مخاطر على الثورة السورية

د.مصطفى الحاج حامد

د.مصطفى الحاج حامد

على مر العصور كان الطريق لتفتيت كيان الدول العظيمة وهدم بنيانها المتماسك، يعتمد على أكثر معاول  الهدم فتكاً من الفتن والنزاعات ،والخلاافات الدينية والعرقية الاثنية . كل الدول التي لم تستطع ركب قطار التطور والنمو، مشغولة بحروب وصراعات جانبية ، فُرضَت عليها، لكي لا تجد الفرصة والوقت للتفكير بمستقبل شعوبها، رُغم ما تملكه من مؤهلات، وامكانيات اقتصادية وبشرية،  لمجاراة اكثر الدول الغربية تقدما وقوة في كل المايدين.

عندما ترى بعض أصدقاء الأمس، وزملاء الغربة، وأصحاب المحنة، وأخوة الدين الذين كُنت تَظن أنهم منك وأنك منهم، ثم تجدهم فجأة، وبدون أي مبرر واضح، أو حجة دامغة ، أودليل بيًن ،وبدون أي مقدمات عندما تجدهم ينسفون  بروابط العقيدة والدين، ووشائج الغربة والمحنة، ووحدة المصير والهدف ،ينسفون بكل هذه الروابط عرض الحائط لحسابات شخصية دنيوية، او نظرة حزبية ضيقة،أو ضيق بالآخر وعدم تحل حتى مشاركته في المعارضة. تقف محتارا امام هذا السقوط الاخلاقي وتحطم المبادئ على صخرة المطامع الشخصية،عندها  تتوقع كل اتهام وكل تخندق وكل معداة من هذه التحزبات الجديدة.عندها تخشى على الوطن ومستقبله والتعايش السلمي أمام هذه الخلقيات الهشة والنفوس الضيقة.تخاف من أن تكون هذه النفوس تحمل جينات الاستعداد للتخوين والاستعداد للتحالف في أحلاف تضر بالوطن والمواطن.

وعندما ترى من كنت بالأمس  لاتعرف إنتسابه العرقي، بسبب إنصهاره في هوية أعلى مثل الهوية الدينية والوطنية،عندما  تجده هو الآخر لا يكاد يبدأ جملة إلا أدخل بها المحتوى العرقي الاثني ،تحتار هل هذا هو من كنت تعرفه ام انه خَلق جديد ،حتى هو نفسه لم يعد يعرف حاله كما وصف لي احد الزملاء حالته النفسية وشخصيته الغريبة الجديدة عليه.

أمام هذه الوقائع الواضحة امام العين المجردة، وما يكتب في صفحات التواصل الإجتماعي، وصفحات السوريين التي تجاوزت الآلاف من المواقع ،والعشرات من التكتلات والتيارات الجديدة ،علينا التوقف بشكل علمي والتمهل بشكل عقلاني ووجداني، أمام  هذه التحديات الحقيقية  التي تقف أمام مستقبل سورية الجديدة وتهدد التعايش السلمي الاجتماعي الذي يحلم به كل مواطن سوري حر.

التحديات والمخاطر على الثورة السورية عديدة وكثيرة ،لكن يمكن القول بأن أخطرها وأكثرها الحاحا وتحديا هي ثلاثة مخاطر، أو خطوط حمراء، يجب على كل عاقل ومن يحمل ذهن متفتح يحب الخير لنفسه وأهله وبلده، أن لا يكون من المأججين لهذه النعرات، ولا يساعد على أتساع شرخ المجتمع السوري، الذي عَرف التماسك والعيش المشترك على مر العصور.

أهم هذه المخاطر والعصبيات :

1-العصبية الدينية :

كثير من الحروب قامت، ولاتزال حروب ومعارك وعداوات قائمة بأسم الدين والمذهب،هذه ليست بحالات طارئة على العالم الإسلامي، فتاريخ العصور الوسطى وعصور الإنحطاط والتخلف مليئة بآلام هذه المعارك والمطاحنات و المشاحنات. الامر لا يتعلق ولا يمس الدين الحنيف ولا بالإسلاميين الذين أفتخر بالإنتماء لهم ،الأمر يتعلق  بمدى جاهزية هؤلاء الإسلاميين ونضجوهم وإخلاصهم، فالخوف ليس من الإسلاميين بل من أنصاف الأسلاميين والذين يأخذون من الدين نصفه ويتركون النصف الآخر،أو بمن يجهل فقه الواقع وعلم الحكمة والسياسة الشرعية ، وبمن يمتطي الدين لنيل مآربه الشخصية.لذلك يقع واجباَ كبيراَ علينا نحن الاسلاميين قبل كل شيئ،علينا مسؤولية كبيرة من تنقية الصفوف وتحصين المعتقدات، وتوعية كل من يريد التكلم بأسم الإسلام و الإسلاميين.فالأفعال عندما تخالف الأقوال فأول إنعكاس سيكون إساءة بحق الدين وبحق كل من ينتمي لهذا الدين.

2- العصبية العرقية الاثنية:

هي أكبر معضلة تواجهها دولنا الإسلامية بشكل عام،جذور هذه المعضلة ليس جديداً،لقد حذر منها رسولنا الكريم ،فقال أتركوها فإنها نتنة،ورغم هذا إستطاع الإستعمار استغلالها، لتفتيت الدولة الاسلامية والدول الموحدة على مرالعصور.

وهي نقطة الضعف التي أعتمد عليها الأنجليز في سياسة فرق تسد، وهي التي قصمت جسد الامة العربية ودول اسلامية لا تزال تعاني من آثارها السلبية.الأعراق والملل شيئ لايمكن الخلاف عليه ولا يمكن إنكاره ورفضه. لكن الخطر يكمن في أن تصبح هذه النعرات مطية لتدخل أجنبي، أو لتقسيم الوطن الواحد، أو بث بذور التفرقة، وتقسيم المقسم وتجزيء المجزئ.من هنا يقع العبئ الأكبر على الإسلاميين أيضا بجانب الأحرار الوطنيين، الذين عليهم قيادة هذه الأقليات وتوجيهها بوعي وحكمة ، ومحاولة وأد فكرة الخلاف والنزاع في مهدها ، وليس الإنجراف وراء ميول الأقلية القليلة من الأصوات النشاز.عليهم الابتعاد عن النفس القومي والإنخراط في النَفَس الاسلامي والوطني .

3-العصبية الجغرافية(المناطقية):

عصبية أُبتليت بها كل بلادنا أيضاً ،حتى بين الملة الواحدة والقومية الواحدة وحتى بين الجماعة والحزب الواحد،المتتبع لكثير من الكتابات السورية على صفحلت التواصل الإجتماعي يرى وبكل وضوح هذه النعرة المناطقية والنفس الضيق بدى يطفو ويغلب كل الوشائج الدينية والقومية والعرقية.لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن أرى أحد الاسلاميين والوطنيين والقوميين وهو يحمل هذا النفس الضيق الذي لم أجد له أي مبرر سوى العصبية التي نبغضها كلنا نظرياً ،لكننا لم نستطع إثبات ذلك في أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا.قد تبدوا هذه من أخف العصبيات ضرراً ،لكن الواقع يقول غير ذلك إن لم ننتبه من أين نُؤتي، وإذا لم نتعالى بأفكارنا وأنفسنا وأهدافنا ووسائلنا وآلياتنا.

 ولكن ورغم كل هذه المخاطر  ،إذا علمنا انه يعيش في سورية الآن 72 فرقة مابين  ملة ودين وعرق ومذهب ، وأن أحدث طائفة عمرها 900 سنة ندرك مدى تماسك النسيج السوري منذ قديم الزمن، وندرك من ناحية أخرى مدى خطورة هذه المعاول إن لم نملك الحكمة والمنطق والعقل، في تحويلها لعناصر ثقافية اجتماعية تزيد تماسك النسيج الاجتماعي وتغنيه لا تُفقره وتُفرقه.

الشعب السوري الذي خرج ينادي منذ بداية الأيام الأولى لثورته المجيدة، واحد واحد الشعب السوري واحد ، لم يطلق هذه الشعارات جزافا عبثاً بدون تفكير ووعي مسبق, بل هو ناتج عن إدراك لخطورة المرحلة، وخُبث العدو في محالولة اللعب على هذه الاوراق الخطيرة.هذه الصحوة والشعارات الاستباقية تبعث الأمل مرة ثانية من جديد على انه لاخوف على مستقبل سورية السلمي، إن نَحنُ عَرفنا مكامن الخطر والحكمة في التعامل معها.وهذا ما نتمناه لسوريا المستقبل والأمل.