المعارضة السورية... الأزمة والمخرج

المعارضة السورية... الأزمة والمخرج

د. نور الدين صلاح

وجد المعارضون السوريون أنفسهم أمام واقع قائم لم يتحكموا في مجرياته ولم يخططوا لأحداثه، لقد خطط الثوار ونفذوا وانطلقوا ومضوا حيث يكتب التاريخ وتتغير ملامح الحياة، وهنا أريد أن أتحدث بواقعية عن واقع المعارضة لأقرر ما يلي :

أولاً : واقع الاختلاف الذي يردّ إلى أسباب طبيعية منطقية مبررة منها التصحر السياسي الذي صاغه النظام المتفرد المستبد عبر عقود من الزمن، فلا حياة سياسية حقيقة ولا ممارسة لكل مفردات السياسة في بلد تقمع فيه الحريات وتهجر فيه العقول وتصطنع فيه الأزمات وترزح الأمة تحت قانون الطوارئ خمسة عقود من الزمن

ثانياً : تنوع الإثنيات والإيديولوجيات والطوائف مع ما يحمله هذا التنوع من إرث تاريخي محلي وإقليمي عميق التباين

ثالثاً : اختراق النظام الأمني لتيار المعارضة بحيث يسعى هؤلاء دائماً إلى تبديد الجهود وتفريق الصفوف وإثارة النعرات بالتركيز على التناقضات وقضايا الاختلاف بدل نقاط الاتفاق، وهذا نلاحظه عند كل محاولة للاجتماع والالتقاء تراهم يهرعون إلى (الكاميرات) و(الفضائيات) ليخونوا ويشككوا ويخذلوا وهذا لم يعد خافياً وبعضهم صار معروفاً بالاسم وبعضهم بدأ يكشف في لحن القول وفلتات اللسان

رابعاً : مشكلة الداخل والخارج، فالداخل فاعل لكن الجزأ الأكبر منه خفي لا يعرف حجمه ولا تمثيله والبعض لا يعرف من هو، والخارج ظاهر لكنه غير فاعل على الأرض في الداخل وإلى الآن لم يعكس تطلعات الثورة في الخارج ولم يحدد مفردات مطالبها فينظم إيقاعها بدقة بما يتناسب مع مراحلها المنطقية، مما جعل الثورة ليس لها عنوان يمكن الاتصال بها من خلاله

خامساً : التباين الواضح بين شريحتين عريضتين أساسيتين في المعارضة، الشريحة الأولى تمثلها الشخصيات التاريخية من مناضلين وحقوقيين وجماعات كان لها دور بارز في معارضة النظام ويمكن أن يطلق عليها (المعارضة التقليدية) وأكثرها ذاق مرارة النظام وما زال يعيش على أنقاض الماضي وإلى فترة قريبة ما زال يستجدي النظام، والشريحة الثانية ويمثلها مجموعة الشباب الثائر المتسلح بالتقنية الحديثة وأكثره ولد في الغربة وسنحت له فرص حقيقية للاطلاع على الحياة السياسية الحية في أوربا وأمريكا وأنحاء المعمورة وهؤلاء لم يكونوا أسرى لواقع فرضه النظام ولم يعيشوا عقدة الاضطهاد ولم يتجرعوا غصص المراحل السابقة، فعندهم الهمة العالية والآمال العريضة والاندفاع الواثق، فكيف يجتمع الطرفان، الأولون يتهمون الفريق الثاني بالاستعجال وحرق المراحل، والآخرون يتهمونهم بالتباطؤ وعدم مواكبة ركب الثورة واللحاق بها

سادساً : اللاعبون الإقليميون، فلا شك أن هؤلاء لهم مصلحة في اختراق المعارضة واستمالة بعضها وهذا أمر لا يخفى، فهذه الدول لها مصالح وكثير منها يتطلع لأن يكون لاعباً أساسياً ورئيسياً في المنطقة، وهنا قد تتعارض المصالح الإقليمية فتنعكس اختلافاً في المعارضة السورية

سابعاً : غياب الشخصية الجامعة ذات (الكرزما) القوية التي تكون موضع قبول وثقة من مختلف الأطراف بحيث لا يمكن تجاوزها ولا إغفالها، وربما تتبلور بعد مدة مثل هذه الشخصيات بفعل الصناعة الإعلامية

ثامناً : التشويه الإعلامي الذي يمارس على المعارضة من قبيل النظام وأجهزته الإعلامية ومن يدور في فلكهم من جملة الاتهامات بالتآمر والانتهازية وتقاسم الغنائم والمتاجرة بدماء الضحايا وبعض هذه المعارضة يعطي بسلوكه المبررات لهذه الاتهامات، وذلك بالمحاصصات والمناكفات والمهاترات

تاسعاً : مشكلة التواصل والالتقاء، وإن كانت هذه حلت جزئيا بفضل تقنية الاتصالات الحديثة، لكن تبقى هذه مشكلة فالمعارضون متناثرون في قارات الأرض وبعضهم محكوم بوظيفته وطبيعة عمله مما يحد من حرية الحركة والتنقل

والذي أريد أن أبينه هنا ملامح المخرج من هذه الأزمة :

·        الخطوة الأولى لا بد من تحويل هذه الفتات من الأحزاب والهيئات والتنسيقيات والشخصيات المستقلة إلى تجمعات كبيرة أقرب إلى التناسق والتجانس، ولنفترض مجموعتين أو ثلاثا، فهذه خطوة مهمة نحو الاجتماع النهائي، فإذا تشكلت هذه التكتلات أمكن انتخاب قيادات فاعلة فيها بحيث يمكن إجراء حوارات وطرح برامج عمل جدية يمكن الانطلاق من نقاط الاتفاق ومن ثم التركيز على نقاط الاختلاف، ويدير هذا هيئة حوار مستقلة تحوز رضاً نسبياً من هذه التكتلات

·        لا بد من ميثاق شرف يربط المعارضة لتتحول من عمل خيري تطوعي إلى عمل منظم مسؤول، ويمكن أن يكون ذلك من خلال إجراءات محددة خطية موثقة، ويمكن أن يكون هذا الميثاق متضمناً لما يعرف بفلسفة الثورة، وتحديد عناصر أساسية تحدد ملامح الممارسات الحالية والمرحلة المستقبلية، كعدم الإقصاء والبعد عن الطائفية، والدولة المدنية واحترام خيارات الشعب والالتزام بقرارات المعارضة....... إلخ

·        تشكيل اللجان المتخصصة كالإعلامية والخدمية والسياسية التي تجعل عنواناً واضحاً للاتصال بالثورة والاتصال بين الداخل والخارج، مما يجعل من المعارضة كتلة متناسقة تعكس مطالب الثورة والشعب وتترجم شعاراتها المعلنة إلى برامج عمل، وتجعل من يشوش خارجها من عملاء النظام أو أصحاب الأهواء يغرد خارج سربها ويحكم على نفسه بالعزلة، وكذلك تحديد الأولويات وتوزيع المهام ضمن استراتيجية واضحة المعالم، ويمكن أن يكون هناك وسائل إعلامية متعددة كفضائية إعلامية تعكس رأي هذه المؤسسة عبر ناطقين رسميين وتبين قراراتها وتصنع رأياً عاماً للسوريين في الداخل والخارج، والإعداد لكل الاحتمالات التي قد يكون بعضها سقوطاً مفاجئاً للنظام

·        التواصل مع الأنظمة الإقليمية والقوى الدولية والأحزاب والهيئات والمنظمات والفعاليات الشعبية في دول العالم لشرح قضية الشعب السوري وأهداف الثورة السورية وتطلعاتها

·        لا بد من هيئات رقابة ومحاسبة لعمل المعارضة وفق الضوابط المتفق عليها في ميثاق الشرف المشار إليه

·        الإفادة من التجارب السابقة للمجالس الانتقالية الأخرى والتي تعيش أوضاعاً قريبة من الوضع السوري، وتكوين هيئة دراسات وتخطيط لما سيكون عليه شكل سوريا في المستقبل وإبداء الآراء في القضايا المحلية والإقليمية والدولية، ومحاولة كسب الوقت في مناقشة كل القضايا التي يمكن أن يحدث عليها خلاف في المستقبل وإعداد الخيارات المطروحة ليستفتى الشعب عليها في المستقبل

وفي الختام هذه أعباء ثقيلة لكن لا بد منها، وإني لأظن أن ستة أشهر من الثورة وأربعة آلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمعذبين كل ذلك كفيل مع وجود الشعور الوطني الصادق لأن يعجل المراحل ويذلل الصعاب، ولن يعدم الشعب السوري المخلصين من أبناء وطنه، ولن ينقصه الأكفاء في كل المجالات، ولن يحرمه الأشقاء من دعمهم ومشورتهم وتسهيل مهامهم، ولا تنسوا أن قضيتكم عادلة ومطالبكم مشروعة وأهدافكم سامية والحلم قد اقترب أن يتحقق، والله معكم والشعب العظيم الصامد المعطاء من ورائكم

مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم الثورة السورية