الحريق القادم

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لا أدري لماذا الإصرار على السرعة غير العادية في إصدار ما يسمى قانون دور العبادة الموحد !

كتبت إحدى الصحف الموالية للكنيسة في عنوان رئيس وباللون الأحمر : " الكونجرس يتدخل في بناء الكنائس " – وأردفته بعنوان آخر أسود ، يقول : " قيادات قبطية بدأت الاتصال بواشنطن والكنيسة تتحفظ على مدة طلب الترخيص " . وتحت هذا العنوان كتبت الجريدة الموالية للكنيسة :

[ كشفت مصادر مطلعة بين صفوف أقباط المهجر ، أن اثنين من النشطاء الأقباط البارزين بالولايات المتحدة عقدا اجتماعات مكثفة مع أعضاء الكونجرس بهدف التدخل والضغط على مصر لتغيير قانون بناء دور العبادة . وأوضحت المصادر أن الناشطين اتصلا بقيادات كنسية في الداخل للتنسيق ، والتأكيد على مطالب الأقباط من قانون دور العبادة الذي يناقشه مجلس الوزراء حاليا ، وأعده المجلس العسكري ، ومنها إلغاء شرط تفويض المحافظين بالقرار ومنحه للمجالس المحلية ، على أن يكون المحافظ حكما في حالة وجود خلاف ، وإلغاء شرط تناسب عدد دور العبادة في المنطقة مع عدد أصحاب الديانة ..... وأشارت المصادر إلى أن أعضاء الكونجرس وافقوا على تبني مطالب الأقباط ، وسيضغطون على مصر لتنفيذ هذه المطالب" . ( اليوم السابع – 12/6/2011م ) .

المتمردون الطائفيون الذين اعتصموا في مايو الماضي بماسبيرو ؛ فرضوا شروطهم على السلطة ، وكان من بينها الإفراج عن مسجونين مدانين ، وفتح كنائس غير قانونية ، وإصدار قانون منع التمييز ، وإصدار قانون دور العبادة الموحد ، وكلها شروط ابتزازية استغل أصحابها لحظة حرجة يمر بها الوطن ، وفرضوا إرادتهم التي استجابت لها السلطة ، وساعد على تقبّلها بعض المسئولين الموالين للكنيسة في الحكومة ، الذين جاهروا بهذا الولاء علنا ، في الوقت الذي يهينون فيه الجماعات الإسلامية على رءوس الأشهاد ، ويصرحون بتصريحات غريبة وغير عقلانية تجاه الإسلام والحركة الإسلامية .

إذا كان الإفراج عن بعض المحكومين ، وفتح بعض الكنائس غير القانونية يمثل جانبا محدودا من الاستسلام يمكن احتماله ، إلا إنه يعبر عن تفريط في سيادة القانون وهيبة الدولة لحساب عصابات خاصمت الوطن ، واستخدمت العنف ، واعتمدت على بعث عوامل التعصب والكراهية في نفوس الأتباع والأشياع ، ووجدت في السلطة من يستجيب لإرادتها الشريرة ، ومن يربت عليها ، ويهدهدها بدلا من إخضاعها للقانون ، ومحاكمتها ،خاصة وأن بعضهم أعلن تحديه للنظام ، وطالب بإعدام السلفيين ، وقبض على بعض المواطنين وعذبهم ، وأرغمهم على قراءة الإنجيل ، وترديد ترانيم غير إسلامية ( وقصة الفتاة رغدة التي حلقوا شعرها ووشموها بالصليب مع أخريات معروفة !) .

وتأتي الاستجابة لما يسمى قانون دور العبادة الموحد ليمثل حالة من حالات إذلال الأغلبية والتمييز ضدها ، والتضييق عليها في ممارسة شعائرها والتعبير عن عقيدتها .

