أمرت أن أقاتل الناس

أمرت أن أقاتل الناس

م. بلال حرب

[email protected]

كثيرة هي الأحاديث التي يساء فهمها أو يتم تشويشها من أجل الوصول إلى مأمن شرعي يريح البعض من تأنيب الضمير,ومن جملة هذه الأحاديث قوله عليه السلام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله....الخ)) ,وانتقائنا لهذا الحديث لم يكن عشوائيا وإنما لأنه يحمل دلالات خطيرة على الإسلام وأهله,فوقف الناس فيه بين فريقين:فريق رأى أن هذا الحديث يصور الإسلام على أنه دين دموي لا ينتشر إلا بالسيف والإكراه يرغم الجميع على الدخول فيه أفواجا,فاتخذ من ذلك ذريعة لمهاجمة الأحاديث الصحيحة وردها بالمطلق_مع أن هذا الحديث متفق عليه_وهذا لا يتأتى إلا من قبل من قصر فهمه عن كلام المصطفى وفق مقتضيات اللغة وخطاب القرآن.

وفريق آخر أعجبه هذا الحديث فتلقفه سندا لتدعيم حماسه وأخذ يشهر سيفه على رقاب العباد فإما أن تؤمنوا وإما أن تقتلوا ولا يهمنا فناء البشرية والقضاء على الذرية,ما يهمنا هو إعلاء كلمة التوحيد وردم ألوان الشرك والطواغيت.فتخيل لو سنحت لهؤلاء فرصة كي يترجموا فقههم لهذا الحديث واقعا عمليا أية مجزرة ستنكل بها الأمة.

لقد وصف الشيخ محمد الغزالي هذا الحديث تحت عنوان (حديث مظلوم) في كتابه علل وأدوية ,  لذا فإن وأد أفكار كلا الفريقين وإهالة التراب عليها لهو واجب ديني كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا

فليس المقصود من الحديث أن نحارب جميع الناس حتى نجرهم مكبلين إلى بوابة الإسلام أو أن نتركه بدعوى الإرهاب, لقد أراد النبي عليه السلام من كلمة الناس المحاربين الذين ضنو بالمؤمنين وهذا موافق تماما للبراءة التي أعلنها القرآن في سورة التوبة إذ يقول((لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة)) ولقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك في رسالته( قاعدة في قتال الكفار) حيث أشار إلى أن المقاتلة تكون مع الذين جهروا بعدوانهم للإسلام حتى ينطقوا بالشهادتين أو تكسر شوكتهم ويبقون تحت هيمنة الدولة الإسلامية.

لا بد لنا من فهم صحيح للقرآن والسنة يتماشى مع مقاصد الشريعة,فلقد كانت أول آفة عصفت بالأمة آفة الخوارج الذين انساقوا وراء ظواهر النصوص فنزعوها من سياقها ليتكفلوا وهم جاهلون بإرجاع الناس إلى كلمة التوحيد (فلا حكم إلا لله) وهذا ما جعل الإمام علي عليه السلام يقول حكمته المشهورة(كلمة حق أريد بها باطل).