نموت نموت ويحيا الزعيم

نموت نموت ويحيا الزعيم

محمد عبيد

هل هم مغفلون من هتفوا بهذا الشعار أو ما شابهه؟، هل هم متملقون إلى النخاع؟. هل سيدخلون الجنة إن ماتوا من أجل الزعيم؟. ما معنى أن يكيل المواطن العربي الفقير المدائح والثناء على الزعيم الفلاني وهو لا يجد ما يأكله في الصباح؟، ما معنى أن يرقص حد السكر إن ابتسم له الزعيم من فوق برجه العاجي؟...ما معنى ....ما معنى ...؟.

بالرغم من أن هذه الأسئلة وغيرها تحير الألباب، حين تجد أن الإنسان الذي خلقه الله حرا كريما، وتعهد له بالرزق والحياة، وذلل له الأرض يسعى فيها ويأكل منها، ، وجعل ارتباطه به مباشرة :" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب"، تجده ينحدر بنفسه إلى مهاوي الذل، ويحقر نفسه ليجعلها فداءاً تحت أقدام حاكم ربما يلوح له بثمن بخس لا يساوي شيئاً أمام ملك الله وقدرته الذي يرزق النملة السوداء تحت الصخر الصماء في اللية الظلماء.

ألم يسأل المواطن العربي هل عُيِّن الزعيم بأمر إلهي؟. بل ألم يستفد من القرآن الذي أنزل بلسان عربي مبين وهو يقص قصصاً فيها عبرة بالغة عن فرعون وهامان ؟، ألم يتفكر أن العديد من هؤلاء الزعماء المتجبرين ما هم الا نمور من ورق ما إن يصرخ الشعب صرخة واحدة حتى تتهاوى الصروح وتُعلن قائمة الإصلاحات!.

هي ليست دعوة للتمرد، بل دعوة للإنسان العربي أن يعرف ما له وما عليه، وأن يطالب بتطبيق ديمقراطية حقيقية، وأن يتحرر من سطوة الحاكم ليعبر عن رأيه كيفما شاء ومتى شاء في إطار الآداب العامة والقوانين والأعراف، وأن يذكر الحكام دوماً أنهم موظفون عليهم واجبات يجب أن ينجزوها على أتم وجه، وهم يتقاضون رواتب وامتيازات مجزية لقاء تلك الأعمال، وأنهم ما أتوا بأمر إلهي، ولا هم متفضلون على الشعب، بل هم أتوا بإرادة شعبية، وسيرحلون بإرادة شعبية.

 إن القليل – قياسا بالدول المتقدمة- الذي يتباهى به الحكام العرب ما هو الا إنجازات لمواطنين، أبدعوا واجتهدوا، فأصبحت إنجازاتهم إنجازات للحاكم، بمساندة المتملقين الذين يرددون شعارات مثل (دام ذخراً للإسلام والمسلمين فقد بنى الصرح الفلاني، وشرع القانون الفلاني، وتواضع حتى أكل الفول في يوم كذا في مكان كذا....)، وأما أصواتهم الانتخابية فأصبحت بين ليلة وضحاها محتقرة لا قيمة لها، فهو الذي ارتقى بنفسه، ولولاه ما أكل الشعب ولا شرب، ولا تنفس، وبات جنابه ضرورة لا بديل لها، بل تعدى بعضهم على الربوبية، فلا يصح لأحد انتقاده، فإن انتقده قال له بعداً للقوم الظالمين، أما من تزلف إليه، وكذب عليه، وكال له المدائح كيلاً فقال له إنك لمن المقربين.

كفى لرفع الشعارات الزائفة المتملقة، كفى تعليقاً لصور الحكام في كل مكان، وليعرف كل واجباته وحقوقه. وهنا أذكر طريفة قرأتها: يذكر أن أمريكي سأل عربياً: ما هي طموحاتك وأحلامك؟ . أجابه العربي: بيت ووظيفة وزوجة. فرد عليه الأمريكي: سألتك عن طموحاتك وأحلامك ولم أسألك عن حقوقك!.

وهذه الطريفة تصنف ضمن ما يسمى بـ (المضحك المبكي)، وما أكثر المضحكات المبكيات في عالمنا العربي. الليبيون يعيشون في بيوت الطين رغم ثرواتهم الطبيعية الهائلة بسبب شخص معتوه مسعور استخف قومه فأطاعوه، في معادلة يحار منها العقل، إذ كيف لشخص أن يسوم كل تلك الملايين سوء العذاب طيلة أربعين سنة!، وهذا يصدق على العراق كما يصدق على اليمن، وسوريا، وتونس، ومصر التي تكفي ثروة مبارك وعائلته إنشاء مجمعات سكنية لإيواء سكان المقابر جميعهم دون استثناء!.

 يجب أن لا يسمح المواطن العربي أن يدوس أحد كرامته، فأما أن يعرف الحاكم حدوده، وحدود عائلته، ويعرف واجباته وحقوقه، ويعدل بين أفراد الشعب أو يذهب غير مأسوف عليه، فالدنيا لا تتوقف لأجل شخص. يجب أن يطرق الحاكم أبواب الناس ويقضي حاجاتهم - وما أكثر الوسائل الآلية والتكنولوجية والإدارية اليوم التي تمكن المسؤولين من الوصول إلى بيوت المواطنين – لا أن ينتظر المتملقين الذين يحقرون أنفسهم بالتقرب إليه فيبكوا أمام بابه ليرمي لهم بعض الدنانير، بينما يبقى المتسامون المتعففون دون أن ينظر إليهم أحد، لأنهم ارتفعوا عن التباكي أمام أبواب المسؤولين.

رحم الله عمر بن الخطاب عندما كان يتفقد المحتاجين في الليالي المظلمة، وجزى الله خيرا عنا ذلك الكتف الذي حزته أحمال السمن والدقيق، وتلك الروح المؤمنة عندما كان يحاسب نفسه حتى على بغلة عثرت في أرض العراق لم لم يسوِّ لها الطريق. جزى الله عنا عمر بن عبد العزيز خيراً عندما أطفأ مصباح بيت مال المسلمين وأوقد مصباحه الخاص حين عرف أن الطارق أتاه في مسألة خاصة وليست عامة. رحم الله مهاتير محمد الذي لم يتمسك بالكرسى حتى آخر نفس أو يطمع فى توريثه، بل استقال بعد ٢١ سنة من العطاء الحقيقي رغم كل المناشدات، ليستريح تاركاً لمن يخلفه خريطة وخطة عمل اسمها «عشرين.. عشرين».. والتي تعني ماليزيا عام ٢٠٢٠، حيث ستصبح رابع قوة اقتصادية فى آسيا بعد الصين، واليابان، والهند. بعد أن صدق في محاربة الرشوة والسرقة فارتفعت الاحتياط النقدي من 3 مليار دولار إلى 98 مليار دولار.

إن المهتم بهذا الشأن سيجد أمثلة كثيرة رائعة في دول العالم المتقدم التي لا ترفع شعوبها الرؤساء فوق مناصبهم، بل تحاسبهم على كل خطأ يخطئونه ، فهم تحت دائرة الضوء، وتحت طائلة القانون حالهم حال أي مواطن آخر.

ختاماً أقول لأخوتي في جميع أنحاء الوطن العربي وبقية بلدان العالم الثالث، إن سبب بقائنا في مراتب متأخرة ضمن التصنيف العالمي ليس محاربة الغرب لنا كما يدعي قادة وزعماء كاذبون ونصابون، بل سبب تخلفنا هؤلاء الحكام الأغبياء الجاثمون على صدورنا ... سبب تخلفنا هتافاتنا وتمجيدنا للأشخاص وتركنا للعمل المؤسسي الحقيقي ... سبب تخلفنا عدم امتلاكنا جرأة الطرح والنقد والتحليل ...سبب تخلفنا تملقنا وتزلفنا للمسؤولين رغم أنهم }لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا{ ... سبب تخلفنا أننا كسالى لا نتطلع إلى التقدم ... سبب تخلفنا أن شاباً تافهاً يصول ويجول ويسلب حقوق الناس جهاراً نهاراً في مكان يجتمع فيه العشرات من الناس، فيقول أحدهم للآخر: اصمت فهذا ابن فلان!.