هكذا سرقت الثورة الجزائرية

د. خالد أحمد الشنتوت

د. خالد أحمد الشنتوت

قديماً قال الشاعر :

الرأي قبل شجاعة الشجعان.......هــو أول وهي المحل الثاني

لا أعرف ثورة قدمت من الشهداء ، مثل الثورة الجزائرية ، وقد حفظنا في المشرق أنها ثورة المليون  شهيد ، وبعد وصولي بأيام قليلة كنت أتكلم مع مدرسين جزائريين فقلت ثورة المليون شهيد ، قال لي أحدهم ، لماذا شطبت نصف مليون ؟ لأنها قدمت مليوناً ونصف من الشهداء ....

تبدأ الثورة الجزائرية من الأمير عبد القادر الجزائري ، وهو عالم ، واستمرت الثورة الجزائرية يقودها العلماء ، ومنهم عبد الحميد بن باديس الذى أفتى بكفر من يقبل الجنسية الفرنسية ، عندما أرادت فرنسا تجنيس الجزائريين ...

( .... ثار الشعب الجزائري منذ الأيام الأولى للاحتلال الفرنسي للجزائر الذي ابتدأ في جويلية ( تموز) 1830م، وكان العلماء ورجال الزوايا وأتباعهم، والزعماء الدينيون في طليعة المجاهدين ومقدمة الثائرين.

ولايخفى على أحد أن الثورة التحريرية الكبرى المباركة ثورة إسلامية الروح، فجرها وحماها المخلصون للدين والوطن، وحب الوطن من الإيمان، وكان أغلب قادتها ومسؤوليها قد تربوا في مدرسة الكشافة الإسلامية الجزائرية التي كان شعارها الأول والأخير: ( الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا)، ومن هؤلاء المجاهدين الذين تكونوا في الكشافة الجزائرية نذكر : باجي مختار-ديدوش مراد- سويداني بوجمعة-احمد زهانة-زيغود يوسف-كيلاني الارقط-علي بن مستور-العربي بن مهيدي-عواطي مصطفى-حسيبة بن بوعلي-مريم باج-محمد بوقرة-عبد الحق قويسم وغيرهم كثير.وإن معظم هؤلاء نالوا الشهادة في معارك الشرف....

kenanaonline.com/users/mouloud/posts/267285

(ومما هو متعارف عليه بين قيادات الحركات الإسلامية عموماً وكذلك المؤرخين الإسلاميين أن الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي كانت ثورة إسلامية في الأصل قادها العلماء ومشايخ الطرق الصوفية على غرار الثورة الاسلامية في ليبيا المتمثلة في السنوسية وغيرها من دول المغرب العربي ولولا أن خطفها بعض رجال الثورة المتأثرين بالفكر الاشتراكي لكانت الجزائر حالياً خلافة المسلمين أو على الأقل إمارة إسلامية.)www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=115295

وقد نشر الدكتور توفيق الشاوي يرحمه الله في مجلة المجتمع خلال الثمانينات مسلسل مقالات عن الثورة الجزائرية خلاصتها أن العلماء والدعاة كانوا وقود الثورة ...وأن فرنسا قررت الانسحاب عندما تبين لها أن الثورة سرقت من الإسلاميين ، بعد أن كانت ثورتهم ....

وفي العاصمة الجزائرية اليوم شارع ( سي الحواس ) وربما في كل مدينة تجد اسم هذا الشارع ، مثل شارع الستين في المملكة ، ومن حسن حظي أنني قابلت جندياً من جنوده ، كان صاحب فندق شعبي في مدينة ورقلة التي عشت فيها في الجزائر اسمه مصطفى ....

وقد وصف لي الأخ مصطفى ( سي الحواس ) ورفاقه ، أنهم كانوا من حفظة القرآن ( وبالجـزائر يقولون عنده ستون حزباً) أي يحفظ القرآن كاملاً ، هذا البطل (سي الحواس  ) كان قائداً مشهوراً في ( التل ) أي باتنة وماحولها من جبال الأوراس التي كانت مركزاً للثوار الجزائريين  ...وكان يطبق الشريعة الإسلامية في الجبل على الثوار وعلى سكان التل .

قال لي الأخ مصطفى أن ( سي الحواس ) جمعهم  ذات يوم وقال لهم : ادعوا ربكم أن يتقبلكم شهداء، ولاتعيشوا بعد الثورة .. لأن ( الحركيين) ويقصدون بهم العملاء ، يدرسون أولادهم في باريز ويبعدونهم عن التل وعن الثوار ، ويهيئونهم لاستلام مقاليد الأمور بعد نجاح الثورة الجزائرية ..

هذا البطل ( سي الحواس ) استشهد في كمين نصب له ، بينما كان ذاهباً إلى تونس ليحضر لقاء لقيادة الثورة ، وكان الكمين في شرق الجزائر ...يرحمه الله ... ( وفهمكم كافي ) ...

وذكر لي الأخ مصطفى ويكاد يبكي من الألم أنه يعرف بعض أولاد رفاقه في ( الجبل ) يعني من الثوار ، يعملون ( مليف أو مكيس في الحمامات الشعبية ) ...لأنهم أهملوا ولم يهتم بهم أحد ، بعد نجاح الثورة ...التي استلمها الماركسيون ....

وذات يوم من عام (1977) اجتمع في عرس أحد الأخوة في مدينة واد سوف حوالي مائتا أخ  جامعي من شباب الحركة الاسلامية ...وكنت مع الأخ ناصر التيْ من أكبرهم ســناً ، وكنا نوجه إلى القاعــدة الذهبيـــة في الدعوة وهي ( فلنتعاون على مااتفقنا فيه ، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ) وكنا نجد قبولاً واسعاً لدى الأخوة لهذه القاعدة ...ونريد أن نكبح خلافات السلفيين مع الصوفيين وغيرهم ...يومها قال الأخ شنوف جيلاني ...هذا مؤتمر ( الواد ) سيكون له دور في الصحوة الإسلامية كما كان لمؤتمر ( الصومام ) دور في سرقة الثورة الجزائرية ...

فما هو مؤتمر الصومام

في  عام ( 1958) تقريباً أي بعد انطلاق الثورة بأربع سنوات عقد الثوار مؤتمراً في وادي الصومام ، كان فيه من القادة ذوي التوجه الاشتراكي ، وربما كان أبو مدين أحدهم ، وفي ذلك المؤتمر تقرر أن  تكون الاشتراكية منهج الجزائر في الحكم بعد الاستقلال ...وهذا المؤتمر يراه الجزائريون مؤتمر سرقة الثورة الجزائرية ، بعد أن وقف الاتحاد السوفياتي إلى جانب الفريق الجزائري في ألعاب أولمبية ، بعد أن اعترضت فرنسا على وجود الفريق الجزائري ، ووقف الاتحاد السوفياتي بثقله  إلى جانب الفريق الجزائري ، ونجح وبقي الفريق الجزائري في تلك الدورة ، وسرقت ثورة الجزائر التي فجرها العلماء وكان وقودها من حفظة القرآن  الكريم  ...ثم سرقها الماركسيون ..

هواري بومدين

لاشك أن  بومدين أكبر  قائد جزائري بعد الثورة ، درس المرحلة الثانوية في الأزهر ، وقال لي زميله الأستاذ عبد القادر قريشي يرحمه الله من سكان ورقلة ــ وقد لقيته عدة مرات وزرته في بيته ــ أن بومدين لم يكن يدوام معهم ، وكان يأتي طالب جزائري جامعي يقدم عنه الامتحانات ، ويقول بومدين عندي تدريب أهم من الدراسة ، وبعد الأزهر دخل الكلية العسكرية في بغداد وتخرج منها ، والتحق بالجيش الجزائري ضابط توجيه قومي ، ورأيت له صورة برتبة ملازم يمسك الماكرفون ويخطب بمجموعة من الجنود ....أي دخل الجيش الجزائري قائداً فوراً ...

وسمعت ابا مدين يقول أكثر من عشرين مرة خلال أربع سنوات  عشتها معه قبل أن يموت يقول  : احنا أخذنا الاشتراكية من الإسلام ، ما أتينا بها من خارج الحدود أبدا ...وفي اليوم الثاني أكتب على السبورة أمام طلاب الثالث الثانوي (الاشتراكية من الفلسفة المادية وهي أخت الرأسمالية وكلاهما عدوة للآسلام ) ،وكانت تمر ولله الحمد ، ولا  أحاسب عليها كيف تخالف مايقول أبو مدين ...وكان بومدين ينهج بالجزائر حسب المقولة الماركسية وهي تغيير البنية التحتية  فتتغير البنية الفوقية ، في زمنه كل موظف يحصل على مسكن من الدولة بأجر رمزي ،وماكنت أرى أحداً يبني بيتاً خاصاً له ، كما جعل ثمن التلفزيون من صنع الجزائر بثمن يعادل راتب شهر واحد لمعلم ابتدائي ، وكان التلفزيون يصل معظم أو كل التراب الجزائري ، وكان بومدين يخطط ليجعل الجزائر قلعة ماركسية في إفريقيا ... كان بومدين داهية كبيراً ....لذلك أرسل الله له جرثومة لم يتعرف عليها الأطباء أي لم يروها قبل ذلك ، كانت جرثومة خاصة لأبي مدين وأخذه أخذ عزيز مقتدر ....

الجزائر اليوم

الجزائــر اليوم مثل غيرها من ممالك الاشــتراكية الثــورية ، يملـــكها (الجنرالات)،وقد اقتسموا خيرات البلاد ، فهذا الجنرال له استيراد سيارات البيجو، وذاك له استيراد سيارات الفيات ، وذاك له استيراد أو تصديرالبطاطا وهكذا دواليك ....

والنكتة التالية توضح حال الجزائر اليوم : زار جنرال زميله فرأىفيللا جميلة جداً ، ومفروشة على آخر موديل ، قال له : أنى لك هذا ؟؟؟ كيف سبقتني ؟؟؟ قال له : افتح الطاقة .ماذا ترى ؟ قال أرى كوبري . قال هذا المفروض طوله (150) م ، لكن المهندسون شطار اختصروه إلى (100) فقط ، والخمسين وضعناها  هنا ....وبعد سنتين زار زميله الجنرال فوجد عنده العجب العجاب ، قال : أنى لك هذا ..سبقتني كثيراً قال له : افتح الطاقة ؟ ماذا ترى ؟ قال أرى عمارات وشوارع ...قال : ألاترىجسراً طوله ثمانون  متراً ؟  انظر جيدا ؟؟؟قال : لا أرى أي جسر!! ...قال معك حق ! لأنه موجود في خرائط البلدية فقط ...أما في الواقع فهو هنا في هذه الفيللا ...

وما بوتفليقة إلا صورة وطنية تاريخية مقبولة لدى بعض الجزائريين ومقبول لدى الجنرالات الذين يلعبون به كما يشاءون ....

وهكذا سرقت الثورة الجزائرية وقد انطلقت إسلامية وبقيت إسلامية مدى قرناً ونيف ، ثم سرقها الماركسيون قبل الاستقلال بقليل ...لأن الإسلاميين كانوا أبطالاً يعرفون كيف يموتون في المعركة ، يعرفون طريق الآخرة جيداً ، لكنهم لايعرفون طريق الدنيا ، والدنيا مزرعة الآخرة ...

واليوم انتشرت الصحوة الإسلامية انتشارا كبيرا ، ففي عام 1975 كانت زوجتي الوحيدة المحجبة في ورقلة ، واليوم (99%) من النساء في الجنوب محجبات ولله الفضل والمنة .... ومع ذلك مازال بوتفليقة يضحك ويهزأ ويتلاعب بالحركة الإسلامية غير آبه بها ....

وختاما نسأل الله أن يوحد إخواننا في الجزائر ، ويجمع كلمتهم ، ويوحد صفهم ، وينصرهم على أنفسهم وعلى خصمهم إنه على كل شيء قدير ...   ( رمضان 1433 المدينة المنورة )