نريد رئيسا لا يحارب الإسلام

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

بعد الموافقة على التعديلات الدستورية ، رأينا عددا من المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية يقدمون أنفسهم للناس على شاشات التلفزيون، وصفحات الصحف يدعوننا لانتخابهم ، والتصويت لهم ، ومنهم من يبادر بالإعلان عن نيته البقاء لمدة واحدة يحقق فيها برنامجه على المستوى الداخلي أو الخارجي .

ولا شك أن الأيام القادمة ستقدم لنا بقية الراغبين في الوصول إلى كرسي الرئاسة ، ومن المتوقع أن تقوم بعض الفضائيات بعمل مناظرات بين المرشحين لاكتشاف أهدافهم وغاياتهم وقدراتهم في التعامل مع قضايا الوطن المختلفة .

وأظن أن التنافس الشريف بين هؤلاء المرشحين سيصب في مصلحة الوطن ، حيث ستكون الكلمة للمواطنين الذين يصوتون في انتخابات نزيهة وشفافة ، يشاهدها العالم عبر وسائل الإعلام والمراقبين المحليين والدوليين ، دون حساسيات من قبل التدخل الدولي  في شئوننا الداخلية أو نحوها، لأننا في كل الأحوال سنقدم أنفسنا للعالم ، ونقول له نحن قادرون على اختيار رئيسنا الذي نريده دون ضغط أو إكراه ، وأن أصوات الشعب – أقصد الأغلبية - ستذهب إلى الرئيس المختار دون تزوير أو تزييف ، وهو ما يضيف إلى سلوكنا الراقي المتحضر الذي بهر العالم ونحن نعتصم في ميدان التحرير أو نعلن احتجاجنا في شوارع العاصمة والمحافظات وقد خرجنا بالملايين دون تجاوز أو انحراف ..

وبالإضافة إلى ما سبق فإن نتيجة الانتخابات ستكون مقبولة من المرشحين وأنصارهم ، لأنها تتم في ظروف طبيعة ، يقبل فيها المنهزم النتيجة دون تذمر ، بل يهنئ الفائز ، لأن هذه إرادة الشعب ، والفائز يهنئ المنهزم ويتمنى له التوفيق في مرة قادمة . وبذا نرسي آلية الديمقراطية أو طريقة الشورى بمفهومها الحديث ، ونتكاتف حول الرئيس المنتخب لنحقق أهداف المجتمع ، وندبر منزلنا وفقا للمفهوم الإسلامي .

ولاشك أن الرئيس القادم الانتقالي ستكون مهمته صعبة للغاية لأنه يأتي والوطن قد وصل إلى مرحلة حرجة بعد ثورة الورد في يناير 2011م ، والوضع السياسي يبدو غامضا ، والاقتصاد منهكا ، والظروف الاجتماعية غير مؤاتية . 

المطلوب من الرئيس القادم أن يقوم بعملية مصالحة وطنية شاملة تصفي النفوس ، وتهيئ للعمل المشترك ، والتنافس الشريف بين الفرقاء المختلفين حول من يقدم خدمة أفضل للوطن .

عملية المصالحة لا تعني التفريط في حقوق المظلومين ، ولا التغاضي عن حقوق العباد والبلاد ، ولكنها تعني التوافق على قبول كل القوى السياسية والاجتماعية الموجودة في الوطن ، والإيمان بكينونتها وحقها في العمل والمشاركة ، ومنع التشهير بها أو ببعضها فيما يسمى الإعلام الرسمي ، أو الصحف الحكومية ، أو حرمان هذه القوى أو بعض منها من استخدام هذه الوسائط ، والتعبير من خلالها عن أفكاره وتصوراته مثله في ذلك مثل الحكومة وأجهزتها وحزبها الذي جاء بها إلى السلطة .

المصالحة تعني العمل التنافسي لتحقيق أفضل ما يمكن للوطن في إطار من التفاهم والتوافق ، بعيدا عن الإقصاء أو الاستئصال ، وليكن صندوق الانتخابات هو الفيصل والحكم الذي يرضى بحكمه الأطراف جميعا .

إن ذلك يتطلب أن يكون الرئيس بشرا ، يعيش كما يعيش الناس ، ويحيا كما يحيا الشعب ، وبالتأكيد فإن الرئيس حين يتقمص دور الفرعون الإله ، يخطئ خطأ كبيرا ، لأنه ببساطة يتحول إلى إله عاجز لا يقدر على عمل غير سحق شعبه ، فيتصدى له الشعب ، ويطالب بإسقاط النظام ، ولن يغني عنه كهنة آمون ، ولا الجلادون الذين يتحركون من خلال ترسانة من السلاح لا تتوفر لبعض الشعوب .

حين يكون الرئيس بشرا مثل البشر ، ويتعامل مع الناس مثل البشر ، ولا تعطل مواكبه الجرارة حركة المرور ، ولا توقف سيارات الإسعاف التي تحمل مرضى أو مصابين على مشارف الموت ، يكون محل تقدير من شعبه ووطنه ، ولا يدعون عليه ولا على موكبه ، بل يدعون له بالتوفيق والسلامة .

وحين يحمل حكومته ووزراءه ومقراته ومجلسي الشعب والشورى ، والسفارات الأجنبية ، بعيدا عن القاهرة ، إلى حيث الفضاء الخالي شرق القاهرة أو غربها ، فسوف يزيدون من دعائهم له بالتوفيق والسلامة .

ثم وهو الأهم فإنه حين يترك الناس تعبد ربها في هدوء ، ولا يترك زوجته تغير الشريعة ، وتنكل بالرجال وفق أجندة أجنبية غير إسلامية ، ولا يضع في حسبانه محاربة الإسلام دين الأغلبية الساحقة ، وحضارة الأقلية وثقافتها ، سيجد طريقه سهلا وسلسا بإذنه تعالى . ولعل درس العداء للإسلام من جانب الرئيس السابق وزوجته ، وتجييش جهاز أمن الدولة والأبواق المأجورة ، والصحافة الفاسدة لهجاء الإسلام والتشهير بالمسلمين ، ووصفهم بالإرهاب والتطرف والأصولية والظلامية والرجعية والتخلف ، في مقابل تملق الطوائف غير الإسلامية ، ومنحها ما لا تستحق ، وإتاحة الفرصة لها للتبشير بمعتقداتها ، وإقامة دولة داخل دولة ، نكاية في الإسلام والمسلمين ؛  كل ذلك كان من وراء شحن النفوس والقلوب ضده ، لأن محاربته للإسلام دفعته لارتكاب مظالم لا يمحوها الزمان ، وحسابه على الله إن شاء عفا ، وإن شاء حاسب ..

ولو أنه ترك الناس وإسلامهم ولم يستأصله في التعليم والإعلام والثقافة ، ما سبه أحد بعد رحيله ، ولا أهانه أحد عقب سقوطه ، وما نسب إ ليه أحد فضائح خلقية يندى لها الجبين ، وتثير التقزز والاشمئزاز ، لسبب بسيط ، وهو أن الإسلام يجعل أبناءه يترفعون في خصوماتهم عن تناول الأمور الشخصية بالسب أو القدح أو التجريح .

لقد فرح الرئيس السابق بالمنافقين والكذابين والمهرجين من أجل مصالحهم الخاصة التي جاءت على حساب مصالح الشعب ، ولم يفكر لحظة أن من تخلى عن قيم الإسلام في عز سطوته لن يتمسك بها في ذل انكساره ، ولذا لم يكن غريبا أن من مدحوه بأن مصر ولدت يوم مولده ، هم الذين قالوا عنه ما يصعب نقله هنا من أوصاف ذم وقدح وامتهان !

ترى لو أنه لم يحارب الإسلام وقيمه ، ولم يسخر جهاز الرعب والشر لسحق كل مسلم يقول ربي الله وتعذيبه ومحاكمته بالباطل أمام المحاكم الاستثنائية ، وحرمانه من أولاده وأهله ، وتحطيم كرامته وإنسانيته .. هل كان مصيره سيكون بهذا الشكل المهين الذي انتهى إليه لدرجة أن تخلى عنه بل انقلب عليه أقرب أعوانه وخلصائه ؟

إننا نريد رئيسا لا يحارب الإسلام ، ويجب أن يقول الناس للمرشحين للرئاسة إن من يحارب الإسلام مجددا باسم الإرهاب أو التطرف أو الأصولية أو غير ذلك من أوصاف ؛ يجب أن نحرمه من شرف الرئاسة ، ومن يصل إلى كرسي الرئاسة يجب أن يؤخذ عليه العهد والميثاق ألا يحارب الإسلام في التعليم والإعلام والثقافة ، ويجب أن يترك المساجد والدعاة إلى الله لنشر القيم الإسلامية المتسامحة ، ويحرّم على جهاز الأمن الوطني ( أمن الدولة سابقا ) ، أن يقترب من المساجد أو الأئمة أو الدعاة ، لأنه  لو فعل سيكون مصيره مصير أمن الدولة الراحل !

إن القانون يجب أن يكون سيد العلاقة بين الناس ، وهو الذي يحدد من هو الإرهابي ومن هو المتطرف ، وليس فخامة الرئيس وأجهزته القمعية التي كانت !

إن مصر عقل الإسلام ، وقيادة العالم الإسلامي ، ولا يليق برئيسها أن يحارب الإسلام من أجل البقاء على الكرسي ، أو يتحالف مع الدول الاستعمارية بحجة محاربة الإرهاب والتطرف والأصولية . وقد رأى العالم في ثورة يناير أن الإسلام ليس إرهابا ولا تطرفا ، وأن المسلمين كائنات حية راقية متحضرة ، تمارس الحياة بنبل وشرف وكرامة ، وليست بالبشاعة التي يصورها بها الرؤساء الطغاة !

نحن نريد رئيسا يمشي على الأرض بين الناس فيفتديه الناس بأرواحهم ، وحين يصير رئيسا سابقا يتمتع بحب الناس ، ويمارس حياته في بساطة ويسر ، ولا مانع أن يكلفه الرئيس الجديد بمهمات وطنية أو قومية من أجل الوطن ،  مثلما يفعل كارتر وكلينتون وبلير ونيلسون مانديلا وخاتمي وأزنار وعبده ضيوف .. وغيرهم من الحكام السابقين .

أعتقد أن النظام البرلماني الدستوري سيحمينا من الرئيس الفرعون، أو الفرعون الإله إلى الأبد ، وسيحمي إسلامنا من حروب الفرعون وهامان وجنودهما إلى ما شاء الله . وأهلا بالرئيس الإنسان !