الفاس في الراس

الفاس في الراس

وأدعياء التنوير

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

ما أكثر أخطاءنا !!! ... وما أشدها !! ... وما أغربنا حينما نترك الخطأ يأخذ مساره في طمأنينة عجب ، حتى يستفحل ويتحول إلى خطيئة . وما أكثر الذين صرخوا ... ويصرخون :

 اتركوا الملك للمالك ... وذروا الأمور في طريقها تمضي وتسير ، وإن كان لها خطر فهو ضئيل يسير ، وعمره قصير ... لا تخافوا ، ولا تراعوا .

 فإذا ما قرعنا أجراس الخطر قبل نزوله ، أو وهو في باكورته برْعُم في شجرة الشر ... ارتفعت الأصوات صاخبة عالية ( أعلى من صوت المعركة ) :

 ـــ السكونَ ... السكونَ ... السكوتَ ... السكوت ... لا تقلقلوا الناس ؛ فللأبدان والعقول حقوق يجب أن تراعى .

 ـــ لكن بالله عليكم ... انتبهوا ... انتبهوا أيها السادة .

( ويأتي الجواب : اعتقالات ، واضطهادات ، أو تقريعات ، وتعنيفات ، واتهامات لا تحصى ولا تعد . ... ) :

 ـــ دعاة فتنة ... ركاب موجة ... ظلاميون ... سوداويون ... صفراويون ... في التشاؤم مغرقون ... مشتطون ... مسرفون ...

 ـــ ياسادة ... معظم النار من مستصغر الشرر ، فاتقوا الله ، وقوا أنفسكم وأهليكم نارا ، وقودها الناس والحجارة .

 ـــ لا تبالغوا ... ولا تسرفوا علينا وعلى أنفسكم ؛ فنحن أنقى وأتقى منكم . مثقفون نحن ... وتنويريون نحن ... أما أنتم فالسطحيون ... الجاهلون ... الرجعيون ... الظلاميون ... المتقوقعون .

 ـــ ولكن الوقاية ــ يا سادة ــ خير من العلاج .

 ـــ ولماذا الوقاية ؟ إن الوقاية مكلفة ... إنها تهدر الوقت ، وتأكل المال ، ونحن على العلاج قادرون .

**********

 فإذا ما وقع الفأس في الرأس ... الرأس المكشوف العاري ... شرع السادة التنويريون جدا ... الكبار جدا ... يفكرون في العلاج ... بدءا بإيقاف النزف ، وانتهاء بالضمادات . وتمر الأيام والشهور ، والرأس الجريح المضمد في انتظار لطف الله ورحمته ، وتأتي التقارير مُـشِـيدة ببراعة الأطباء المعالجين وسهرهم المتواصل ، ومتابعتهم المخلصة .

 وما كان أغنانا عن هذه النازلة بكل أبعادها لو أننا أخذنا حذرنا ، ومنعنا فأس العدوان من الأقتراب ، وحَـصَّــنَّا الرأس بخوذة الوقاية والنجاة ، وزرعنا في العقول الوعي السديد ، وغرسنا في القلوب الحزم الشديد ، وألغينا من قاموس حياتنا كلمة منحوتة منكودة اسمها " معلهش " . وسجلنا مكانها : يقظة الضمير ، والشعور بالمسئولية ، وحب الحق والخير والجمال ، واعتنقنا ــ عقيدة وسلوكا ــ من الحِكَم أعلاها وأرقاها ... ومنها هذه الثلاث التى تدور في فلك واحد :

1-  معظم النار من مستصغر الشرر .

2-  الوقاية خير من العلاج .

3-  إذا نحن طامنا لكل صغيرةٍ = فلا بد يوما أن تساغ َالكبائرُ

 أقول هذا بعد أن رأينا فأسا تنطلق انطلاق الصاروخ من أقصى شمال الشام إلى مصر لتصيب الرأس ... بل الرءوس في " يوافيخها " . عجبا !! يحاول الضحية أن يدفع عن رأسه حد الفأس براحة كفه العارية ، فتصيب اليد ، وتعض في الرأس فتدميه ... ويحاول بعض " أولاد البلد " ــ أنا رأيتهم وأعرف بعضهم ــ أن يساهموا في منع الفأس العضوض القاصمة ، أو التخفيف من قوة اندفاعها على الأقل ... فصاح الجنرال " الوسيم " جدا ــ كبير "الحرس الرأسي" ــ :

 ** ويلكم اتركوا الفأس ... فهي مباركة المجرَى والمرسَى ، وظالم ابن جائر من يوقف مسيرتها ... إنها فأس عربية ، لا تفجعوا صاحبها فيها ؛ فإكرام الضيف ــ ولو كان فأسا ــ واجب من واجبات الشهامة ، والأريحية والرجولة !!

 ( ملاحظة : أمّن على توجيهه جنرالات من الحرس الرأسي ، وإن كانوا أقصر منه قامة ، وأقل وسامة ) .

 وأنظرإلى الرأس فلا أرى إلا النزف ، والدموع ، والأوجاع ، والآلام ... ولكني أشهد ــ للحق دون مجاملة ــ أن الجنرال الرأسي صاح في الضحية :

 ** أتصرخ ؟ ما هذا ؟ ... فضحتنا يا رجل ... تحمل واصبر ؛ فالصبر ضياء . " ساعتها تذكرت كلمة رائعة للزعيم المصري سعد زغلول " عجبت للذي يقول للمضروب : لا تبك ، ولا يقول للضارب لا تضرب " !!!

**********

 ومن حق القاريء أن يسأل : هل كانت هذه هي الفأس الأولى في رأس الفكر والحكمة ، وقيم الدين والمجتمع ؟!

 معذرة ... أجيب ... ولكن علىّ أن أرجع إلى الوراء قليلا ... ولا ضير ولا ملامة فقد صنفنا " التنويريون " في فصيل " الرجعيين الظلاميين " !! فلنا ـ في هذا الفلك ـ لقاءات بمشيئة الله .