(مطالب مشروعة ..وأجندات مشبوهة)

يكتب سماسرة الاستبداد العربي هكذا

زهير سالم*

[email protected]

ما يزال سماسرة الاستبداد العربي بأسمائهم البراقة، ومؤتمراتهم الصاخبة يشكلون السند الأدبي للحكام المستبدين والفاسدين في العالم العربي. ومنذ خمسينات القرن الماضي تحولت أقبية المخابرات الثورية في العالم العربي إلى سلخانات حقيقية تنتهك فيها آدمية الإنسان بطرائق لم تخطر يوما على بال الشيطان نفسه. أصبحت أقبية أجهزة ( المكتب الثاني ) أو ( المباحث ) أو ( المخابرات ) أو ( أمن الدولة ) مراكز يمارس فيها الساديون كل نزواتهم التي لا تعرف أبدا حد الإشباع. و دائما ظل عملاء الاستبداد من المثقفين هؤلاء منحازين إلى مدرسة استباحة الآدمية البشرية، بذرائع ( ثورية وقومية ومقاومة وممانعة )، وأبدا لم يعصمهم حياء من التنديد بكل من يعترض سبيل المستبد أو إرادته ولو بكلمة مهذبة أو إشارة معبرة. و ما أبرع ما يكون هؤلاء حين يلقون على الظالم ظل هوية ثم يدعون أنهم ينتصرون لها ويدافعون عنها، على خلفية عقائدية أو قومية...

وحتى اليوم ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ما يزال هؤلاء العملاء يقرعون طبولهم الجوفاء ليغطوا بضجيجها أنين الملايين من بني الإنسان!! فماذا يعني ( الإنسان ) حين ينتشي هؤلاء السكارى وقد دار بهم خمارهم ويرفعون الكؤوس يحيون الظلمة والقتلة والجلادين؟!!

أذكر منذ أيام طفولتي واقعة قتل المواطن اللبناني ( فرج الله الحلو )، قتله السادي القائم على القطر الشمالي يومها، وليتخلص المجرم من آثار جريمته قام بتذويب الضحية بالأسيد في مختبر السيد (جيكل). ولأبناء هذا الجيل أقول إن (فرج الله الحلو) هو مواطن لبناني شيوعي اعتقل في سورية في عهد الوحدة وقام المدعو عبد الحميد السراج بقتله تحت التعذيب وتذويب جسده بالأسيد. وذكري له هنا لأنني لا أريد أن أبدئ وأعيد في بطولات صلاح نصر وشمس بدران والمئات من أبطال ( العملاء العرب ) مع أجيال من الرجال والنساء من جماعة الإخوان المسلمين..

أعتقد أن ثقافتنا القومية إن لم ترتق إلى الأفق الذي يجعل من العدوان على ( إنسان ) واحد من أنموذج ( فرج الله الحلو ) كفيلا بإسقاط كل ( الأبطال ) و(القادة ) و( الممانعين ) و( المقاومين ) فنحن لن نلتق أبدا على الكلمة السواء. وأؤكد أن على ثقافتنا القومية أن تكرس حقيقة أن الظلم لا هوية له، وأن الانتصار للظالم بأي ذريعة وتحت أي عنوان وبأي اعتبار هو نوع من الشراكة المباشرة في الظلم، وأن الانتصار للقاتل مهما تكن الذريعة هو شراكة مباشرة في القتل..

الحديث عن الإنسان الفرد في ثقافتنا الإسلامية هو حديث عن الإنسانية جمعاء : (( .. مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا..)). وحين أسمع القذافي يطلق على مواطنيه اسم الجرذان!! ثم أسمعه ينادي على المجتمع الدولي ( من أعطاكم الحق لتتدخلوا بيننا ) يسبق إلى قلبي السؤال من أعطاك الحق بقتل الناس أيها المستبد المجرم الأثيم..؟

 وحين أستمع إلى بعض العملاء العرب يصدرون البيانات ويدبجون المقالات لإدانة من يدين القتل والانتهاك والاغتصاب بسبب هويته أو عرقه أو دينه. أعود إلى إدانة القاتل والمنتهك والمغتصب لأنه وحده بإصراره على الجريمة هو الذي يفتح الباب ويعطي الذريعة لكل هؤلاء أن يرفعوا أصواتهم ويمدوا أيديهم..

وحين يتسابق البعض من موقع العمالة التاريخية العريقة لمشروع الاستبداد العربي إلى الحديث عن المطالب المشروعة كعتبة لدعم الظالم المستبد ( حبيب الفناء عدو الحياة ) فإنهم مطالبون فصلا لخطاب أن يقصروا خطابهم على سادتهم لينزلوا على حكم الشعوب في كل مكان.

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية