بين أولوية أوباما في الشام واليمن وأولويتنا

معرفة الحقيقة تقتضي توظيفها

زهير سالم*

[email protected]

منذ يومين فقط كشفت صحيفة ( وول ستريت جورنال ) شديدة القرب من صناع القرار الأمريكي عن تغيرات جذرية في الاستراتجية الأمريكية تجاه الأزمة السورية . وأن هذه الاستراتجية الخفية تشهد تحولا في الموقف من بشار الأسد ( من مواجهة النظام إلى التعايش معه ) وذلك في ظل تنامي تنظيم الدولة والتيارات الجهادية في سورية ، وغياب دور فاعل للمعارضة السياسية وللتيارات المعتدلة فيها ، حسبما يزعمون . وذكرت الصحيفة أن دعم الولايات المتحدة للجهود الروسية يأتي تعبيرا عن استراتيجية جديدة حيث تتمنى الولايات المتحدة للروس أن يكفوها مؤنة إقناع السوريين بحل ما ينهي الصراع بين المعارضة وما يسمونه النظام ، ويضع الجميع في محور واحد لمواجهة تنظيم الدولة . ومن هنا يلحظ المتابعون صمت الساسة الأمريكيون منذ فترة عن تكرار العبارة الأمريكية المستهلكة ( رحيل الأسد ) كتعبير عن موقف استراتيجي يعطي الروس فرصة لجمع النقائض ...

الروس من جهتهم وحرصا منهم على إضفاء أي صورة من النجاح على دعوتهم التي تحولت من دعوة إلى مفاوضات لاستئناف جنيف اثنين ، إلى حوار سوري – سوري ، ثم إلى دعوة إلى (منتدى ) يسميه البعض اليوم منتدى ( روسي – أمريكي ) ، الروس الحريصون على أي مستوى من النجاح لم يدعوا إلى منتداهم هذا سوى أفراد سوريين يُدعون كأفراد مضمونين في طموحاتهم وسقف تطلعاتهم .

من طرفه بشار الأسد خفض مستوى حضوره المنتدى من وزير الخارجية إلى نائب وزير الخارجية إلى سفير بشار المعتمد لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري .

وفي مقابل كل هذا الذي يحدث على الأرض السورية ، والتغيرات الواضحة في المواقف الاستراتيجية الدولية والإقليمية ، وإزاء ما يحصل في اليمن من تطورات تؤكد وقوع اليمن في قوس الاحتلال الإيراني بأيدي الحوثيين ؛ نستمع إلى السيد أوباما يتحدث هادئا واثقا مطمئنا ( إن الذي يهمنا في اليمن هو الحرب على تنظيم القاعدة ) فلا الشرعية الدستورية مهمة في شيء ، ولا اتفاق الشراكة اليمنية الذي أبرم برعاية دولية وإقليمية مهم في شيء ، ولا شعب اليمن مهم في شيء !!

 رسالة خطيرة يرسلها السيد أوباما ليس إلى أهل سورية واليمن فقط بل إلى شعوب المنطقة . تصدر رسائل أوباما إلى أهل الشام واليمن رسائل قاسية شديدة الوطأة ولكنها الحقيقة التي يجب استقبالها واستيعابها والتعامل معها .

يقول أوباما للشعبين في الشام واليمن لا يهمنا أمركم لا أنتم ولا أطفالكم ولا دماؤكم ولا حريتكم في شيء نحن مهتمون فقط بالحرب على تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة ومستعدون للتعاون مع كل من يساعدنا عليها .

ولم يعد ينفع شعوبنا ولا قياداتها السياسية الاسترسال في إعلان البراءة من التنظيمين أو التنظيم الواحد في الفكر والمنهج والأساليب والأدوات وقبل كل ذلك في الغاية والأهداف. وإن كانت البراءة من كل ذلك جزء أصيلا من الوجود والرسالة والمشروع .

لم يعد ينفعنا الشرح والتفنيد والتبنيط في بيان الأصل والفصل والارتباطات والتوظيفات ؛ فأوباما ومخابراته وربما ومختبراته التي تعترف اليوم أنها على اتصال وترتيب مع الحوثيين ، يعرفون من حقائق هؤلاء الناس ومدخلهم ومخرجهم أكثر مما يمكن أن نتطوع بإخبارهم به .

المهم في الأمر أن الثورة السورية اليوم بل منطقة الشرق العربي بأسرها اليوم أمام معطى جديد : يتحالف فيه الروسي والأمريكي والإيراني مع توابع (( عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ )) ضد أبناء هذه المنطقة عقيدتها وثقافتها وإنسانها . وتحت غطاء ذرائعي لعدو وهمي مصنّع بالشراكة الدولية يدمرون تحت ذريعة مقاتلة هذا العدو الوهمي روح هذه الأمة ، وعقيدتها وثقافتها ووحدتها وإنسانها . حقائق مرة وقاسية وصعبة لا تغني محاولات الهروب منها من الحق شيئا . ومرة أخرى نكرر حقائق مرة وقاسية وصعبة ولكن هذا لا يجوز أن يدعونا إلى يأس أو ضعف أو خور ...

تصريحات أوباما عن الشام واليمن هي بعض المدخلات العلمية الموضوعية لقرارنا . ومن كان يريد أن يتخذ قرارا صائبا صحيحا عليه أن يصحح بجد مدخلات قراره . وعليه أن يكف عن كل القراءات المخدرة الحالمة ...

نستحضر دائما كلما حزبنا أمر أن الله معنا ، ولن يترنا أعمالنا . وأن الله ناصر عباده المستضعفين . نأخذ الأمر بجد ، والكتاب بقوة ، ونعزم ونتوكل ونبحث عن خيارات اللحظة بمعطياتها وأفقها مقدمين الكلي على الجزئي والعام والخاص .

(( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ))

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية