الأسرى بين نيسان 2000 وأيار 2012

الأسرى بين نيسان 2000 وأيار 2012

ياسر الزعاترة

في نيسان من العام 2000 شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة ما عرف بانتفاضة الأسرى نصرة للأبطال القابعين في سجون الاحتلال، وقد شارك الفلسطينيون في تلك الانتفاضة على نحو عارم أدى إلى استشهاد وجرح عدد كبير منهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتعلق بالسبب الذي يقف خلف ضعف التفاعل الشعبي في الضفة الغربية مع معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها أكثر من ألفي أسير فلسطيني في المعتقلات الصهيونية، يتقدمهم أسرى حماس والجهاد الإسلامي، مع مشاركة معتبرة آخذة في التزايد من قبل أسرى حركة فتح الذين يشكلون النسبة الأكبر من الأسرى في السجون.

هل يمكن القول إن عدم مشاركة جميع أسرى فتح في الإضراب هو الذي يحول دون التفاعل الكافي معهم؟ كلا بالطبع، ولو انضموا جميعا إلى الإضراب لما تغير الموقف، ولبقي التفاعل في حدود المشاهد الاحتفالية البسيطة، تماما مثل تلك التي تنظم أسبوعيا ضد الجدار بمشاركة بعض المتضامنين الأجانب، والتي يريد بعض رموز السلطة إقناع الجماهير بأنها مقاومة شعبية يمكنها تشكيل ضغط حقيقي على الاحتلال.

والحال أن قضية الأسرى هي القضية الأولى التي توحد الفلسطينيين بعد قضية الاحتلال ومن ضمنها العدوان على القدس والمقدسات، ومن الضروري أن ينعكس ذلك على التفاعل اليومي مع إضرابهم على نحو يشعر الاحتلال بأهمية الاستجابة لمطالبهم المشروعة، وتغيير أساليب التعاطي معهم، تلك التي تنطوي على قدر من الإذلال ومساعي كسر الإرادة.

من السهل أن نطالب جماهير الأمة بالتفاعل مع قضية الأسرى، ولكن ما ينبغي ألا ننساه هنا هو أننا إزاء مشهد عربي مرتبك بسبب الثورات وتفاعلاتها، فضلا عن أن هناك في بعض دول الثورات أضعاف عدد الأسرى الفلسطينيين من المعتقلين الذي يذوقون من البؤس أسوأ بكثير مما يذوقه أسرانا في سجون الاحتلال كما هو الحال في سوريا، من دون أن يعني ذلك تبريرا لممارسات الاحتلال، ولا لمحدودية التفاعل مع قضية الأسرى الذين أمضى بعضهم عشرات السنين داخل السجون من أجل قضية الأمة، والذين كان لنضالهم وتضحياتهم دور كبير في إشعال فتيل الثورات العربية ضد الظلم والدكتاتورية.

ما نريد قوله هو أن التفاعل الأكبر مع قضية الأسرى ينبغي أن يكون في الضفة الغربية، وهو الأكثر مساهمة في تحريك القضية والضغط على سلطات الاحتلال لتحسين أوضاعهم، الأمر الذي يرتبط أولا وأخيرا بصمود الأسرى أنفسهم وبالبطولة والعزيمة التي يظهرونها في مواجهة الجلاد.

المصيبة أن من يرهنون أنفسهم لإرادة الاحتلال ويحصلون على بطاقات الفي آي بي منه لا يبدون في وارد خوض المعركة، ولا إشعال انتفاضة أسرى جديدة، ربما لأنهم يخشون من تفاعلها وصولا إلى انتفاضة عارمة ضد الاحتلال والاستيطان والتهويد، هم الذين يصلون الليل بالنهار في التنسيق الأمني من أجل ألا يحدث ذلك.

في قطاع غزة ثمة تفاعل لافت مع قضية الأسرى، وهناك فعاليات يومية، لكن الضغط الحقيقي يأتي من الضفة الغربية، وهنا لا يمكن إلقاء اللوم على الجماهير، تلك التي تبدو جاهزة للتفاعل مع أبنائها وأحبتها في سجون الاحتلال بكل ما أوتيت من قوة، بل يُلقى على المنظومة السياسية والأمنية التي تتحكم بالوضع، والتي تعمل ضد أي انتفاضة شعبية، حتى لو كانت انتفاضة موسمية من أجل نصرة الأسرى المضربين عن الطعام، والذين يشرف عدد منهم على الهلاك.

والحال أن جزءًا كبيرا من المسؤولية يقع على أبناء حركة فتح الشرفاء الذين لا ينبغي للانقسام السياسي أن يحول بينهم وبين المطالبة بتفاعل أكبر مع قضية الأسرى، وعدم الاكتفاء بالمناشدات التي توجه للمؤسسات الدولية بضرورة التدخل.

الأسرى الأبطال ماضون في معركتهم، ويوميا ينضم إليهم آخرون من أسرى حركة فتح رغم عدم وجود قرار مركزي بالمشاركة في الإضراب إلى الآن (يتوقع أن يحدث خلال الأيام المقبلة إذا لم تستجب سلطات الاحتلال لمطالب الأسرى)، وكلنا أمل أن تكون حصيلة المعركة انتصارا لإرادتهم جميعا، لكن انتفاضة شعبية في الضفة ستسرِّع انتصارهم وتقلل معاناتهم من دون شك.