ولن يرضوا عنك يا مرسى

محمود القاعود

[email protected]

دائماً ما تحضرنى صورة ذلك الشاب الذى كان يقف خلف سيارة الأمن المركزى فوق كوبرى قصر النيل يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011م .. رجع سائق السيارة المجرم بسرعة جنونية للخلف فسحق عظام الشاب وتحوّلت رأسه إلى ما يشبه "العصير" ، فى مشهد من أبشع مشاهد القتل وإزهاق النفس التى حرّم الله قتلها لأنها خرجت تطالب بالحرية وسقوط الديكتاتور البائد حسنى مبارك.

بالقطع لم يخرج هذا الشاب الذى نحسبه شهيداً بإذن الله، من أجل أن يدعو الرئيس محمد مرسى قلة معادية للإسلام ليجلس يتسامر معها ويضحك ويشد على أياديهم .. لم يخرج هذا الشاب "المفروم" ليذهب أحمد عبدالمعطى حجازى وإقبال بركة ومحمد سلماوى وعبدالناصر حسن وإبراهيم عبدالمجيد وهالة فاخر وحسين فهمى وخالد يوسف وصابرين، إلى قصر الرئاسة .. لم يخرج هذا الشاب ثائراً " ليؤلف " الرئيس قلوب الشيوعيين والعلمانيين والملحدين وأعداء الدين .. لم يخرج هذا الشاب "المعصور" منتفضاً ليتحدث الرئيس مرسى عن حرية الإبداع مع من يعتبرون الإبداع هو سب الله والرسول والصحابة وأمهات المؤمنين .. مع من يعتبرون الشذوذ والسحاق حرية شخصية .. مع من يعتبرون البلد عزبة "أبوهم" يملكونها فيعطون من يشاءون ويحرمون من يشاءون ..

لم يخرج هذا الشاب الذى سوّيت رأسه بأرض كوبرى قصر النيل ليحوّل الرئيس قلة انتهازية إلى رموز للوطن وأوصياء على الثقافة والشعب معاً ..

تُرى لو أن هذا الشاب الذى لقى ربه عرف بلقاء الرئيس مرسى بالحلف العلمانى الشيوعي هل كان ليخرج من بيته ليُقتل ويموت بأبشع ما يكون الموت ؟؟

لم يكن البيان الذى أصدره المثقفون الإسلاميون بدعاً من البيانات .. ففى يوم السابع من سبتمبر 2012م أعرب المثقفون الحقيقيون عن غضبهم ببيان يعاتب الرئيس على هذه السقطة الكبرى التى لا محل لها من الإعراب ولا مبرر لها .. نُشر فى البيان فى غالبية وسائل الإعلام ، وأُسقط فى يد العلمانيين واليساريين أن شاهدوا لأول مرة أن هناك مثقفون لا يسبون الدين ولا يدعون للإباحية وانتهاك المقدسات .. ثارت ثائرتهم .. أزبدوا وأرغوا .. كيف يكون هناك مثقف من خارج الحظيرة .. لا ثقافة فى مصر إلا ثقافة "روءة" !  تطالوا على المثقفين الذين وقعوا البيان .. أحدهم يحمل شهادة الإعدادية الصناعية قال أن البيان وقع عليه " شوية مدرسين" ! وهذا الأفاك الذى يزعم أنه شاعر لا يستطيع كتابة جملة مفيدة، وذهب إلى باريس على نفقة الدولة ومكث هناك سنوات طوال ظل خلالها يهاجم الإسلام ويدعو لرسم الفتيات عراة فى كليات الفنون الجميلة.. لم يعلم الأفاك أن بعض من وقعوا على البيان أساتذة يعملون بالجامعات منذ الستينيات وخرّجوا مئات الآلاف من الطلاب ، ولهم مئات الكتب فى شتى فنون الثقافة والمعرفة والأدب والعلم والدين .. وأنهم ظلوا يواجهون فاشية دولة حسنى مبارك بإخلاص وتفانى ، دونما الحاجة لطلب الجزاء أو الشكر ، وإنما خدمة لدينهم ووطنهم ودفاعاً عن مقدساتهم ..

وتأتى ثالثة الأثافى أن يدعو الرئيس مرسى جمال الغيطانى ويوسف القعيد وبهاء طاهر ويرفضون مقابلته ! وكأنهم يقولون له إما أن تستمر حظيرتنا كما هى وإلا سنحرمك من لقائنا !

ومن المثير للدهشة أن يدخل على الخط مع العلمانيين بعض المتعصبين الذين يعتقدون أن معارضة الرئيس فى هذه الكارثة ، مجرد محاولة للظهور وتوزيع الغنائم ! ويكأن المثقفون الإسلاميون يريدون مناصباً وأموالاً وهم الذين فى غالبيتهم تجاوزوا السبيعن والستين ، و ويكأن أيضاً أنهم بلقائهم الرئيس سيتحولون إلى وزراء ومحافظين وقضاة ورجال أعمال !

ما هذا التفكير العقيم الذى أصاب قطاعاً من المتعصبين ؟

إن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم حينما عاتب الأنصار فى مسألة توزيع الغنائم يوم حنين ، إنما عاتبهم من أجل قوم " حديثو عهد بالإسلام " وليس من أجل شيوعيين وماركسيين ويساريين ، يعرفون الحق وينكرونه .

ثم هل ستمنع هذه الزيارة انتقادهم للرئيس ؟ هل سيكفوا آذاهم عنه وعن جماعته ؟ لا والله بل سيزداودا إثما ومقالاتهم تؤكد ذلك ..

وغير ذلك هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرب إليه شعراء الكفار الذين يهجونه أم الشعراء الذين يمدحونه وينتصرون له ؟

لقد كان هناك عدة شعراء يهجون الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ومنهم عبد الله بن الزبعرى السهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، ومشافع بن عبد مناف . وأبو عزة بن عبد الله الجمحي ، وأمية بن أبي الصلت الثقفي ، ومع ذلك لم تسجل كتب التاريخ أن الرسول الكريم دعاهم وجلس معهم وانتصر لهم بزعم "تأليف قلوبهم" كما يفترى المتعصبون.

بل العكس هو الصحيح فـ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرب إليه عبدالله بن رواحة وحسان بن ثابت وغيرهما من الشعراء الذين كانوا ينتصرون له ويدافعون عنه.

إذاً مقابلة الرئيس لهؤلاء العلمانيين الذين لم يتركوا شيئاً فى الإسلام إلا ونالوا منه ، لا مبرر لها مطلقاً ، وتشجع كل من هب ودب ليتطاول على الله تعالى ورسوله الكريم.. وتؤكد أن وزارة الثقافة "حكر" على العلمانيين واليساريين وأن جوائز الدولة بجميع أنواعها وفروعها قاصرة على هؤلاء دون سواهم .. فى حين يلقى علماء الأمة العنت والصلف والتجاهل.

يقول الله تعالى لرسوله الكريم معاتباً:" وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الأنعام:52).

نزلت آية كريمة خالدة تعابت الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الكفار طلبوا من الرسول طرد بعض أصحابه ليجلسوا معه ، فدخل فى نفسه شئ ولم يقم بالفعل ذاته .. فنزلت الآية الكريمة حاسمة وقاطعة .. وتحذر الرسول الأعظم أن يكون من الظالمين ..

لا نقول هذا من أجل شئ .. فلقاء الرئيس لن يُطيل الأعمار ، ولن يُدخِل الجنة مع الأبرار .. ولكن الأمور لابد أن تكون فى موضعها الصحيح ..

وأخيراً يا فخامة .. لا خيرك فيك إن لم تسمعها .. ولا خير فينا إن لم نقلها .. ولتعلم أنهم لن يرضوا عنك إلا إذا سرت على نهجهم وآمنت بفكرهم.