إن بناء الكنائس يمثل هدفا عدوانيا ينهض به المتمردون الطائفيون الخونة من منطلق ما يسمونه تحرير مصر من الإسلام وطرد الغزاة المسلمين وتغيير هويتها الإسلامية لتكون خلقا آخر ، والهدف الاستراتيجي الأول للتمرد هو زرع مصر المسلمة بالكنائس وشراء الأراضي والاستحواذ على الصحاري لإقامة الأديرة والمباني الكنسية على هيئة قلاع ضخمة سميكة الأسقف والجدران ، وكأن القوم يخوضون حربا نووية على الأبواب !

يعلم القاصي والداني أن المشكلة المتعلقة بدور العبادة تكمن في ضيق المساجد الإسلامية عن استيعاب المصلين ، ويوم الجمعة يفرش الناس الأرض أمام 90% من المساجد ليصلوا الصلاة الأسبوعية . بينما الكنائس والمعابد لا يتم شغلها أيام الأحد والسبت بالمصلين النصارى أواليهود إلا بأعداد قليلة !

يتصايح المتمردون الطائفيون الخونة أنهم محرومون من بناء الكنائس ليعبدوا الله فيها . بينما الكنائس فارغة ، وتشكو من قلة الزوار ، ولكن القوم يحولون الأمر إلى قضية دولية ، ويستقوون بالكونجرس ليضغط على الحكومة المصرية وينسقون مع الكنيسة في الداخل ليخرج القانون على مقاسهم : يسمح لهم بالبناء في كل حارة وزنقة وشبر . أما المسلمون الذين يمثلون أكثر من 95 % من السكان فيحرم عليهم البناء ، ومن يفعل مصيره السجن خمس سنوات ، وثلاثمائة ألف جنيه . لماذا يامن وضعت هذا القانون المذل للأغلبية ، القاهر لها دون مبرر ؟ القانون يا سادة يمنع المسلمين من بناء المساجد والزوايا أسفل العمارات أو على الأدوار العليا ، كما يمنع البناء على شواطئ الترع والأنهار ،  ويفرض أن يكون بين كل مسجد وآخر ألف متر، ويمنح النصارى حق البناء وفقا لمبدأ هلامي يتحدث عن الكثافة السكانية دون أن يحدده .. ثم إنه لا يشير من قريب أو بعيد إلى ما قررته الأمم المتحدة في ميثاق "الحق في العبادة " من مساحة تخصص للفرد في مكان العبادة ، فضلا عن عدم إعلان التعداد العام للسكان وفقا لمعتقداتهم ..والنقطة الأخيرة تنسف كل قواعد القانون ،وتفتح المجال لحريق قادم يأكل الأخضر واليابس ، فكيف تسمح لأقلية يقودها متمردون طائفيون خونة ، بتغيير هوية وطن ، وفي الوقت نفسه تحرم الأغلبية الساحقة من بناء مسجد ؟

إن من حق المسلمين بموجب ميثاق العبادة العالمي أن ينشئوا قرابة ستين ألف مسجد ، وفقا لما يقرره الميثاق من مساحة تتراوح بين 60 – 100سم مربع للمواطن ، حيث إن المساحة التي عليها دور العبادة غير الإسلامية في مصر تبلغ أضعاف المساحة التي تقوم عليها المساجد في مصر ، فهناك أديرة وكنائس تصل مساحة بعضها إلى مئات وآلاف الأفدنة [ دير (أبو مقار) تبلغ مساحته 2700 فدان، ودير أبو فانا وما رمينا (600 فدان)على سبيل المثال ] ، وهو ما يعني أن يتوقف البناء في الكنائس والأديرة ، حتى يتاح للمسلمين البناء على مساحة تتناسب مع أعدادهم ، ولكن القانون المنتظر ويتم إعداده بسرعة البرق يتجاهل ذلك ، ويبالغ في استسلامه للإرادة الطائفية المتمردة فيجعل من حق كل أسرة نصرانية بناء كنيسة مادامت أقرب كنيسة لهم تبعد مساحة كيلو متر واحد ، فى حين أن ألف أسرة مسلمة أو أكثر لن تملك قانوناً حق بناء مسجد لو كان هناك مسجد على مسافة كيلو متر واحد منهم ، وبالتالي سيتم حرمان المسلمين وفقا للقانون من الحصول على دار عبادة مهما كان عددهم في المنطقة ، ما سيضطرهم للصلاة في الشارع كما هو الوضع الراهن . أضف إلى ذلك أن عجوزا متهالكا مثلي يتوجب عليه أن يمشي كيلو مترا في الذهاب ومثله في الإياب عند كل صلاة أي عشرة كيلو مترات في الصلوات الخمس يوميا ، وهو ما لا أستطيعه ؛ لأن القانون العجيب جعل المسافة بين كل مسجد وآخر ألف متر.

إن المتمردين الطائفيين مع هذا الخلل الشنيع في القانون المنتظر ، ومحاباته لهم بطريقة مريبة ؛ يرفضون خضوع تمويل الكنائس من الداخل والخارج لرقابة الدولة والجهاز المركزي للمحاسبات للاطلاع على التبرعات الخارجية المجهولة المصادر والأغراض التي تصرف فيها والمخصصة لصرفها داخل مصر  ، كما يرفضون الاحتكام لرئيس الجمهورية في حالة رفض بناء الكنيسة ، ويرفضون حبس المخالفين الذين يحولون مساكنهم إلى كنائس ، ويرفضون عدم البناء علي الأرض المتنازع عليها لأن ذلك قد يعرقل إصدار تصاريح بناء ، ثم إن  بطرس فلتاؤس رئيس الطائفة المعمدانية الأولى بمصر، وصف القانون المحابي لهم بأنه طائفي وعنصري، وطالب بعدم الاستعجال فى إصدار القانون لأنه "يهدد بكوارث أخرى" !

عند كتابة هذه السطور كان رئيس كنيسة العباسية يجتمع برؤساء الكنائس غير الأرثوذكسية لبحث القانون ، وفي الغالب سيتقدمون بمطالب تجعل البناء بالنسبة لهم حرا تماما من خلال الوحدات المحلية ، مع المزيد من التضييق على حركة المسلمين في بناء الكنائس ، وتحقيق هدف التمرد الطائفي الرئيس بتغيير هوية مصر الإسلامية !

وفي هذه السياق فإن ما يقال عن التعاطف الشديد من جانب الفقيه الدستوري يحيى الجمل – نائب رئيس الحكومة - مع المتمردين الطائفيين ، وتعبيره المستمر عن ولائه للكنيسة ، ومن ثم دوره في التعجيل بإصدار هذا القانون الظالم الذي يهدد بإشعال حريق وطني لا يعلم مداه إلا الله ، يوجب أن تتريث السلطة المختصة في إصدار هذا القانون ، وتأجيله حتى يتم تشكيل مجلس الشعب ، ومناقشة القانون مناقشة مستفيضة صريحة تضع النقاط على الحروف ، فغير المسلمين لا يصلون في الشارع ، ولا تمتلئ كنائسهم بالمصلين !

كما أن تدخل الكونجرس الأميركي في الموضوع يوجب على الشعب المصري مسلمين وغيرهم ، أن يتصدوا لهذا التدخل الفاضح في شئون داخلية لا تعني الأميركيين ، والأولى أن ييسروا بناء المساجد للمسلمين في الولايات المتحدة .

أما كتاب الختان وتحديد النسل من الموالين للكاتدرائية ، فيجب عليهم أن يحترموا أنفسهم ، ولا يجرحوا شعور الأغلبية الإسلامية ، ويكفوا عن ولائهم الرخيص للتمرد الطائفي ، ولا يسهموا في إشعال الحريق .

إن الحريق القادم – ونسأل الله ألا يحدث – ستكون له عواقب خطيرة وسيدفع ثمنه من حاولوا إشعاله ، ولو ظنوا أنهم في مأمن من دفع الحساب !