انتصار الأسد على شعبه سيشرع الأبواب العربية أمام إيران

انتصار الأسد على شعبه

سيشرع الأبواب العربية أمام إيران

صالح القلاب

بعد اعتراف مسؤول إيراني كبير، هو قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، بوجود قاعدة إيرانية في منطقة مضايا بالقرب من بلدة الزبداني، التي تداولت اسمها بكثرة وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، وبعد اعترافه باستقدام أعداد من مقاتلي حزب الله اللبناني للمشاركة في حماية هذه القاعدة، التي وصفها، من قبيل الضحك على ذقون الغافلين والأغبياء، بأنها سياسية وليست عسكرية، فإنه لم تعد هناك حجة للذين يغلقون آذانهم بأصابعهم ويضعون أكفهم فوق عيونهم حتى لا يروا ولا يسمعوا الحقائق ويعترفوا بأن إيران تشارك ومنذ اليوم الأول لانطلاق شرارة الثورة السورية بالسلاح والرجال والأموال في القتال في المعركة التي يخوضها نظام بشار الأسد ضد شعبه.

الكل، كل العرب، يعرفون أن هناك تحالفا استراتيجيا، بلون طائفي فاقع للأسف، بين سوريا وإيران الخمينية، كانت قد جرت صياغته في وقت مبكر في عهد (الإمام) الخميني والرئيس السابق حافظ الأسد، وأن هذا التحالف لم يقم على أساس مواجهة «العدو الصهيوني» والاستكبار العالمي والإمبريالية الأميركية، كما بقي يتحدث ولا يزال إعلام البلدين، وإنما من أجل تمكين الإيرانيين من إنجاز تطلعاتهم «الإمبراطورية» في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وحقيقة فإن هذه المسألة باتت معروفة ومؤكدة ولا ينكرها إلا من هو مصاب بحَوَل سياسي أو من يصر على البحث عن أثر الذئب مع أن الذئب واقف أمامه فاغرا فمه ومكشرا عن أنيابه.

ولذلك فإن إيران، التي تعرف أنها إذا سقط نظام بشار الأسد فإنها ستخسر سوريا وستخسر العراق على المدى البعيد وأيضا ستخسر رؤوس جسورها في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية المهمة ومن بينها حزب الله وسابقا وإلى فترة قريبة حركة حماس ودولة غزة، قد بادرت منذ اليوم الأول لدخول هذه المعركة ضد الشعب السوري، الذي لم يجد بدا من أن يشعل نيران هذه الثورة المجيدة بعد أكثر من أربعين عاما من تحمل البطش والاستبداد والقهر، على أنها معركتها، وأن الانتصار فيها على هذا الشعب سيكون انتصارا لها ولمشاريعها وتطلعاتها في الشرق الأوسط كله بل وأبعد من هذا. وبالتالي فإن الخسارة وسقوط هذا النظام سيمثلان سقوطا لكل هذه التطلعات وكل هذه المشاريع التي هدفها إنعاش مجد الفرس القديم في هذه المنطقة.

وهنا، وعلى هذا الأساس، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن انكسار «الثورة السورية» - لا سمح الله - وصمود نظام بشار الأسد - لا سمح الله أيضا - سيتبعهما وعلى الفور تمدد إيراني بالنفوذ المباشر في اتجاه الأردن، وبالطبع في اتجاه القضية الفلسطينية، وبحيث تصبح المملكة العربية السعودية التي هي جدار الاستناد العربي والرقم الأهم في معادلة هذه المنطقة مطوقة بالنفوذ الإيراني وبرؤوس الجسور الإيرانية من كل الجهات، وذلك على اعتبار أن طهران ستبادر إلى إنعاش الحركة الحوثية والسعي لاختراق الواقع اليمني المستجد، وتحويل هذا البلد أو الجزء المؤثر منه جغرافيا وديموغرافيا إلى قلعة مطلة على الخليج العربي من جهة الجنوب.

كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد حذر في وقت مبكر من هلال إيراني، وليس شيعيا كما لجأت إيران ومعها كل أتباعها وحلفائها للترويج له، يبدأ أحد طرفيه من اليمن في الجنوب وينتهي طرفه الآخر في بيروت والجنوب اللبناني في الشمال، مرورا بالطبع بما يعتبره الإيرانيون قنابلهم الموقوتة في بعض الدول العربية الخليجية وفي العراق وسوريا. وهذا ما اتضح على نحو لا يلجأ إلى إنكاره سوى أعمى البصر والبصيرة بعد انطلاق الثورة السورية، وبعد لجوء رئيس وزراء العراق نوري المالكي إلى تصرفات لا يمكن أن تكون عفوية أو مجرد أخطاء إدارية، أدت إلى إنعاش الفتنة الطائفية في بلده وتحريكها مرة أخرى على غرار ما كان عليه الوضع في سنوات منتصف العقد الماضي.

