حلب في قبضة الشبيحة

وأهلها يرون الجيش للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة

معارض حلبي لـ «الشرق الأوسط»: نخرج في المظاهرة فنجد أنفسنا محاطين بآلاف الشبيحة يحملون العصي الكهربائية والسكاكين

بيروت: سوسن الأبطح 

فوجئ سكان حلب صباح أول من أمس بدخول كتيبة كاملة للجيش إلى منطقة «الراموسة» على مشارف المدينة، تضم نحو 600 جندي، و18 مركبة مصفحة إضافة إلى 3 ناقلات جند. وقال أحد السكان لـ«الشرق الأوسط» في اتصال معه «إن حلب لم تعتد بعد هذه المظاهر، رغم أن ثمة مظاهرات متفرقة تحدث فيها. وهي المرة الأولى منذ بدء الثورة التي يدخل فيها الجيش السوري حلب، بعد أن كان أمنها متروكا للأمن والمخابرات والشبيحة».

وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن حلب التي بقيت تحت أجنحة النظام، بدأت تتحرك مع انتهاء عيد الأضحى، حيث أحرق محتجون مركزا للأمن في منطقة «المرجة» وأخرجوا المعتقلين فيه، وما يزال مغلقا إلى اليوم، وعادوا وهاجموا منذ يومين مركزا صغيرا للأمن في منطقة «الفردوس». وتخرج مظاهرات لا سيما كل يوم جمعة في نحو ست مناطق منها «الصاخور»، و«صلاح الدين»، و«سيف الدولة». فيما باتت مناطق عشائرية وصعبة المراس مثل «المرجة» و«النيرب» تخرج فيها مظاهرات يومية.

وإذ يصعب تأكيد العلاقة بين التطورات الأمنية التي تشهدها حلب لا سيما في الأسبوع الأخير، والمشروع الذي تسربت أخباره حول رغبة عربية - دولية، في تحويل حلب إلى جزء من المنطقة العازلة، إلا أن المصادر تقول إنها لا ترى علاقة بين الموضوعين، وإنما هناك احتقان بقي ممسوكا في حلب ويبدو أنه بدأ يطفو على السطح. والمنطقتان الأساسيتان اللتان تشهدان تمردا الآن أي «المرجة» و«النيرب» معروفتان بالعشائر ووجود السلاح، والروح القبلية. والمفارقة أن المنطقتين اللتين اعتمد النظام على أهاليهما لتحويلهم إلى شبيحة، ثار المعارضون بينهم مما يعني أن ثمة انقساما أهليا كبيرا فيهما، بين من يوالي النظام ومن يعاديه، والسلاح متوفر بيد الطرفين. وكذلك تنطلق مظاهرات متواترة في مناطق فقيرة في ريف حلب مثل عندان وتل رفعت وإعزاز وكذلك ترمانين ومارع ومنغ.

ويجمع حلبيون تحدثنا معهم، على خصوصية المدينة، وتركيبتها المعقدة، وعلى أن ثمة أسبابا موضوعية جعلتها لغاية الآن، بعيدة عن تفجر كالذي تشهده حمص أو شهدته حماه. ويقول تاجر حلبي لـ«الشرق الأوسط» رفض ذكر اسمه: «حلب مدينة متمردة أصلا، وهي معقل تجار المخدرات ومهربي السلاح، ومحكومين أخرجوا بعد العفو عنهم، وفيها قبائل وعشائر وتحكمها العصبيات، لذلك فإن النظام يتحاشى بشكل كبير تفجير الوضع في حلب. وهو يسترضي رؤساء العشائر ويداهن تجار الممنوعات الذي يعملون أصلا بغطاء من الدولة. موظفو الدولة والبعثيون لا يشكلون أكثر من 30% من السكان، بينما يرتبط الموالون الآخرون بمصالح من نوع آخر مع نافذين في السلطة». ويضيف التاجر الحلبي الذي يزور لبنان: «حتى التجار الشرفاء يجب أن يسترضوا النظام كي يسيروا أعمالهم».

سبب آخر للهدوء النسبي الحلبي هو «القبضة الأمنية الشديدة» بحسب ما يقول معارض حلبي يدعى حسين عبد الرحيم شارك في المظاهرات، وقبض عليه الشبيحة قبل أن يهرب إلى لبنان منذ أيام ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نخرج في المظاهرة.. نحو 300 شخص، فنجد أننا محاطون بآلاف الشبيحة يحملون العصي ويضربوننا بالحجارة، ومعهم سكاكين، وعصي كهربائية. رغم وجود كلاشينكوفات بيد بعض الشبيحة، فإن إطلاق الرصاص نادر جدا في حلب، بعكس الريف الذي يمكن أن يشهد إطلاق نار. فقد يطعن المتظاهر أو يضرب ويجرح في حلب، لكن النظام لا يرغب بإيقاع قتلى تفاديا لغضب العشائر، التي إن فقدت شخصا قد تقيم الدنيا ولا تقعدها. أضخم مظاهرة في حلب يمكن أن تصل في أحسن الأحوال إلى ثلاثة آلاف شخص، ولا يمكنها أن تصمد أكثر من نصف ساعة في وجه الشبيحة، حتى لو كانت منظمة وأعادت تجميع نفسها عدة مرات».

ويروي حسين عبد الرحيم «قررت في إحدى المرات الخروج مع الشباب في مظاهرة، لكنني حين وصلت ورأيت عدد الشبيحة، خفت ولم أهتف وبقيت واقفا، أحاول أن أحفظ أرقام سيارات الشبيحة لأخبر شباب الثورة عنها كي يتم استهدافها، إحراقها أو حتى تعريتها من عجلاتها».