أخطاء الإسلاميين وخطايا النظام !

أخطاء الإسلاميين وخطايا النظام !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

جاءني صوته عبر الهاتف من أعماق الصعيد غاضبا ومنفعلا بسبب ما يراه من تصرفات بعض الإسلاميين الذين يسلكون سلوكا يتنافي مع التسامح والتواضع والتعاطف والكياسة والحكمة التي يحث عليها الإسلام في التعامل مع الآخرين ، وطلب مني أن أنقل احتجاجه لمن أعرف من القيادات الإسلامية التي يظن أني على صلة بها ، ليستدركوا على الأتباع كي لا يكون ذلك ذريعة للهجوم على الإسلام لدى من يتربصون به وبالمسلمين شرا ، ومن يتمنون فشل المشروع الإسلامي بصفة عامة .

بعد أن وضعت الهاتف جانبا رأيت إحدى الصحف ، طالعت فيها مقالا لرئيس التحرير ، فوجدته يتحدث عن مهاتفة بينه وبين أحد القيادات الإسلامية الذي أراد – كما يقول – أن يهنئه على التزامه بالمهنية والحرفة الصحفية ، ولكن صاحبنا لم يتقبل  التهنئة ، وراح في غضاضة ملحوظة يبكت القيادة الإسلامية ويحدثها عن الكلام الذي يخالف الأفعال ، فضلا عما يسمى الاستحواذ والتكويش .

بعدئذ وجدتني أطالع ما صرح به كاتب شهير جدا لصحيفة يومية كبرى حول الأحوال العامة قبل فترة الصمت الانتخابي وكنت قد أرجأته جانبا لأفرغ له وأطالعه على مهل، فوجدته يفتي بأن فوز الإخوان معضلة وخسارتهم معضلة ! فضلا عن حديثه عما يسمى الدولة الدينية وأخطاء مجلس الشعب الذي يسيطر عليه الإسلاميون والرغبة في الانتقام بإصدار قانون عزل الفلول ، واستغلال السلطة التشريعية في فتح ثغرات قانونية قبل كتابة الدستور لتحمى مصالحهم الخاصة ، مع دفاع واضح عن النظام الطائفي الحاكم في دمشق لأسباب تتعلق ببعض أقاربه الذين يعملون مع بعض أركان نظام دمشق!

ما أود قوله إن الإسلاميين بشر مثلهم مثل غيرهم يصيبون ويخطئون ، وهم ليسوا ملائكة ولا شياطين ، ولكن الناس تعقد عليهم آمالا كبارا ، في تحقيق ما يحلمون به من خروج من المأزق الكبير الذي صنعه الطغاة واللصوص والمرتزقة والمنافقون على مدى ستين عاما ، كان فيها الإسلاميون رمز المقاومة والصمود داخل الأسوار العالية وخلف البوابات السوداء ، ولم تنل منهم ملاحقة من يعيش خارج الأسوار ومطاردته ومحاصرته ، والتضييق عليه في رزقه وعمله ، وحرمانه من حقوقه الأساسية ، ومن الوظائف العامة والالتحاق بالقوات المسلحة والشرطة والقضاء والجامعات والتعليم ...

الخطأ عند الإسلاميين وارد ، في تأسيس اللجنة الدستورية أو الترشيحات ، أو أسبقية المشروعات القانونية ، وقد وجدوا في أنفسهم الشجاعة للاعتراف بالأخطاء ، والرغبة في تصويبها ، ولكنهم – وهم المجردون من أية سلطة تنفيذية – لا يملكون رذيلة العناد التي كان المخلوع يفاخر أنه يملك درجة الدكتوراه فيها .

وهناك أخطاء أخرى تتعلق بهم بعيدا عن إدارة الدولة التي لم تتح لهم بعد ، في مقدمتها تفريطهم في إنشاء جهاز إعلامي قوي يدفع عنهم الحملات الإرهابية الشرسة التي يشنها الإعلام الرسمي والخاص ، واكتفاؤهم بالحركة من خلال الشارع ، وهو ما جعل الأكاذيب التي يلح عليها الخصوم تترسخ وتتحول إلى  حقائق ، وفقا لنظرية جوبلز ، وزير دعاية النازي الألماني !

