سوريا دولة عربية مستقلة أو كيان تحت سلطة عائلة وطائفة ووصاية دولية

سوريا دولة عربية مستقلة

أو كيان تحت سلطة عائلة وطائفة ووصاية دولية؟

حسان القطب

أظهرت صورة من موقع شام الإخباري دبابة سورية في منطقة حلفايا بمدينة حماة كتب عليها «الأسد.. أو تحرق البلد» (أ.ف.ب)

اختصر ما كتب على هذه الدبابة..( «الأسد.. أو تحرق البلد» ) جزءاً من تاريخ سوريا الحديث الذي بدأ مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة باسم حزب البعث وتحت شعار تحرير فلسطين وتحقيق العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية والاستقرار الاقتصادي وتطبيق مفاهيم الاشتراكية والمساواة وتعزيز الحريات بين المواطنين في كافة الميادين.. وهذا الكلام الذي كتب بعفوية وصدق يؤكد أن السلطة بالنسبة للأسد هي غاية وهدف له ولعائلته وطائفته ومجموعته وليس غاية سامية ومثالية لبناء دوله ووطن ومستقبل، ولذا فإن الخروج من السلطة معناه النهاية بالنسبة إليه ولمن معه ومن حوله ولا ضرورة عندئذٍ لاستمرار الوطن من بعده ولا حتى لشعبه، ولهذا فإن مسلسل القتل والتهجير والتدمير هو سياسة منهجية وخطة مدروسة لتركيع الشعب السوري وأحراره وفئاته المختلفة والمتنوعة. فإما أن يخضع الشعب السوري ويستسلم ويخدم هذه العائلة وتوجهاتها ويسلم له المجتمع العربي والدولي بهذا الأمر، وإلا فالتدمير والتخريب والقتل برعاية إيرانية وروسية وبعض القوى اللبنانية هو ما ينتظر الشعب السوري ومحيطه. وهنا بناءً على هذا الشعار لا بد من الإشارة إلى ماذا كانت نتيجة هذه المرحلة الصعبة والقاسية والمدمرة من تاريخ سوريا الحديث..؟؟ مزيد من القهر ومزيد من التراجع والتقهقر والتخلف، ومزيد من التباين والتفاوت في توزيع الثروات بين مكونات الشعب ومختلف فئاته حيث تحولت مفاهيم ومبادئ حزب البعث العلمانية إلى أداة لتثبيت سلطة طائفة أقلية صغيرة في وجه الأكثرية، وشعار الوحدة الوطنية إلى محاولة فاشلة لتثبيت وتعزيز تحالف الأقليات في مواجهة المحيط العربي والإسلامي، وتعزيز الفرقة والانقسام والصراع بين دول وأقاليم الأمة العربية بدل العمل على تفعيل مشروع الوحدة العربية، والتحالف مع الدولة الفارسية الجديدة في صراعها التاريخي المفتوح مع الأمة العربية، وتحولت عناوين تحرير الجولان المحتل وفلسطين من النهر إلى البحر إلى شعار السلام هو الخيار الاستراتيجي لدولة سوريا الأسد..واختفت من القاموس كلمة دولة سوريا المستقلة ومناضليها وثوارها وعبارة بلاد الشام ودور الخلافة الأموية في بناء تاريخ بلاد الشام وحضارتها، هذا الانفصام والتباين المؤسف بين الشعارات الجميلة المرفوعة والواقع الحقيقي المؤلم الذي تعيشه بلاد الشام يدفعنا للإضاءة على عددٍ من النقاط الأساسية التي تطبع تاريخ سوريا والواقع السوري الحالي والأمل في سوريا المستقبل والمرتجى:

-        إن بلاد الشام هي أرض وشعب له تاريخ مضيء وصفحات مميزة ودور كبير في بناء الحضارة العربية والإسلامية على مدى قرون ومنذ انطلاق الدولة الأموية التي أنشاها الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان (رض).

-        إن بلاد الشام هي بلاد تجمع أطياف عربية وكردية ومذاهب واديان عديدة ومتنوعة يجمع بينها رابط العيش المشترك والعمل لبناء دولة مستقرة ومستقبل زاهر والسعي لتحقيق مستقبل أفضل.

