الرباعية.. الواقع والمفترض

همسة .....

الرباعية.. الواقع والمفترض

د. لطفي زغلول /نابلس

[email protected]

هناك دوافع عدة وراء فتح ملف اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط أوالخوض فيه. إلا أننا هنا سوف نقصر حديثنا على واقعها الذي بات يشكل خدعة كبرى للقضية الفلسطينية، وشعب هذه القضية، وأصبح وجودها مثل عدمه، كونها لا تحل ولا تربط، ذلك أن الحل والربط هما في أيدي الولايات المتحدة الأميركية، التي تدور هذه اللجنة الرباعية الدولية في فلكها، وتأتمر بأوامر ساستها في البيت الأبيض.

حينما نتحدث عن اللجنة الرباعية الدولية المنوط بها الإشراف على إيجاد حل ما للقضية الفلسطينية، أو ما اصطلح عليه قضية الشرق الأوسط، فنحن نتحدث عن الأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي، وروسيا الإتحادية. لكن الأهم من ذلك كله هو الضلع الرابع المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية التي أولت نفسها منصب الحكم في ملعب هذه اللجنة الغائبة فعلا، والحاضرة إسما، وهذا الحَكَم هو الذي وحده في يده البطاقات الصفراء والحمراء، وهو الذي بإمكانه أن يشهرها في وجه أي لاعب كما يشاء، أو حتى في وجوه كل اللاعبين مجتمعين.

بداية لا بد من قراءة لحقيقة العلاقات بين هذا الثلاثي في الرباعية الدولية مع الولايات المتحدة التي تنفرد باتخاذ القرارات، وتصر على أن تكون هي المرجع الأول والأخير. إن أقل ما يقال في هذه العلاقات إن الولايات المتحدة لا تقيم وزنا كافيا لهم، وإنها في كثير من الأحيان تتجاوزهم، وتنظر إليهم نظرة استعلاء، وتحد وعدم اكتراث.

في علاقاتها مع الأمم المتحدة، تصرفت على مدى عمر هذه المنظمة الدولية معها على أساس أنها في كفة والعالم كله في كفة، وأن كلمتها هي العليا تحت طائلة المعاقبة والمحاسبة بشتى الوسائل، كونها تملك سلاحي العون المادي والفيتو.

إن سيناريو علاقاتها مع هذه المنظمة عشية العدوان، على العراق وفي أثنائه، وبعده، ، مثالا لا حصرا، ما يؤكد هذه العلاقة غير المتوازنة القائمة على عدم إيفاء هذه المنظمة ما تستحقه من مكانة واحترام وتقدير واهتمام بالسماح لها بتنفيذ ولو قدر يسير من القرارات التي أصدرتها بشأن القضية الفلسطينية، بدءا بالعام 1947 حتى هذ الأيام.

في علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي، فإن روح الهيمنة الأميركية تتجلى هنا. إن الإتحاد الأوروبي لا يخالف سياسات الولايات المتحدة الأميركية، إن هذه السياسات تتقاطع في معظم نقاطها مع سياساتها، وليس هناك أدنى اختلاف في أوجهها وتطبيقاتها. إن الإتحاد الأوربي إنطلاقا من مصالحه ومطامعه والضغوطات الأميركية عليه، قد التزم الخط السياسي الإسرائيلي.

 إن المنظور الأميركي لا يقف عند هذا الحدود. إنه يطرح تسوية للقضية الفلسطينية خارج إطار قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك مشروعية الحق الفلسطيني في وطنه. إن البيت الأبيض، والرئيس الأميركي وباتفاق مع الحكومة الإسرائيلية التفوا على هذه الشرعية التي اعتبروا أنها أصبحت من الماضي، وفصلا من فصول التاريخ.

هكذا فإن الولايات المتحدة تصول وتجول في ملعب اللجنة الرباعية ومعها إسرائيل بحرية شبه تامة، وتفرض رؤاها ومفاهيمها وإرادتها. ولا تختلف الحال عنها في أروقة الأمم المتحدة، وتحديدا مجلس الأمن حيث الفيتو الأميركي بالمرصاد. بمعنى آخر فإن ظلال السياسات والتوجهات الإسرائيلية تخيم على هذه اللجنة، وهذا واضح وجلي في بياناتها المنحازة قلبا وقالبا لإسرائيل والمتجنية على الشعب الفلسطيني، مما يؤكد أنها تدور في المدار الأميركي.