هناك من يرد بالقصور المادي ، المال والخبرة البشرية ، ولكن من قال إن ذلك معضلة في وقت يمكن للشركات المساهمة التي تضم عددا كبيرا من حملة الأسهم أن توفر المال والخبرة معا ؟

ومهما كانت أخطاء الإسلاميين ، ولو كانت من أفراد محسوبين عليهم تتبدى عليهم النرجسية وتضخم الذات وحب الأضواء ، فهؤلاء لا يمثلونهم في حقيقة الأمر ، وهم  من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين ، ويمكن تداركها على كل حال ، وخاصة في بعض الشخصيات التي لا تحسن التعبير السياسي ، أو تنسى أن هناك من يتربص بكل كلمة تنسب إلى إسلامي ولو كان في واق الواق ، وتصنع منها قبة يجري تحتها مهرجان ضخم لهجاء الإسلام والمسلمين ، وهو ما يحتم ضرورة أن يكون المتحدثون باسم الحركة الإسلامية في كافة فصائلها ممن يحسنون التعامل مع وسائط الإعلام وممن يمسكون أنفسهم عن شهوة الكلام تحت الأضواء ، ومن يكون منهجهم احتضان العالم بما فيه الخصوم ، وإشاعة الطمأنينة لدى الناس جميعا ، والابتعاد عن القضايا الهامشية والخلافية ، وأحيانا يكون الصمت بلاغة .

أخطاء الإسلاميين لا تقاس بخطايا النظام القائم الذي يعد امتدادا لنظام مبارك بشكل ما ، وهذه الخطايا كثيرة تبدأ من إراقة دماء الشهداء في التحرير والقصر العيني ومحمد محمود والعباسية إلى ترشيح أحد رموز النظام الفاسد بالمخالفة لقانون العزل والسكوت على البلاغات التي تتهمه بالفساد ومجاهرته أنه سيتجه إلى حذف آيات القرآن الكريم من المناهج الدراسية أو إضافة نصوص من الإنجيل إليها ، مرورا بالتراخي في محاسبة القتلة واللصوص الكبار واسترداد أموال الدولة المهربة إلى الخارج ، والإبقاء على وزارة الداخلية بشكلها القديم وجهاز الرعب والإجرام المسمي أمن الدولة ، فضلا عن الجهاز الإعلامي الموالي لمبارك وصفوت الشريف في صورته الرسمية أو الخاصة ، وفلول الحزب الوطني المؤثرين في المحافظات والمدن ، وجهاز الإدارة المحلية الفاسد ، الذي صنعه الجهاز الأمني ...

إن هذه الخطايا التي مازالت تمارس حتى اليوم ، تقتضي من الشرفاء في كل مكان أن يتصدوا لها ، وكما تصدوا لكثير من السلبيات على مدى ما يقرب من عام ونصف ، فالأمر يقتضي مواصلة الطريق بالأقلام المتوضئة والآراء التي تبغي وجه الله سبحانه والمشاركات السياسية والاجتماعية والاحتجاجية ضد فلول الفساد والعفن الثقافي والأبواق المأجورة والأقلام التي لا تعرف الوضوء ..

الإسلاميون هم أمل الأمة ،وهم الحلم الجميل الذي يمكن أن يجعل مصر مثل تركيا أو أفضل في فترة قصيرة ، حين يعظمون الإيجابيات ، ويتداركون السلبيات ، ويرفعون شعار الشيخ محمد رشيد رضا ، الذي اعتمده الإمام الشهيد حسن البنا نتفق فيما يجمعنا ، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا حوله ، والحكمة ضالة المؤمن في أي مكان يجدها .

أيها لإسلاميون اتحدوا ، واجعلوا من أنفسكم بيتا كبيرا للأمة كلها ، حتى من ينتقدونكم ويحملون عليكم ؛ طالما تقدمون الرؤية الإسلامية الصحيحة ، في إطار من السماحة والصبر الجميل والدأب المستمر . والله من وراء القصد .