أزمة ثقة

حسام مقلد *

[email protected]

محزن ومؤلم للغاية أن يشعر 85 مليون مصري أنهم ضربوا على قفاهم في مليونيات حاشدة وعلى الهواء مباشرة أمام سكان كوكب الأرض!! ومؤسف جدا أن تتفجر في أعماقهم براكين الغضب والخزي والمهانة وهم يتأكدون كل ساعة أنهم خدعوا على مدى تسعة أشهر كاملة ظنوا خلالها أنهم أسقطوا نظام مبارك القمعي الفاسد، ولسذاجتهم كانوا يتيهون فخرا وخيلاء بين الأمم، ثم ها هم يكتشفون فجأة أنهم شربوا أكبر مقلب جماعي في التاريخ، ولا يمكن لأي إنسان في العالم أن يدرك مدى بشاعة هذا الشعور بالعار والاستخفاف بالعقول والتلاعب بها إلا المصريون الذين ظنوا أنهم تحرروا وبدؤوا يضعون أقدامهم على طريق الحياة الكريمة، ثم يجدون أنفسهم بين عشية وضحاها وقبيل أول انتخابات بعدة أيام يواجهون نفس القمع والبطش والامتهان من رجال الشرطة وكأن ما حدث كان مجرد وهم أو سراب، ولا غرابة أن تتفجر مشاعر المرارة والحسرة وخيبة الأمل في نفس كل مصري كان يمني نفسه بغد أفضل له ولأولاده!!

وليس مفهوما أبدا كيف نملأ طريقنا بالعبوات الناسفة، ونزرع فيه الألغام بأنفسنا، وعندما تبدأ في الانفجار نجلس نصرخ ونشتكي ونتحسر على وطننا الذي يضيع من بين أيدينا؟! ثم نلقي التهم جزافا هنا وهناك، ونعلق فشلنا وخيبتنا على شماعة التآمر، نعم هناك متآمرون على الثورة المصرية المباركة في الداخل والخارج ولا همَّ لهم جميعا إلا إفشال هذه الثورة، لكن أكبر أعداء الثورة هم منا يعيشون بيننا يسرحون ويمرحون بكل حرية يتكلمون في الفضائيات ويكتبون في الصحف: فيخوفون العلمانيين من الإسلاميين، ويبثون الفزع والذعر في قلوب المصريين من السلفيين المتخلفين المتطرفين الذين سيرجعون مصر إلى القرون الوسطى، ويمنعون الفن، ويحاربون السياحة، ويضطهدون النصارى، ويُقْعِدُون النساء في بيوتهن كسيرات محسورات القلب والفؤاد، وفي نفس الوقت يندسون في المساجد وجوامع لتهييج شباب السلفيين ذوي العواطف الإسلامية الجياشة ضد العلمانيين الكافرين والليبراليين الملحدين، وفي غمضة عين يذهبون إلى أهل السلطة والحل والعقد من المجلس العسكري وحكومتنا الثورية فيشقون الجيوب ويلطمون الخدود ويتباكون على ضياع الوطن وسقوط مصر في أيدي الإسلاميين المتزمتين الذين سيستأثرون بكتابة دستور البلاد الجديد ثم ينقلبون على الديمقراطية فور وصولهم للحكم.

وهنا لا يجد مجلسنا العسكري مفرا من محاولة استباق الأحداث ومصادرة آراء المصريين بشكل مبتكر اسمه المبادئ الحاكمة أو فوق الدستورية، وعندما يعترض الناس لأن ذلك افتئات على حقوقهم لا تهتم الحكومة وتصر على موقفها، فيستشيط الناس غضبا ويتم تعبئة جميع الأطراف، وعندئذ يكون الأمر قد وصل إلى نهايته، فتظهر وزارة الداخلية مجددا، وينكشف القناع، ويكتشف المصريون أنهم لم يفعلوا شيئا طوال هذه الأشهر، وأن العقلية السائدة في الأجهزة السيادية في الدولة هي نفس العقلية التي تحكمنا منذ ستين سنة، وأنها لم تتغير في الحقيقة، وكل ما حدث هو محاولة استبدال مبارك ورجاله الفاسدين بأسماء أخرى جديدة مع الحفاظ على المنظومة الحاكمة بنفس عقيدتها السياسية التي تستعلي على المواطنين، وتراهم عبيدا، وتعتبر من بيده الحكم هم السادة المبجلون، ولا يمكن للسادة أن ينزلوا أبدا على إرادة العبيد، وهذا ما عبر عنه مدير أمن محافظة البحيرة عقب سقوط نظام مبارك فقد كشف لا شعوريا عن نظرة رجال الأمن في مصر للعلاقة بينهم وبين المواطنين فهي كعلاقة السادة بالعبيد! وفي ظل كل هذه الأمواج المتلاطمة وانعدام الثقة الكامل بين جميع الأطراف كيف يأمن المصريون على مصالحهم ومستقبل وطنهم؟!

                

 * كاتب إسلامي مصري