 لقد التزمت الرباعية النهج الأميركي فيما يخص القضية الفلسطينية، أي الإنطلاق من النتائج وليس من الأسباب التي تجاهلتها أو قزمتها. كالعادة أدين ما يسمى العنف والإرهاب الفلسطينيين، وطولب الفلسطينيون بالكف عنهما. وهذا ما هو مقصود بالنتائج. أما الأسباب فعلى ما يبدو لا تهم الرباعية، أو بصحيح العبارة الولايات المتحدة الأميركية التي تريد أن تختزل القضية الفلسطينية إلى "جريمة عنف وإرهاب" ينبغي على العالم استئصالها.

 إن الأسباب هي التي تشكل في كمها الهائل والمتزايد مع الأيام مأساة الشعب الفلسطيني الذي فقد كل شيء إلا الإيمان بالله والوطن والحق السليب. إننا لا نشك أن اللجنة الرباعية بكل مركباتها وعناصرها تجهل المنطق، إلا أنها تتجاهله بالوقوف عند النتائج. وتذكيرا ليس إلا، فإن المنطق فيما يخص الحال في الأراضي الفلسطينية يفترض أن يفرض تفكيرا واحدا هو الإنطلاق من الإحتلال الإسرائيلي، وهنا تكمن منظومة الأسباب التي أشرنا إليها.

 مرة أخرى وقد تكون هي المرة الألف فإن هذه المنظومة الإحتلالية هي التي تكمن فيها الأسباب، ونوردها هنا بالتفصيل الممل: إنها الإجتياحات / الإقتحامات / التوغلات / المداهمات / أعمال الهدم والتدمير / الإغتيالات / أعمال القتل / الإعتقالات / مصادرات الأراضي / الإستيطان / الجدار الفاصل / حرق المنازل والمساجد والمزروعات / الحصارات / الإغلاقات / الحواجز / الأطواق / حالات منع التجول، وهناك الكثير الكثير من هذه الفعاليات والآليات الإحتلالية المصحوبة بالغطرسة والتعالي والتحكم والقمع والقهر والإذلال والتشريد وسلب أبسط الإعتبارات الإنسانية.

 إذا ما أضفنا إلى هذه القائمة ما يخص أساسيات القضية الفلسطينية من استحقاقات، ممثلة بكل القرارات الدولية المجمدة بدءا بحق العودة، وعدم الإعتراف باحتلال الأرض، وعدم الإعتراف بضم القدس وحق التقسيم، فإن المأساة الفلسطينية تصبح كارثة تتفاقم مع الأيام، ولا تترك خيارا أمام الفلسطينيين الذين غرقوا في بحر متلاطم من اليأس والإحباط وخيبة الأمل، وعندها فلا بد أن الحياة تساوي عدمها، وتظل على الدوام كل الإحتمالات مفتوحة أمام اليائسين المحبطين الذين طوال ما ينوف عن ستة عقود لم يروا أي بصيص نور في النفق الذي حشروا فيه.

 إن الفلسطينيين يتوقون كغيرهم من الشعوب بل ربما أكثر من غيرهم إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالطرق السلمية، ولكنهم يشعرون يقينا أن رياح الأطماع الدولية تسير بعكس ما تشتهي سفنهم. إنهم يشعرون أيضا أنه لا الدول الكبرى ولا المنظمات الدولية ولا هذه اللجنة الرباعية قد أنصفتهم. وحقيقة الأمر إنها عادت بهم إلى المربع الأول، مضافا إليه عنصر التجريم والإدانة.

 إن الفلسطينيين على يقين أن الحلول المطروحة عليهم ما زالت نظرية عالقة في مهب الأهواء والأطماع والمزايدات والمناقصات، وإنها بمجموعها لا تصل إلى ما دون سقف أمانيهم وأحلامهم، وإنما هي تستهدف فرض حل يشتم منه كسر شوكتهم، ولي ذراعهم، وتخفيض هامتهم. إن هذه اللجنة الرباعية ما هي إلا إضاعة للوقت، ومماطلة متعمدة.

إلا أنهم في كل مرة يزدادون صلابة وعنادا لاسترجاع حقهم السليب. وهم ما عادوا يأبهون بهذه التهم الظالمة الجائرة التي تكال لهم من قبل دول وجهات ولجان وآخرها هذه الرباعية، تكتال بأكثر من مكيال، وتفتقر إلى الإنصاف والعدل والموضوعية والمنطق، وأيديها ليست نظيفة في تعاملها مع قضايا الشعوب.

كلمة أخيرة ، لقد صام الشعب الفلسطيني طويلا، وما زال صائما، يقاسي الحرمان من أبسط حقوقه الإنسانية. إن الشعب الفلسطيني يرفض أن يكسر صيامه على مائدة حلول وتسويات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تعيد له حقوقه المشروعة كاملة. وهو بهذا قادر أن يواصل المشوار مهما طال. وإن غدا لناظره قريب .