فكر العار وصحافته

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لا يتصور عاقل أن تنحاز أقلام وصحافة في بلد إسلامي ، تعيش فيه أغلبية ساحقة تدين بالإسلام ، وأقلية تؤمن به حضارة وثقافة ، إلى جانب خصوم الإسلام ، وتتخذ من بعض الحوادث المشكوك في نسبتها إلى بعض الجماعات الإسلامية ، متكأ لهجاء الإسلام وتشريعاته ، والتخويف منه ، ووصمه بما لا يليق من صفات ونعوت .

افتراء سافر ينطلق في هيستريا غريبة ، يحذر من الإسلام ، ومن إقامة دولة تضع في مرجعيتها مبادئه العظيمة ، ويغازل المتمردين الطائفيين الذين أسفروا عن خيانتهم للوطن ، وانحيازهم لفكرة الانعزال والانفصال الإجرامية التي يتبناها الغرب الاستعماري المتوحش .

بعد الثورة انقلب الكتاب والأدباء من خدام النظام السابق إلى ثوريين ومناضلين وأعداء للنظام السابق ، ونسوا أن أرشيفهم وسلوكهم طوال عهد هذا النظام يؤكد مخازيهم وفضائحهم في دعمه ومساندته ، والوقوف إلى جانبه وهو يحارب الإسلام ، ويعتقل الإسلاميين ويعذبهم ، إلى درجة الموت أحيانا ، ثم إنهم استفادوا من الفساد في الصحافة والإعلام والثقافة ، واغترفوا من الأموال الحرام ما استطاعوا على هيئات مختلفة وصور متعددة .

إن هؤلاء الكتاب والمثقفين والصحفيين والإعلاميين عاشوا في رحاب النظام الفاسد يروجون له ويتصدرون المشهد الفكري والإعلامي ، فهم حاضرون في لقاءات الرئيس ، ومدعوون إلى المناسبات الفكرية والثقافية التي يرأسها الوزراء المعنيون والمسئولون الكبار ، ويشيدون بالنظام ورئيسه ورئيسته ، وبعضهم كان حامل حقيبة لهذا المسئول أو تلك الهانم ، ومنحهم النظام من أموال الشعب امتيازات وعطايا لم ينلها غيرهم ممن آثروا احترام أنفسهم والوقوف إلى جانب الشعب والبسطاء . لقد كانت الطائرات تنقل بعضهم إلى باريس أو واشنطن أو ألمانيا للعلاج ، بينما كان هناك من يتسول ثمن عملية جراحية في أحد المشافي!

من العار أن نجد خدام النظام البائد يقومون بدور الشرفاء الأطهار ، ويدينون هذا النظام ، ويلصقون به ما لم يستطيعوا أن يتفوهوا بحرف منه في وجوده ، وفي الوقت ذاته يمارسون دورهم الخسيس في هجاء الإسلام والمسلمين ، ويرفعون راية الدولة المدنية والدولة الحديثة ، وكأن الإسلام كهنوت ، وكأن الإسلام ضد التقدم !.. ثم تفتح لهم صفحات الصحف الكبرى والصغرى ، والوطنية والعميلة ، وكأنه لم يتغير شيء في مصر، ولم يحدث شيء في مصر ، فالخدم هم الخدم والأبواق هي الأبواق ..

صحيح أنه تغيرت بعض القيادات الصحفية والثقافية ، ولكن الفاعلين هم هم ، والكاتبين هم هم ، الشيء الذي لم يتغير هو إصرارهم المشتبه به ، أو الإجرامي على إهانة الإسلام والمنتسبين إليه ..

ويتساءل الناس : أين تطهير الصحافة والثقافة من هؤلاء المرتزقة العملاء الذين لا يملكون شرف الانتماء إلى فكر أصيل أو إرادة حرة ، أو ضمير حي ؟

أحدهم ماسوني الفكر والسلوك ، وتاريخه معروف بتحولاته الفكرية الانتهازية مذ كان في الإخوان المسلمين ، وانتقل إلى الشيوعية ، ثم راح ينضم إلى البعث السوري فالبعث العراقي، ويوم سقط صدام تحت سنابك الاحتلال الأميركي قام بهجائه أشد الهجاء وهو الذي قدم لزوجه منحة دراسية في إحدى جامعات أوربة المعروفة ، وأغدق عليه قبل ذلك وفي أثناء إقامته معها ، وعاد من أوربة ليكون ضمن خدام النظام البائد ، وسدنته ، وليحصد مناصب ويرأس لجانا ومجلات ومؤتمرات ، وينال جوائز ومكافآت ، وتفتح له الصحف والقنوات ، ويقدم عند الرئيس والرئيسة ..وإذا به بعد الثورة يتحول فجأة إلى وحش شرس ينهش في لحم الرئيس السابق ، ونظامه ، ويتكلم عن الثورة كأنه أبرز من صنعوها وأشعلوها واكتووا بنار الاستبداد ورصاصه المطاطي والحي ، ثم يوجه هجومه كالعادة على الجماعات الإسلامية التي ستعيدنا إلى العصور الوسطى المظلمة !

والغريب أن الصحف تفسح له مزيدا من الصفحات لتأخذ رأيه وتستفتيه في مستقبل الثورة ! ولا تلتفت لما يقوله القراء تعليقا على مقالاته ولقاءاته في الإطار التفاعلي الذي تتيحه مواقع هذه الصحف على الشبكة الضوئية .

آخر كان شيوعيا في بداية حياته وتأمرك في عهد النظام السابق ، وتلقى من العطايا والهبات ما شاء له هذا النظام ، وعالجه وبعض أقاربه في أكبر مستشفيات أميركا ، وأتاح له ما لم يتح لغيره مع ضعف موهبته ، وتواضع قدراته ، وقلة مؤهلاته .. هذا الآخر طلع على الناس يصف النظام السابق بأنه أسوأ نظام مر على مصر، حتى أكثر (؟) من المماليك الذين برعوا في فنون القتال، وصدوا هجمات التتار، ومن الولاة العثمانيين، وحتى من الاحتلال الأجنبي، فالنظام السابق جرف البلاد، ونهبها بكل طاقته، حتى أن المساحات المخصصة لهموم المصريين في خطابات مبارك تقلصت على مر سنوات حكمه، حتى اختفت تماما وحل محلها سخرية واحتقار وتجاهل. ولم يكتف الآخر بهذا التوصيف للنظام الذي أغدق عليه وعلى آله ، بل راح يتملق النظام الجديد ويتقرب إلى الجيش في نفاق رخيص!

وهذا السلوك يكشف الطبيعة الانتهازية لكتاب النظام البائد وأدبائه ، ويوضح إلى أي مدى يستمر هذا الفكر / العار في صحافة النظام الجديد التي تغيرت قياداتها ولكنها لم تتطهر من أقلام السوء والانتهازية والكذب حتى هذه اللحظات !

في يوم واحد ظهرت صفحة الرأي في إحدى الصحف اليومية تحمل مقالاتها الثلاث تنديدا بالإسلام من خلال بعض الجماعات والأفعال المنسوبة إليها كذبا ، الأول يهاجم ما يسميه الجماعات الدينية التي تحول البلاد إلى ظلام دامس ، ويحرض عليها جهارا نهارا ، ويدعو لاستئصالها لتنجح الثورة ويقطف الشعب ثمارها ، والثاني يندد بحد قطع يد السارق في الشريعة الإسلامية الذي جاء صريحا وقاطعا في القرآن الكريم   ، ونسي الكاتب الشيوعي المتفرنس أن هذا الحد لا يطبق في مصر لأن النظام الفاسد كان يمنح اللصوص الكبار شرعية قانونية بتفصيل القوانين على قدر سرقاتهم ( تأمل سرقة الأراضي والأموال والمصانع والمؤسسات التي كان يملكها الشعب وسرقها الكبار !) ، أما الثالث فيصف المتدينين المسلمين بأنهم طالبان مصر ، ونسي المذكور أن طالبان التي يحتقرها تدافع عن وطنها الأفغاني ، وتواجه أكبر قوة على وجه الأرض بأسلحة بسيطة وتذيقها من الكأس  نفسها ، ومهما كان الخلاف معها في الرأي فهي لم تبع وطنها ، ولم تساوم عليه ، ولم ترتزق بالنضال الهوائي أو الكتابي . وليت المصريين يملكون طالبان مناظرة حقيقية ، وليس كما يدعي المذكور، لتصد هجمات البلطجية الذين أطلقهم النظام البائد من السجون ليعيثوا في الأرض فسادا ، ويسلبوا المجتمع أمنه وأمانه !

إن فكر العار وصحافته في مصر يمرح في أرض خالية لا يجد فيها غير عناصره الانتهازية المتحولة ،  ويتصور بعضهم أن تغيير رئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة ، يمكن أن يحل مشكلة الفكر والثقافة في بلادنا ، ولكن المشكلة لم تحل بهذه الصورة ، فما زال هناك الكتاب والصحفيون والأدباء الذين صنعهم أمن الدولة السابق ، أو صنعهم لاظوغلي ، ينطقون بما يريده في تأييد الفساد أو تمييع قضاياه ، ومهاجمة الإسلام والمسلمين ، وتسطيح وعي القراء باستفتاء العوالم والغوازي والطبالين والزمارين ، والمشخصاتية ، أومن يسمونهم الأرتست أو أهل الفن ، ممن لا علاقة لهم بالفن الحقيقي أو الفن الراقي ، فضلا عن مرتزقة كرة القدم .. ماذا يفيد القارئ أن يستمع لرأي عالمة أو غازية في قضايا السياسة ونظام الحكم والديمقراطية ، وهي لا تجيد إلا الرقص أو استعراض جسدها ، أو الإيقاع بلص من لصوص النظام الكبار لتحصل منه على بضعة ملايين من المال الحرام ؟ هل هذه تفهم في الحكم على التيارات الإسلامية والسلفيين حين تقول إنها ستهاجر لأنهم سيمنعون السينما ويغلقون المسارح ، ويحرمون الأغاني ؟

في مقابل ذلك تجد رؤساء التحرير والأقسام في الصحف يصابون بالارتكاريا حين يقدم إليهم مقال أو موضوع فيه رائحة الإسلام ، ويمتعضون من صاحبه ويرفضون نشره – إذا نشروه - إلا بعد تفريغه من رائحة الإسلام ، وكأن الثورة لم تحدث على أرض مصر !

هل قامت الثورة لإقصاء الإسلام والتشهير بمن يرفعون لواءه ؟

لا اعتقد أن القوم يريدون تقديم إجابة حقيقية لأنهم تربوا على كراهية الإسلام والتخويف منه ، مع أن المسلمين كما يفترض هم الذين يملكون الصحف ووسائل الإعلام ، ويدفعون الضرائب ليغترف رؤساؤها الملايين ويهاجمون دين الدولة الرسمي !