الخداع

الأستاذ هيثم المالح

الأستاذ هيثم المالح

منذ أن اندلعت الاحتجاجات في الشارع السوري والسلطة تعد بإجراء إصلاحات ،وتناشد الشعب إعطاءها المهلة الكافية،وتكلف لجاناً لإصدار قوانين لإلغاء حالة الطوارئ وما شابه ذلك، وأخيراً طلعت علينا السلطة بمرسوم إلغاء حالة الطوارئ - المنقضية في الواقع- وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا التي أصدرت أحكاماً لها أول وليس لها آخر لا تنتمي إلى القانون ولا إلى أدنى معايير المحاكمات العادلة ،وتسببت بإزهاق أرواح وزجت بالآلاف في السجون،ولم يكتف النظام بهذا النوع من المحاكم الاستثنائية بل أطلق يد محاكم الميدان العسكرية "الأسوء سمعة"لمحاكمة المدنيين ونصبت المحاكمات في سجني المزة العسكري وتدمر السيئ الصيت وصدرت الأحكام خارج القانون بإعدامات لا حصر لها،وتم تنفيذ الأحكام من غير أن يوقع رئيس الجمهورية عليها كما هو منصوص عليه في قانوني العقوبات العام والعسكري.

إلا أن السلطة كما يبدو لا تستطيع التخلي عن مستند يجعل يدها طليقة في كل شيء ،فأصدرت مع حزمة ما سمته"إصلاحات"المرسوم التشريعي رقم 55 والذي نص على ما يلي :

تختص الضابطة العدلية أو المفوضون بمهامها باستقصاء الجرائم المنصوص عليها في المواد من 260حتى 339 والمواد 221 و388و393 من قانون العقوبات، وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم فيها على ألا يتجاوز مدة التحفظ عليهم سبعة أيام قابلة للتجديد من النائب العام وفقاً لمعطيات كل ملف على حدة وعلى ألا تزيد هذه المدة على ستين يوماً .

وقد كان اصل المادة كما يلي:

المادة17:

1-    النائب العام مكلف باستقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها.

2-    ويقوم بذلك على السواء النواب العامون المختصون وفقاً لأحكام المادة 3 من هذا القانون.

علماً أن المواد التي شملها مرسوم التعديل تحتوي ما يلي : الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي000 النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي000 والجنايات الواقعة على الدستور000 واغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية000 والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء بين عناصر الأمة،والجمعيات غير المشروعة،والتظاهرات وتجمعات الشغب000 إلخ ،والمادة 221المتعلقة بإخفاء الأشخاص والمادتين 338 و393 المتعلقة بسير القضاء.

إن التعديل الذي صدر بمرسوم تشريعي لقانون صدر عن هيئة تشريعية فيه الكثير من التسرع ومع ذلك فهو يدل على :

عدم الثقة بالنيابة العامة والتي هي جزء من القضاء لأن الأصل في التحقيق في الجرائم جميعاً بما فيها المواد المبينة أعلاه يعود للنيابة العامة،فسحب البساط من تحتها إنما يعني عدم الثقة بها .

ثم إعطاء الصلاحية للضابطة العدلية بمباشرة التحقيق والتوقيف لأسبوع الغرض منه احتجاز الناس دون مذكرة قضائية ،مع تسليمنا بأن القضاء فقد استقلاله منذ بداية الاستبداد السياسي وهو يستجيب لإملاءات السلطة التنفيذية وبالتحديد سلطة الأجهزة الأمنية التي تتحكم في البلد منذ أمد بعيد.

من هذا نرى كيف أن النظام يحاول خداع الرأي العام الداخلي والرأي العام الخارجي بتقديم صورته على انه ساع للإصلاح في حين نراه يأخذ بيد ما أعطى باليد الأخرى ،والبقاء على الأوضاع كما هي دون تعديل أو التعديل للأسوأ.