لماذا لا يذهب مرسي لإيران؟!

حسام مقلد *

[email protected]

لا أفهم لماذا يتفنن بعضنا في خلط الأوراق وزيادة الغموض والالتباس على عامة الناس!! ولا أعتقد أن من الجيد للديمقراطية المصرية الوليدة ادعاء البعض احتكار الحكمة وكأن الله تعالى أطلعهم وحدهم دون غيرهم على أسراره العليَّة جلَّت حكمته وتعالى شأنه!! نعم من حق الجميع التعبير عن رأيه وعرض وجهة نظره في أي موضوع أيًّا كان ما دام سيلتزم كلٌّ منا بآداب الحوار والاختلاف دون مزايدة أو ممارسة الإرهاب الفكري ضد الآخرين.

ومن الطبيعي جدا أن تتباين وجهات النظر ويزداد اللغط والجدل حول أي موضوع كذهاب الرئيس الدكتور محمد مرسي لإيران لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز، فهناك المؤيدون وهناك المعارضون وكلٌّ له مبرراته الوجيهة، ويبقى أن لصانع القرار السياسي الحق المطلق في تقدير أين تكون المصلحة العليا لشعب مصر ثم لأمتنا العربية والإسلامية، وبناء عليه يتخذ القرار الذي يهتدي إليه وفق اجتهاده، وبناءً على المعطيات التي أمامه، ولا شك أنه يرى الموضوع من كافة أبعاده أكثر من غيره بحكم ما يتوافر له من معلومات وما يطلع عليه من الأسرار ودقائق الأمور التي لا يتسنى لغيره الاطلاع عليها، وعلينا أن نتعامل معه بثقة ونطمئن إلى سلامة هدفه ومقصده ما دمنا قد اخترناه ووليناه أمرنا، واستأمناه على قيادة المسيرة، ولا مانع من أن ننصح ونوجه، ونرشد ونوضح، ونغضب وننتقد، ونمارس كل الممارسات الديمقراطية اللازمة والضرورية لتسديد الرأي وتقويم الخطى، لكن ليس من الأمانة ولا من الديمقراطية أن نمارس الإرهاب الفكري ضد كل من يخالفنا الرأي ونحمله مسئولية كل ما يقع في الكون من كوارث!!

وللأسف هذا ما يفعله بعض الرافضين لذهاب مرسي لإيران لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز لدرجة أنهم حمَّلوه مسئولية الدماء السورية الغالية علينا جميعا زعماً منهم بأن حضوره مؤتمر دول عدم الانحياز الذي سينعقد في طهران فيه دعم معنوي للسفاح بشار الأسد الذي تسانده إيران!!

والذي أفهمه أن الأمور لا تقاس بمثل ذلك، بل هناك مكاسب وخسائر ستترتب على ذهاب مرسي لإيران أو عدمه، وينبغي أن نوازن بين هذه المكاسب والأضرار أو الخسائر لاختيار ما يحقق مصلحة مصر وأمتها العربية والإسلامية، وتدور حجج المتخوفين من ذهاب مرسي لإيران حول الآتي:

1.    أن ذلك سيعزز موقف المجرم السفاح بشار الأسد المدعوم من إيران، وفيه خيانة لدماء الأشقاء السوريين، ولا أدري كيف؟!!

2.    سيكون ذلك على حساب أمن واستقرار دول الخليج العربي!!

3.    سيضعف ذهاب مرسي لإيران موقف مصر في الخليج، وربما سيفقدها الدعم الاقتصادي لدوله!!

4.    أن ذلك سيفتح الباب واسعا أمام المد الشيعي في مصر.

5.    أن ذهاب مرسي لإيران سيثير الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها من القوى الأخرى ضد التوجهات الاستقلالية للسياسة المصرية الجديدة.

6.    أن ذهاب مرسي لإيران سيصرف رجال الأعمال الخليجيين ذوي التوجهات الإسلامية عن الاستثمار في مصر!!

7.    أن ذلك سيحدث انشقاقا وتصدعا في صف الإسلاميين في مصر، وسيضعف مكانة الرئيس الدكتور محمد مرسي لدى قطاعات واسعة في الشعب المصري.

والحق أن معظم هذه الحجج لها قدر من الوجاهة والاحترام لكنها من وجهة نظري لا ترقى لتكون مانعا قويا يحتم على الرئيس الدكتور محمد مرسي اختيار عدم الذهاب، فلا زلت أرى أن كفة المصلحة في ذهاب مرسي لإيران أرجح كثيرا من كل هذه المخاوف المحتملة، وينبني رأيي هذا على الحقائق التالية:

1.    لا يذهب الرئيس الدكتور محمد مرسي في زيارة مصرية خاصة لإيران، بل هو ذاهب لحضور مؤتمر مهم لتجمع دولي لا يزال مؤثرا ـ ولو على المستوى النظري فقط ـ هو دول عدم الانحياز الذي تعد مصر أحد أهم دوله المؤسسة له.

2.    يجب أن تنطلق مصر في بناء علاقات خارجية متوازنة ومستقلة مع كافة دول العالم على أساس من الندية ولاحترام المتبادل دون أية تحفظات أو محاذير من أحد أيا كان.

3.    ينبغي أن تستعيد مصر دورها الإقليمي والدولي المفقود منذ عدة عقود، ولا يتوهم أحد أننا سنستعيد هذا الدور ونحن مكبلين بضغوط من أحد، وعلى مصر ألا تترك الساحة خالية لخصومها بعد الآن ثم يتباكى المصريون على نفوذهم الضائع، وتآكل القوة الناعمة لبلادهم.

4.    ليس في ذهاب مرسي لإيران لحضور مؤتمر دولي مهم فيها أي دعم للسفاح بشار الأسد الذي تساعده إيران على ارتكاب مجازره البشعة ضد أشقائنا السوريين، ولو كان الأمر كذلك لما دعا خادم الحرمين الشريفين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لحضور قمة دول منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة مؤخرا قبل أيام، بل يجب استغلال كافة المحافل السياسية والمنابر الدولية لإحراج إيران ودفعها للتخلي عن طاغية الشام، وكف أيديها وأيدي الموالين لها عن إراقة الدماء السورية العزيزة على قلوبنا جميعا.

5.    لو كان العرب (ونخبهم الوطنية والمتدينة)جادين في نصرة أشقائهم السوريين لرأينا منهم مواقف أكثر حزما، ولطالبوا حكوماتهم باتخاذ مواقف عملية أكثر فائدة وجدوى للشعب السوري، ولو كان المعترضون على ذهاب مرسي لإيران منصفين وبعيدين عن الهوى لاعترضوا على علاقاتنا (وعلاقات الدول العربية والإسلامية الأخرى...) بروسيا والصين، ولاعترضوا على زيارة الرئيس مرسي لبكين، فلا تزال روسيا والصين تحميان نظام المجرم بشار الأسد وتستخدمان حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرار يدين هذا النظام المتوحش، أو يغل يده ويمنعه من إراقة المزيد من الدماء السورية الزكية.  

6.    ليس من حق أحد أن يعترض على وجود علاقات مصرية إيرانية، فدول الخليج ذاتها تقيم جميعها علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران، ولم ترَ في ذلك بأسا أو تعارضاً مع مصالحها الوطنية، أو خيانة لدماء الأشقاء السوريين العزيزة على قلوبنا جميعا، ولا تخشى من تشيع أبنائها السُّنَّة بسبب هذه العلاقات، رغم أن الشيعة يشكلون بالفعل نسبة من مواطنيها.

7.    من المضحك أن يهدد البعض مصر بتوقف استثمارات المتدينين الخليجيين الذين يخشون تعاظم النفوذ الإيراني في مصر، فأين هذه الاستثمارات أصلا؟ وما حجمها إن وجدت؟ ومنذ متى عهدنا لهؤلاء عزما أو وجدنا لهم إقبالا على الاستثمار المهم في المشاريع الاقتصادية الإنتاجية الحيوية في مصر أو في غيرها من الدول الإسلامية؟ للأسف إن معظم ما نراه من أثرياء الخليج هو الاستثمار في صناعة الخدمات في بلدانهم وبعض الدول الأوربية التي تعود عليهم وحدهم بأرباح طائلة، وإلا فليخبرني أحد أين هؤلاء من الاستثمار في المشاريع الإنتاجية شديدة الأهمية في الدول العربية؟!

8.    يتخوف البعض من انحسار الدعم الاقتصادي الخليجي عن مصر إن هي أقامت علاقات سياسية طبيعية مع إيران كغيرها من دول العالم، وهذا التخوف في غير محله لأسباب عديدة فلا الدعم الاقتصادي الخليجي لمصر بهذا السخاء الذي يجعلنا نفرط بسببه في مصالحنا السياسية والاقتصادية مع إيران أو غيرها، ولا تحرص دول الخليج على مصلحة مصر ولا تساعدها لوجه الله تعالى أو حتى بدافع من القومية العربية والوشائج الدينية، وإنما هي تُلقي لنا بالفتات حفاظا على مصالحها أولا، والخليجيون هم أول من يعلم الأهمية الاستراتيجية القصوى لمصر بالنسبة إليهم باعتبارها أكبر دولة عربية إسلامية سُنِّيَّة، ومع ذلك يتمنعون ويتكبرون ويمنُّون علينا بما يرمونه لنا من فتات(وليتأمل من شاء كلام ضاحي خلفان عن رئيس مصر المنتخب عندما قال: إنه سيذهب حبواً للخليج...).

9.    تعاظمت بفضل الله تعالى ثروات دول الخليج خلال الطفرة البترولية الثانية منذ عدة أعوام، وبعض هذه الدول زاد فائضها الاحتياطي عن مئات المليارات من الدولارات ـ اللهم لا حسد، ونسأل الله تعالى أن يبارك لهم ويزيدهم من فضله ـ  لكن هل فكرت دولة من دول الخليج العربي أن تقرض مصر ـ أقول تقرض لا تهب ـ مثلا خمسة مليارات دولار بنفس شروط صندوق النقد الدولي حتى لا تلجأ للاقتراض والاستدانة؟ طبعا لم يحدث ذلك فبأي حق إذن يعترض البعض على بحث مصر عن مصالحها وتدبير شئونها؟! خاصة أن ذلك لن يكون مطلقا على حساب أمتها، ولا على حساب مصالح أشقائها، وخاصة الشعب السوري العزيز على قلوبنا جميعا.

10.                       يخشى البعض من تمدد النفوذ الشيعي في مصر، ويحذرون من انتشار التشيع بين المصريين، وهذا الكلام مردود عليه، فلا يعني خوفنا من انتشار مذهب ما أو فكر ما أن نقطع علاقاتنا بأصحاب هذا المذهب أو الفكر وإلا لقطعنا علاقاتنا مع الجميع، ويجب علينا تحصين الشعب المصري بصورة علمية وفق رؤية استراتيجية متكاملة ضد كل ما يتهدد هويتنا الدينية والوطنية، ولا يعني وجود علاقات سياسية بيننا وبين إيران ترك الحبل على الغارب لحملات التشيع والتأثير الثقافي الإيراني على العامة والبسطاء، كما أن على علمائنا الأجلاء وكافة وسائل الإعلام لدينا واجب زيادة وعي الناس وتبصيرهم بالانحرافات العقدية والأخلاقية لحمايتهم من أية أفكار مضللة تأتيهم عبر وسائل الإعلام والغزو الثقافي، كما أن بإمكاننا فرض شروط قاسية على الجانب الإيراني في موضوع التشيع لسد هذه الثغرة وتأمين هذا الجانب.

11.                       بقية فكرة أن ذهاب مرسي لإيران سيحدث انشقاقا وتصدعا في صف الإسلاميين في مصر، وسيضعف مكانة الرئيس الدكتور محمد مرسي لدى قطاعات واسعة في الشعب المصري، وهذا كلام متهافت، وحجة داحضة، فالإسلاميون أساسا في مصر كانوا منقسمين على أنفسهم في موضوع انتخابات الرئاسة، وتحالفهم الحالي هشٌّ للغاية، وإن لم يتداركوا الأمر فورا وفي أسرع وقت ممكن فسوف تقسمهم الانتخابات التشريعية القادمة بعمق، وأما شعبية الرئيس مرسي  والإخوان المسلمين فهي على المحك فعلا، وذهابه إلى إيران لن يضيره كثيرا، لكن ما سيضره حقا هو مرور الوقت دون إحراز تقدم ملموس يشعر به الناس في حياتهم اليومية!

وبعد، فأعتقد أن من حق مصر أن تحافظ على مصالحها وتحرص على ما يحقق لها أكبر قدر من المكاسب على صعيد السياسة الدولية، ومن حقها أن تستعيد مكانتها التاريخية في إقليمها، ومن حقها كذلك أن تبني علاقاتها مع جميع دول العالم بكل استقلالية بما يتناسب مع حجمها ووزنها الإقليمي والدولي وثقلها التاريخي الذي لا يستهان به، ومن واجب رئيس مصر بعد ثورة 25يناير المباركة أن يسعى لتحقيق مصلحة بلاده وشعبه دون ضغط من أحد، ومن حق كل مصري أن يناقش ويعترض ويعبر عن رأيه بمنتهى الحرية، لكن ليس من حق أحد المزايدة على غيره أو ممارسة الإرهاب الفكري ضد الرئيس المنتخب بإرادة حرة من أغلبية الشعب، ولنمنَحْهُ الفرصة الكاملة وحرية الحركة كيفما يشاء، ثم نحاسبه على النتائج، وصناديق الاقتراع هي الفيصل وهي المحك... وتلك هي قواعد لعبة الديمقراطية التي ارتضيناها جميعا لتحكم بيننا!!

               

 * كاتب إسلامي مصري