أيّام الأسرى

أيّام الأسرى

صلاح حميدة

[email protected]

تتسارع وتيرة إضراب الأسرى الفلسطينيين هذه الأيّام، ويزداد يوميّاً عدد الأسرى المنضمّين للإضراب، وتتداعى دعوات الوحدة في داخل الحركة الأسيرة وفي خارجها، فالأسرى هم أحد العناوين الأساسيّة في معركة تحرّر الشّعب الفلسطيني من الاحتلال، وهم أصحاب قضيّة عادلة، وهم  زبدة هذا الشّعب وخيرة أبنائه، ولكونهم أصحاب همّ وقضيّة  فمن الطّبيعي أن يكونوا فوق الخلافات والاختلافات والمصالح الضّيّقة.

للأسرى الفلسطينيين يوم يحي فيه الشّعب الفلسطيني قضيّتهم، ويثور فيه نقاش عن كيفيّة تحريرهم، والتّخفيف عنهم، والتّضامن معهم،  ودعم وتكريم أهاليهم، والوفاء لمن تحرّر منهم، وقد تمّ إحياء هذه الذّكرى في السّابع عشر من نيسان، وهو التّاريخ الّذي اختاره عدد كبير من الأسرى لإعلان الإضراب المفتوح عن الطّعام، والّذي يستمر تصاعده منذ ذلك اليوم وحتّى الآن، ولا نعلم إلى أيّ حدّ  زمني أو تصعيدي سيصل هذا الإضراب.

من الواضح أنّ دوافع الإضراب المفتوح عن الطّعام ليست ترفيّةً ولا سياسيّة الدّوافع – مع أنّ هؤلاء الأسرى ليسوا إلا نتاج نضال محق وقضيّة عادلة- ولكن للإضراب أسباب كثيرة أخرى.

فالأسرى يعيشون أوضاعاً بالغة السّوء داخل السّجون، فللمرء أن يتصوّر عمليّات إذلال الأسرى وتعريتهم من ملابسهم بشكل يومي، وللقارى أن يتخيّل عمليّات التنكيل والضّرب والإهانة والمنع من متابعة التّعليم و عن مشاهدة قنوات فضائيّة هادفة ومفيدة، وفوق ذلك المنع من الزّيارة وإذلال أهالي الأسرى ومنعهم من زيارة أبنائهم وتعريتهم من ملابسهم، وفوق ذلك كلّه تغريم الأسرى بغرامات ماليّة باهظة، وما إلى ذلك من ما تتفتّق عنه العقليّة العنصريّة الصّهيونيّة في سعيها لكسر صمود الأسرى الفلسطينيين وتحويلهم إلى كائنات ذليلة مستعبدة، رغبةً منهم في الانتقام من الأسرى لما قاموا به من مقاومة للاحتلال.

لعب إنجاز عمليّة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينيّة والاحتلال دوراً رئيسيّاً في إطلاق الاضراب، فقد كان  العديد من الأسرى يصبرون على ما يجري بحقّهم من انتهاكات أملاً بأن تشملهم عمليّة التّبادل، وبعد أن خرج من خرج، وبقي من بقي لأسباب موضوعيّة، وصل المتبقّون إلى قناعة بأنّه آن أوان النّضال من داخل السّجن لتحقيق إنجازات مطلوبة وتحصيل حقوق مهضومة، وعلى رأسها معاملتهم كأسرى حرب وغيرها من المتطلّبات المعيشيّة والاداريّة والقانونيّة، فحتّى يكون هناك عمليّة أخرى للتّبادل، أو إفراجات لأسباب أخرى وجب أن يقوم الأسرى بدورهم في إجبار الاحتلال على منحهم حقوقهم.

كان  لإضراب القيادي خضر عدنان وما تلاه من إضرابات فرديّة وثنائيّة دوراً في إطلاق شرارة البداية لثورة الأسرى – ثورة الأمعاء الخاوية- بل عاد إلى دائرة النّور شعار ( نعم للجوع ولا للرّكوع) وهو شعار كاد الفلسطينيون أن ينسوه بعد أن دخلوا نفق التّسوية وما أطلق عليه عمليّة السّلام وما رافقها من ما عرف بالمساعدات الخارجيّة، والّتي أصبح قطاع واسع من الفلسطينيين رهينة لها، وبات الاحتلال و( المانحين ) يرهنون هذه الأموال بمتطلّبات سياسيّة و أخرى غير سياسيّة، وهو ما أوقع الفلسطينيين والقضيّة الفلسطينيّة في مأزق خطير ومصيري، فلا هم أقاموا دولة، ولا هم مطلقي اليد للاستمرار في ثورة، ولعل ثورة الأمعاء الخاوية الّتي يقوم بها الأسرى تعطي إشارة لمن هم في السّجن الأكبر من الفلسطينيين حول كيفيّة التّعاطي مع هذا المأزق الخطير، بعيداً عن الاستقطاب السّياسي والصّراعات الفصائليّة.

إن كان هناك من يتذكّر الأسرى في يوم، فللأسرى أيّام من المعاناة والقهر والتّضحية وإفناء الذّات من أجل الكل، وللأسرى أيّام يعدّها آباؤهم وأمّهاتهم وأبناؤهم وزوجاتهم، وللأسرى أيّام يعيشونها وهم على أمل مع فجر الحرّيّة، وللأسرى أيّام يعيشونها صعبة وهم مضربون عن الطّعام وتحت قمع وتنكيل السّجان، ولكنّهم بحاجة لحشد جماهيري وإعلامي متضامن وحامل لهموهم وقضيّتهم، وجهد فصائلي وشعبي للعمل على تحريرهم، فالطّلب الآني للأسير هو تحسين ظروف الاعتقال، ولكنّ القضيّة المحوريّة له هي التّحرّر من قيد الاعتقال في موازاة نضاله لتحرير شعبه من قيد الاحتلال، فقضيّة التّحرّر من الاحتلال وكسر قيد الاعتقال واحدة، ولا بدّ أن يدرك من هم خارج السّجون هذا الأمر ويعملوا كل ما يستطيعون من أجل كسر تلك القيود.