-        إن بلاد الشام التاريخية والدولة السورية الحديثة لم تكن يوماً كياناً يخدم عائلة أو طائفة. ولم تعرف سوريا هذا الواقع المؤلم إلا مع وصول عائلة الأسد للسلطة تحت شعارات حزب البعث التي استخدمتها مطية.

-        لطالما كانت بلاد الشام قلب الأمة العربية وعرينها ومقصد ومنشأ ومصدر علمائها ومنطلق ثوراتها وناصرة لقضاياها، ولم تكن يوماً بؤرة للفتنة ومصدر قلق وخوف لأهلها ومحيطها وجوارها ولا متآمرة على قضاياها..

-        إن واقع سوريا وبلاد الشام اليوم هو واقع مؤلم حيث تتحكم بمصيرها عائلة ومجموعة من المرتزقة والطفيليين الذين يسرقون ثروات الشعب السوري التي هي مستقبل أبنائه، ويمنعون عنه الحريات والقدرة على النمو والاستثمار والتطور ويجعلون من حياته جحيم لا يطاق، ويدفعونه للهجرة والاغتراب بدل الاستثمار في وطنه، أو أن يكون مصيره السجن والتعذيب والخيار الوحيد هو العمل في خدمة عائلة الأسد وأتباعه.

-        لحماية نظامه وسلطته فقد زرع الأسد في سوريا ومحيطها من دول الجوار مجموعات من المرتزقة والمأجورين الذين يدافعون عن نظامه ويقدسون سلطته ويبررون إجرامه ويهزؤون بثورة أبنائه ويؤججون الفتنة بين مكوناته وفئاته.

-        لم يألوا الأسد الأب والابن جهداً في تفتيت الوحدة الوطنية في لبنان وفلسطين والعراق وحتى في سوريا نفسها ليبسط سلطته ويستمر في حكمه على حساب الخلافات الداخلية وإعطاء نفسه دور القادر على ضبط الأوضاع لحماية لأقليات والأنظمة المجاورة في حال استمراره واستقراره، أو أنها معرضة للخطر في حال تهددت سلطته وتعرض حكمه للاهتزاز، وهذا ما دأب يبشرنا به أدوات الأسد في سوريا ولبنان والعراق من الفوضى التي ستنتشر في حال سقوط الأسد والصعوبات التي ستعانيها الدول المجاورة نتيجة ذلك، والخطر الذي سيحدق بالأقليات في المنطقة..والصواريخ التي ستنطلق في كافة الاتجاهات وعلى دول الجوار.

إن سوريا اليوم بين خيارين: إما أن تنتصر ثورتها وتحقق سوريا استقلالها وحريتها ويبني شعبها مستقبله السياسي والاقتصادي وينجز طموحاته في الحرية والكرامة وبناء دولة عصرية، وتكون سوريا حينها لكل السوريين دون استثناء تسودها العدالة والوئام بين مختلف أطيافها مكوناتها، وإما أن يتحقق الشعار الذي كتب على الدبابة فتبقى سوريا كيان ضعيف هش تحكمه عائلة تزرع الخلافات بين أبناء الوطن وتتدخل في شؤون الدول المجاورة لتأخذ دور إقليمي وهمي يخدم مصالح دول ترعى استمرارها وتدعم سلطاتها ولا يمكن لعائلة أو طائفة أقلية أن تحكم دون تدخل خارجي ورعاية أجنبية وبذا تكون سوريا تعيش الوصاية الخارجية التي تتدخل في كل حين لتنفيذ أهداف الوصاية ويبقى الشعب أسير أطماع وإجرام وجبروت هذه العائلة وهذا ما لا يمكن أن يتحقق أو يستمر طالما أن الشعب السوري قد اتخذ قراره بالمواجهة السلمية أو المسلحة لا فرق، وسواء تعاون المجتمع الدولي أو تهاون أو تمادى في إعطاء المهل والفرص لنظام الإجرام هذا، وشعار الشعب السوري (الموت ولا المذلة) سينتصر على شعار الطغمة الحاكمة المسلحة الذي كتب على الدبابة(«الأسد.. أو تحرق البلد»)..لأن نار الثورة سوف تحرق الأسد ومن معه من قوى الفساد والقهر والظلم..