ثم إنَّ ما لم يُعطَ الاهتمام الذي يستحقه هو أن إيران تراهن، وهي تخوض معركة إسقاط الثورة السورية وصمود نظام بشار الأسد، على سقوط أنظمة «الربيع العربي» في حجرها لأسباب اقتصادية. ولعل ما يؤكد وجود مثل هذا الرهان الإيراني أن هناك معلومات لم يتم التأكد من صحتها بعد، تتحدث عن وجود قنوات اتصال بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية وطهران، وأيضا بين الإخوان المسلمين المصريين وبعض من هم في الدائرة المحيطة بمرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي. وهنا وفي هذا الصدد فإن هناك من يردد اسم زعيم حركة حماس خالد مشعل، ويردد أيضا اسم كاتب مصري «إسلاموي» معروفة علاقته الحميمة بالإيرانيين منذ انتصار الثورة الخمينية في عام 1979.

والمثير للاهتمام بالفعل، ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة التي هي في غاية الخطورة والأهمية، هو أن الموقف المصري الرسمي تجاه ما يجري في سوريا غير واضح وتسوده ضبابية مثيرة للتساؤلات. ويقال في هذا المجال إن ارتباك الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي تجاه تعاطيه مع تطورات ومستجدات الوضع السوري المتفجر قد يعني أن موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الذي هو صاحب القرار في مصر، أقرب بالنسبة للمسألة السورية إلى موقف الجزائر والعراق منه إلى موقف قطر والمغرب والمملكة العربية السعودية. وحقيقة، إذا كانت هذه التقديرات فعلية، فإن هذا يشكل انتكاسة للثورة المصرية التي هي أم ثورات «الربيع العربي»!!

كنت أحد المشاركين في ندوة دعا إليها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت، وقد تحدث في جلسة تحت عنوان «الواقع العربي الجديد.. تأهيل واستشراف» نائب رئيس الوزراء المصري السابق الدكتور حازم الببلاوي، المشهود له بالكفاءة والتفوق في المجال الاقتصادي الذي هو تخصصه الأكاديمي، بألم ومرارة عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر، وأشار إلى أنه لم يصل من المساعدات العربية المنتظرة والمتوقعة سوى خمسمائة مليون دولار من المملكة العربية السعودية ومثلها من قطر، وهو قال إن الخبز في ظل الأوضاع المصرية الحالية يأتي على قدم المساواة مع الكرامة.

ومما قاله الدكتور الببلاوي أيضا، إن مصر تمر الآن بأوقات صعبة لأنها تمر باختناق تمويلي، وقال أيضا «إننا نتحدث عن هذه اللحظة الراهنة، وإن الوقت ليس وقت المشاريع الطويلة الأمد، وإن حالنا الآن كحال المريض الذي يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة حيث لا تنفع المسكنات ولا يفيد التضميد ولا يجوز الحث على الصبر والمزيد من الصبر وتحمل الآلام بشجاعة ورجولة»!!

وما قاله هذا الرجل المطلع على حقيقة أوضاع مصر الاقتصادية - التمويلية على وجه التحديد - بحكم مواقع المسؤولية التي شغلها وبحكم كفاءته المعروفة، يعني أن الدول العربية المقتدرة لا تملك ترف «الفرجة»، وأنها إن لم تتحرك الآن وبسرعة فإن الثمن على المدى القريب جدا، في ضوء ما تسعى إليه إيران من استغلال لظروف ما بعد ثورات الربيع العربي، سيكون مكلفا وباهظا جدا لكل من يستهدفهم الإيرانيون بنفوذ رؤوس جسورهم في أكثر من دولة من دول هذه المنطقة.

إنه لا يجوز ترك مصر لتواجه ما تواجهه الآن وفي هذه اللحظة الراهنة من تحديات اقتصادية فعلية، والمسألة هنا تتعلق بالأمن القومي الذي يعتبر أمنا وطنيا لكل دولة عربية مستهدفة من قبل إيران، والمعروف أن الساحة الخالية تستقطب البديل الجاهز للتدخل. ولذلك فإن المؤكد أن الإيرانيين سيستغلون هذه الأوضاع الاقتصادية البالغة السوء لاجتذاب هذه الدولة الأساسية والمحورية، إن ليس إلى جانبهم فإلى موقع المحايد، وهذا ما يمكن الإحساس به الآن بالنسبة لموقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مما يجري في سوريا، وموقفه من تعاطي الجامعة العربية مع الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة.