ليت الطغاة ينظروا لأبعد من مناخيرهم ويعتبروا

الشيخ خالد مهنا *

[email protected]

روى الرواة أن فلاناً - والرواية تنطبق على خلقٍ كثير عددهم - بنى في إحدى رياضه الغناء المترامية الأطراف قصراً منيفا يطاول بشرفاته الشماء أفلاك السماء، وشاده مرمراً وجلله زمرداً، ولم يدع ريشة لرسام أو نحات إلا أجراها في سقوفه وأركانه وعرصاته .. حتى ليخيل للمتنقل في ساحاته وباحاته أنه يتنقل من رياض نضرة، مزدانة بشتى الورود إلى بادية تسنح فيها النمور الرقطاء، والذئاب الغبراء، وادخر فيه ما شاء الله أن يدخر من فرش وعرش، وصحائف من ذهب ، ومقاصير للسباع، وأقفاص من الحمائم والنسور والصقور..

وفي ذات ليلة أصيب صاحب القصر بمرض جعله قعيد الفراش، وبعد أن طال عليه المرض استفاق في تلك الليلة، وحين فتح عيناه لم يجد أمامه من كل الخدم والحشم إلا خادماً له رباه صغيراً وكفله كبيراً..

استفاق من غشيته فلم يجد إلاّ جانبه من يتعهد أمره ويرفه عنه، فطلب إلى خادمه أن يحمله إلى جوار النافذة ليودع إلى جانبها بعض نسمات الحياة، فرأى أعز أصدقائه وزوجته جالسين إلى الناعورة في حالة تحابب فعاد إلى سريره مصدوماً.

وحين سأل عن ولده، قال له خادمه أنه كل ليلة يذهب إلى الحانة فلا يعود منها إلا في البكور، وقبل أن تصيبه الغشية مرة أخرى سمع كأن هاتفاً من السماء يقول له:

أيها الرجل، لو وفيّت لزوجك لوفّت لك، ولو أدبت ولدك لعناه أمرك، ولو أحسنت اختيار صديقك ما خانك ..ولو اقمت مملكتك على سنة العدل والقسطاط ما تخلت عنك في وقت المحن والشدائد..

 إن كثيرا من سلاطين الأرض ممن ملكوا الدنيا وجعلوها في قلوبهم يظنون ان ذاك غاية الأماني وما دونه سراب ، ويغفلوا عن الاستعداد لساعات الهجير والقيظ..وكم من أناسي  على ظهر هذه الأرض بنوا وعمروا ثم لما أصابهم الوهن والضعف انقلبت وجاهتهم عليهم عدوا ولم تغنهم في ساعات الكرب والوحدة القاتلة علاقاتهم الواهية ولم يغنهم أولادهم  وأصحابهم  وبطانتهم وصاحباتهم وقصورهم وحاشيتهم ومرمرهم ودوائرهم القمعية وأجهزتهم البوليسية وسباعهم ونمورهم المرقطه وجمالهم وخيلهم ..بل ربما تكون حسرة عليهم...

فيا سكان هذه الأرض من زعامات وملوك وسلاطين..ألم يئن الأوان أن تعلموا أن كل ما حولكم من أبّهة وجاه وسلطان سيكون إلى زوال، ولن ينفعكم إلا صالح ما عملتم؟

أما علمتم أن الغد خضم زاخر يعب عبابه وتصطخب أمواجه، وكأني به ينظر إلى أحوالكم وأمانيكم ويبتسم ابتسامة الاستخفاف والازدراء يقول في نفسه:

لو علم المستبدون والغافلون سوء مالهم ما استطعموا شيئا من ملذات الدنيا...

كثير من السيناريوهات رسمناها وتوقعناها للمشهد التونسي والمصري،وكأن آخر ما توقعنا وأبعد ما رسمنا أن يجد حسني مبارك وبن علي بكل أبهتهما وسلطانهما ونفوذها شبه وحيدين في المنفى والعزلة السيبيرية..

كان شيئاً خرافياً أن ينهار الطاغوت حسني مبارك أمام المحققين معنوياً وجسدياً بعد أن أفلح معذبو أرض الكنانة  أن يطردوا أفواج الجراد السمينة التي أكلت نتاجهم،وينزعوا(العلق)الذي كان يمتص إقتصادهم القومي،وينفق على عبثيات وتوافه..

و(المعذبون) الذين أقصدهم هم الذين ظلوا لسنوات يجلدون ويمنعوا من التألم أو الصراخ.. يزرعون الحنطة في بساتين مبارك وحقوله وضيعاته ولا يأكلونها،ويزرعون الورود القزحية ويمنعوا من شم أريجها،ويستخرجوا الغاز ليملأوا به فضاءات إسرائيل كي تحرق به أطفال فلسطين..

فهل أغنت حسني وبن علي والبقية تأتي أموالهم الطائلة وقصورهم ودورهم ساعة ثار المأكول على أكله،والمجلود على جلاده والمذبوح على ذابحه؟

صحيح أنّ"المعذبون" الذين أذاقهم سادة القصور شتى أنواع الذل والمهانة قد تأخروا كثيراً في نومهم،وصحيح أنهم تأخروا في القبض ونفي اللصوص الذين لم يتركوا حبة حنطة في بلادهم إلا وسرقها،ولا قطعة آثار في متاحفهم إلا وهربوها،ولا حيواناً أفريقا نادرا إلا ونقلوه إلى حدائقهم ليرفهوا عن أنفسهم في ساعات الصبابة والوله..

من أجل هذا،فقد أخذت الثورات التي أطاحت بالمستبدين شكل المعجزة،أو شكل المستحيل..

ليس المهم أنها تأخرت....المهم أنها خرجت تصرخ بصوت واحد،وجلطت من جلطت وحاصرت من حاصرت بعد أن قطع سادة القصور ألسنتهم وحرموهم من حق التظاهر والصراخ وكانت الجلطات حكراً على المعذبين والمسحوقين..

والمهم أن الكثير من ساسة الدول باتوا على الخوف ينامون.. ومن لحظة النفي والفرار والجلطات والهستيريا والجلاء  يخشون.

                

* رئيس الحركة الإسلامية في ام الفحم وضواحيها..

رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية-الداخل الفلسطيني.