وقفة مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

وقفة مع الحبيب محمد

صلى الله عليه وسلم

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

كثيرون يخجلون من الحديث عن مفهوم الحب، وترديد ألفاظه، وينصرف ذهنهم إلى ذلك المعنى السطحي الذي يقتصر على حب الرجل للمرأة وحسب.

ولكن الحب أكبر من أن يحصر في هذا المعنى الضيق، فقد ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، وفي دائرة اجتماعية أوسع يقول الرسول الكريم: والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ومن هنا ينطلق المعنى إلى آفاق أرحب مما يظن أحدكم، فحب العمل والإخلاص فيه، والوفاء له، يحمل نوعا من الحب كذلك.

ومن خلال تصرفات الناس وثرثرتهم الزائدة تفرغت اللغة من مضامينها، فقد ابتذل كثير منهم هذا المفهوم، وأصبحت كلمة الحب تقال للعب على الذقون، حتى لم يعد لها معنى ألبتة، وبالمقابل فإنك ترى فريقا من الناس يكتم مشاعره زمنا طويلا، لا يرى أنه من الجميل أو اللائق أن يصرح به، لاعتبارات اجتماعية أو سوء ظن من عدم فهم الآخرين، ولذلك جاء في الأثر "من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد"، وذلكم هو ما يجب على الناس فعله، فأن تتعذب في مشاعرك خير لك من أن يصد الآخرون عنك فأنت عندها ستواجه الأمرين، وليس مرا واحدا، وتجرع من كأسين دفعة واحدة علقما، لا يزول طعمه ما دمت حيا.

وبقيت مسألة مهمة:

هل يمكن أن تفيض المشاعر وتتبلور وتتجسد في حب امرأتين معا أو أكثر؟

الكثيرون يعتقدون أنه لا حب إلا لواحدة على غرار الحب العذري، وأن من يحب أكثر من واحدة فهو مدع وأفاك وصديق التزييف واللعب!!

ولنا في رسولنا الكريم الأسوة الحسنة الحسنة، فقد أحب نساءه صلى الله عليه وسلم حبا لا شك فيه، فهو بشر كان يتصرف على طبيعته البشرية في هذا الجانب، ويشاع عند الناس أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحب عائشة حبا أكبر من حبه لبقية نسائه، ولكن من قرأ أكثر سيكتشف أنه عليه السلام قد أحب السيدة خديجة رضي الله عنها حبا أكبر، ففي الحديث الشريف التي ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلاّ عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها، فغضب ثم قال: «لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء». قالت عائشة : فقلتُ في نفسي لا أذكرها بعدها بسيئة أبداً.

وهنا الرسول الكريم لا يبرر حبه للسيدة خديجة، ولكنه عليه السلام يذكر بفضلها الكبير الذي حازته بفضل مواقفها الصادقة مع الرسول الكريم، فلم ينس عليه السلام تلك المواقف النابعة من تعلق وجداني وفكري معا من كليهما؛ الزوج الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، والزوجة المحبة المخلصة خديجة رضي الله عنها.

فهل بعد حب الرسول من حب؟ عليك الصلاة والسلام يوم ولدت ويوم بعثت نبيا، ويوم يقوم الأشهاد، شافعا مشفعا، نرد عليك الحوض، ونشرب من يديك الشريفتين شربة لا نظمأ بعدها أبدا.  

اللهم آمين.