مذبحة الأطفال

مجاهد مأمون ديرانية

الثورة السورية: خواطر ومشاعر (36)

مجاهد مأمون ديرانية

يوم حزين جديد من أيام ثورة الحرية والكرامة في بلاد الشام، يوم الأطفال. تسعة من أطفال سوريا الذين شهدوا شروقَ شمس يوم الجمعة لم يشهدوا غروبَها؛ لقد غادروا دنيانا قبل أن يغادر قرصُ الشمس سماءها في ذلك اليوم الحزين.

تسعة أطفال في يوم واحد، ستة صبيان وثلاث بنات، اغتالهم المجرمون الجبناء برصاصات غادرة وهم بين نائم في بيته وخارج من مسجده وراكب في سيارة أهله. تسعة أطفال لم يَجْترحوا ذنباً ولا اقترفوا خطيئة، ولا بلغوا في السن مبلغ اجتراح الذنوب واقتراف الخطيئات، إلا أنهم وُلدوا في زمن سطت فيه على بلادهم عصابةٌ من المجرمين واللصوص وقطّاع الطرق، عصابة من قَتَلة الأطفال.

إن طفلاً واحداً يَألَم أو يُكلَم يهزم قوة قلبي ويسفح دمع عيني مدراراً، فكيف بتسعة؟ تسعة أطفال يُصرَعون في يوم واحد؟ تسعة أطفال يُحصَدون برصاص الغدر الجبان، كالطير يصطاده اللاهون فيسّاقط من جو السماء، أو كالزهر يقصفه العابثون ثم يسفحونه على الأرض، لا لغرض إلا لتزجية الوقت وإرواء غريزة القتل والقطع والإيذاء.

إن طفلاً واحداً اخترقت رأسَه رصاصةٌ مجرمة فانكبّت عليه أمه المفجوعة تبكيه وتودعه الوداع الأخير، طفلاً كان في لحظة ملء الدنيا نشاطاً وحماسة ثم هوى وذوى في لحظة بعدها، إن طفلاً واحداً من هؤلاء يكفي لتوزيع الأحزان على الأمة كلها، فكيف بتسعة في يوم واحد؟

إن القَتَلة في الناس كثير، أولئك نسمّيهم مجرمين ونقتصّ منهم القصاص العادل، النفس بالنفس، أما الذين يقتلون الأطفال فماذا نسميهم؟ أقسم إن القتلة والمجرمين لَيخجلون من الذين يقتلون الأطفال ويتبرؤون منهم ويشمئزون من أفعالهم.

ليس شجاعاً من يقتل غيلةً من وراء منظار بندقية، هذه فرغنا منها من زمن، وليس شجاعاً من يقتل إنساناً أعزل، هذه أيضاً فرغنا منها من زمن. ولكن ماذا نقول فيمن يقتل غيلةً طفلاً بريئاً أعزل؟ وماذا نقول قبل ذلك فيمن يعذب طفلاً صغيراً حتى الموت، يخلع أظافره ويقلع أسنانه ويقطع أطرافه، ثم يكسر عنقه؟

أنسمّيه وحشاً؟ الوحوش تتبرأ من هذه الفعلة. أنسميه نذلاً؟ النذالة تخجل أن تُنسَب هذه الجريمة إليها. هل هو خسيس؟ جبان؟ ما هو؟ لا والله لا أجد له في لغتنا وصفاً يليق به ولا في غيرها من لغات البشر؛ أحسب أن البشر لمّا وضعوا لغاتهم لم يظنوا أنه سيكون منهم من يفعل هذه الموبقات فلم يضعوا له لفظاً يناسبه.

يا أيها القتلة: لقد هممت أن أدعو على أولادكم، ولكن ليس هذا من العدل ولا من شيم المؤمنين، فإنها لا تزر وازرة وزر أخرى، ولكني سأدعو عليكم بدعوة في الدنيا ودعوة في الآخرة؛ فأما الأولى فأسأل الله أن يقطع نسلكم فلا يرى أحفادُنا أمثالَكم، أو أن يُخرج من أصلابكم من هو عدو لكم، فذلك خير لنا وشر عليكم. وأما الثانية فأسأل الله أن يقذف بكم في قعر جهنم وأن يعذبكم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، وأن يُشهدنا عذابكم في ذلك اليوم العظيم، فإنها لن تسكن نفوسُنا المضطربة ولن تنطفئ نيران قلوبنا حتى نرى فيكم وعد الله.

يا أيها المجرمون: إنكم اليوم تقتلون أطفالنا ولا تبالون، فأرونا ما تصنعون غداً حينما تَغُلّكم ملائكة العذاب ثم تلقيكم في نيران الجحيم.