار على الانسلال من استحقاقات العصر ، والإغلاق على الذات في قواقع لا يمكن أن تصمد طويلا مهما أراد أصحابها .

يستطيع الإنسان أن يداور ويناور وأن يختبئ وراء العناوين العامة ما دام بعيدا عن موقع المسئولية ، فإذا جاءت لحظة الحقيقة وجد نفسه أمام لا بد مما ليس منه بد .

يخطب رواد الرؤية الإسلامية ويكتبون ويحاضرون كثيرا ضد ( الربا ) والبنوك الربوية وآثارها وانعكاساتها حتى ليخال الذي يسمعهم أن أول عمل سيقوم به هؤلاء لو صار الأمر إليهم هو إغلاق البنوك ، ومصادرة العقود، وقلب الحياة الاقتصادية المستقرة ، وإن على جرف هار، رأسا على عقب لبنائها من جديد على قواعد خارجة على المنظومة الاقتصادية العالمية ..!!

كذا يكتب العاملون المسلمون ويخطبون ويحاضرون كثيرا عن دولة العزة والقوة والمنعة والجهاد ورفض الاستكانة والخضوع ومواضعات السياسات الدولية ، التي تأسست على أنقاض الدولة المسلمة بعد الحرب العالمية الأولى ، والتي اعتبرت فيها الشعوب المسلمة والعربية منها بشكل خاص ( غنيمة حرب ) رغم أنها كانت في حلف المنتصرين ؛ حتى ليخال من يسمعهم أن نداءهم الأول يوم سيصلون إلى السلطة هو ( يا خيل الله اركبي )....

ومع أن العاملين المسلمين لا يختلفون مع الكثيرين حول آفاق الحرية السياسية إلا أنهم عندما يكتبون ويخطبون ويقررون يعلنون تحفظات غير محدودة على حرية الاعتقاد وحرية التعبير وعلى الحريات الاجتماعية في تجلياتها المختلفة ؛ فيخال من يسمعهم أنهم إذا صاروا إلى كرسي الحكم سيبادرون إلى التسلل إلى عقول الناس وقلوبهم للفحص والتفتيش وأن مقص رقيبهم لن يتوقف عند مقال في صحيفة أو مشهد في فيلم أو مسلسل بل سيمتد ليرسم خارطة ثوب المرأة والرجل أحيانا ...

هذه التصورات الأولية المبنية على معطيات الخطاب الفراغي للعاملين المسلمين هي التي تصعّب الطريق عليهم ، وتجعل الاخرين في الداخل والخارج يتخوفون منهم ، ولكن عندما يجد هؤلاء العاملون طريقهم إلى السلطة يتأكدون أن الواقع يحكم حتى الحاكمين. ويجدون أنفسهم في سياق أكبر من أن تسيطر عليه عصا صاحب سلطان ...

المطلوب من خطاب الفقيه المسلم أن يكون شرعيا نعم وأن يكون مبشرا وميسرا وواقعيا أيضا معادلة  ليست سهلة إلا على من يسرها الله عليه.

ما ستنزل على حكمه تحت أي دعوى أو تبرير وأنت في السلطة لماذا لا تبادر بالإعلان عنه قبل وصولك إلى السلطة فتختصر على مشروعك الطريق وتخذل عنك الأعداء والخصوم وتطمئن الرجاة والعفاة .

ربما يثور الخطباء الفراغيون أمام أي خطاب واقعي . وربما يبدأ بعض الخطباء ينافسون في التشدد فرسان هواء لا يغيبون ، ولاسيما حيث تكون الفتوى الأسخن هي الأكثر قبولا وشعبية وجماهيرية . إن ثمن الوعد الخلب ليس فقط المزيد من الدماء ومن المعاناة ، إن ثمنها المخيف الحقيقي أن يجد الإنسان نفسه محاصرا بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ..)

إياك أعني واسمعي جارة . الرسائل التي ستكتبونها أو سترسلونها غدا أرسلوها اليوم ليس فقط لتخففوا عن شعوبكم وتمهدوا لمشروعكم ؛ وإنما لتكونوا صادقين مع أنفسكم ومع شعوبكم والصدق مع النفس ومع الذات هو نفسه الصدق مع الله.

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية