المجلس الوطني: تعليق لا بد منه

مجاهد مأمون ديرانية

رسائل الثورة السورية المباركة (33)

مجاهد مأمون ديرانية

خصصت فقرة طويلة من مقالتي الأخيرة لمشكلة المعارضة التي لم تنجح إلى هذه اللحظة في الإعلان عن هيئة موحَّدة تمثلها، رغم أنها اقتربت من ذلك عبر الاجتماعات المتصلة التي تعقدها في تركيا منذ أكثر من أسبوعين للاتفاق على المجلس الوطني السوري وإعلان تشكيلته النهائية.

رغم أني خصصت لهذا الأمر فقرة طويلة من المقالة الأخيرة التي نشرتها قبل خمسة أيام فإن الحاجة ما تزال ملحّة للكتابة عنه مرة أخرى، لذلك كتبت هذه الكلمات التي أرجو أن تكون آخر ما أكتبه في هذا الشأن، ومن كان في ضيق من وقته فلم يحبّ قراءة المقالة كلها -على قِصَرها- فليقرأ خاتمتها على الأقل، حيث سجلت ثلاثة ضوابط رجوت أن تكون شرطاً للموافقة على أي مجلس، مع أملي في أن يتعاون كل من يقتنع بها على ترويجها، وأن تتعلق عليها أيةُ موافقة من معارضة الداخل وتنسيقيات الثورة على المجلس في تشكيلته النهائية.

*   *   *

(1) النقطة الأولى التي يجب أن أعيد التركيز عليها (رغم أنني أشبعتها بحثاً في المقالة السابقة) هي أهمية عنصر الزمن، فمَن يتابع الأحداث الجارية والمواقف الدولية المتسارعة (وآخرها موقفا إيران وروسيا) يدرك أن الإعلان عن مجلس وطني أو هيئة جامعة تمثل الثورةَ صار هو عنق الزجاجة في المسار كله، وهو الذي يؤخر العملية الدولية التي أُعِدّت ترتيباتها وحُبكت خيوطها باتجاه إسقاط النظام. معنى ذلك أن المعارضة في الخارج تتحمل وزر كل شهيد يسقط اليوم وغداً وبعد غد حتى تنتهي من حواراتها التي لا تنتهي للاتفاق على التشكيلة النهائية للمجلس الوطني.

لقد بدأتم -يا معارضي الخارج- باللقاءات والمؤتمرات منذ مئة يوم، ولم تفلحوا في انتخاب مجلس يمثلكم أو هيئة تنطق باسمكم إلى اليوم! أليس هذا عجيباً؟ هذا وأنتم تنزلون في ضيافة دول تحيط اجتماعاتكم بالحماية والرعاية، فكيف لو كانت اجتماعاتكم في الداخل وأجهزةُ الأمن السورية ترصد حركاتكم وتتعقبكم وتقود حملات القمع والتمشيط بحثاً عنكم؟ لعلكم كنتم ستنفقون مئة سنة للوصول إلى اتفاق! إن ما سمعناه منكم في آخر إعلان لكم عن استمرار المباحثات بينكم أسبوعين آخرَين أمرٌ غيرُ مقبول ولا يبدو أنه يقيم وزناً لتضحيات ومعاناة أهلكم في الداخل، فأرجو أن تحسموا أمركم وأن تعلنوا عن مجلسكم اليومَ قبل الغد، أو غداً قبل غداة الغد، فكل يوم جديد يمر عليكم ولمّا تعلنوا مجلسكم هو يومٌ جديد يمرّ على أهلكم في المحنة والمعاناة.

(2) نقطتي الثانية هي نداء أوجّهه إلى كل الأطراف التي ما زالت تغرّد خارج السرب: كفانا تضييعاً للوقت على حساب الثورة والشعب المصابر الذي تزداد محنته سوءاً في كل يوم. ليس هذا وقت حصد المناصب والمكاسب، فتوقفوا عن المبادرات التي لا يكاد المرء يرى فيها إلا الحرص على المصالح الشخصية. قبل أيام من الموعد المضروب لإعلان المجلس الوطني من إسطنبول سألني بعض الأصدقاء: ما رأيك في اللقاء الذي عُقد في "..." لتشكيل هيئة تمثل الثورة؟ فقلت مستغرباً: إني لم أسمع بهذه المبادرة أصلاً حتى يكون لي رأي فيها! ثم أدركت أنها سُلقت على عجل لقطع الطريق على غيرها! وبعد ذلك بيومين، وقبل يوم واحد من الموعد المضروب لإعلان المجلس الوطني، ظهر من العدم إعلانٌ عن تشكيل مجلس آخر، وبلغ من استعجال القوم الذين أخرجوا الإعلان عنه أنهم نشروه في صورةٍ هي أقربُ إلى المسوّدة، مذيَّلاً بأسماء بعض الجهات والأفراد في خليط غريب، بعضها مطبوع وبعضها أضيف بخط اليد على عجل، وبعضها بتوقيع وبعضها بلا توقيع، بل إن أحدها بتوقيع "عنه"، وكأنهم كانوا يسابقون الزمن لإخراج المشروع إلى النور قبل إعلان المجلس الوطني من تركيا. ثم رأيت لهم قبل يومين بياناً على ما بدا أنه ورقة رسمية من أوراقهم فإذا هم قد اعتمدوا "الجمهورية السورية" اسماً لسوريا المستقبل، هكذا وبكل بساطة، فعلمت أيّ تضحية قدّموها ليضمّوا إلى مبادرتهم العَجلى هذه الجهة أو تلك!

لقد صار مَن هَبّ ودَبّ من الناس يجتمع هنا أو هناك ويعلن عن ولادة مبادرة لتمثيل الثورة والشعب السوري، وكأن هذه الثورة لا أبَ لها وكأن الشعب السوري جماعة من الأيتام لا رأي لهم ولا قيمة! حتى لقد هممت بأن أجمع حولي خمسة أو ستة من "المعارضين" وأعلن عن مبادرة جديدة أكون أنا على رأسها، لولا أني تذكرت أني لا أحمل الجنسية السورية أصلاً ولم أولد في سوريا، كل ما عندي أن أبي وأمي من دمشق، ومن ثَمّ فلا أمل لي في منصب رفيع في أي مجلس وطني مؤقت أو وزارة سورية قادمة، لذلك أضربت عن فكرة قيادة مبادرة جديدة وتشكيل هيئة وطنية تدّعي النطق باسم الثورة ووفّرت على الشعب السوري المسكين مزيداً من الوقت الضائع!

إني أحس أحياناً وأنا أراقب المبادرات المتتالية لتمثيل الثورة السورية أن ثمار الحرية قد أينعت وحان وقت القِطاف فجاء كل واحد بسلّته يريد جمع الثمار من دون الآخرين! أما أنا فأنظر إلى شتلة الحرية فأراها ما تزال طريّة يرويها أهلنا بالتضحيات ويسقونها بالدماء الجاريات على أرض الشام، فلو لم تبلغ بي المروءة أن أشاركهم بالتضحية والبذل فلا أقل من كفّ الأذى والمتاجرة بالدماء والشهداء!

(3) وجدت أن كثيراً من المشاركين في المبادرات السابقة واللاحقة ما يزالون يتخوّفون من الإسلاميين ومن الإخوان خاصة، وأسفت إذ رأيتهم بدؤوا من الآن بمنهج الإقصاء الذي طالما عانينا منه تحت حكم الحزب الواحد خلال خمسين عاماً، فكيف تسمحون لأنفسكم بأن تصنعوا اليومَ ما كنتم تعيبونه على خصمكم بالأمس؟ إن هذا لشيء عجيب! ولماذا هذا الخوف من الإخوان أو من الإسلام؟ أليس ما يريده الجميع في سوريا الغد هو نظام مدني يعتمد على التداول السلمي للسلطة على أساس قواعد الديمقراطية السياسية؟ فممَّ الخوفُ إذن؟ ثم ما هي هوية الثورة والشعب؟ أليس من حق الشعب المسلم الذي هتف في ثورته لله أن تُحترَم رغبته ومشاعره وأن يمثّله في المجلس الوطني مَن هو منه ومن يحمل هويته ويختطّ خطته؟

*   *   *

وهذه كلمة أخيرة أوجهها إلى تنسيقيات الثورة ممثَّلة في هيئتها العامة: أنتم تمثلون الآن الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه، ولن تنجح أي مبادرة لتشكيل جهة تمثل الثورة في الخارج إلا بموافقتكم ومباركتكم، فلا تتنازلوا عن روح الثورة ولا تساوموا على هوية الأمة، وأرجو أن تصرّوا بشكل خاص على ثلاثة ضوابط، فلا تقبلوا بالمشاركة في المجلس ولا توافقوا على تمثيله للثورة إلا بتحقيقها. وهي هذه:

(1) أن يتضمن الإعلان التأسيسي للمجلس نصاً صريحاً يمنع أي عضو من أعضائه من المشاركة في الانتخابات النيابية في سوريا خلال الدورة الأولى بعد التحرير، أي لمدة أربع سنوات على الأقل، وخلال هذه المدة يُمنع أي عضو من تقلد أي منصب حكومي تنفيذي (رئاسة أو وزارة فما دونها).

(2) أن يتضمن الإعلان التأسيسي للمجلس نصاً صريحاً يحدد صلاحياته بقيادة عملية نقل السلطة نقلاً سلمياً ويحدد مدته بزمن أقصى لا يتجاوز مئة وثمانين يوماً.

(3) أن يتضمن الإعلان التأسيسي للمجلس نصاً صريحاً يقيّد صلاحياته بإصدار قوانين وتشريعات مؤقتة لعلاج متطلبات المرحلة الانتقالية، ويمنعه بشكل خاص من التوقيع على أي اتفاقيات دائمة، سواء أكانت اقتصادية أو سياسية، لأن هذه الصلاحيات لا يملكها إلا الشعب أو من ينوب عنه من ممثليه الذين سيختارهم في الانتخابات الحرة النزيهة التي يجب أن يرعاها المجلس كجزء من عملية نقل السلطة.