مجنون دبّ حجر في بير

جميل السلحوت

[email protected]

خلال أقل من شهر وقعت جريمتان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واحدة في مخيم جنين تمثلت بقتل الفلسطيني جوليانو صليبا خميس، والثانية في قطاع غزة تمثلت بقتل الايطالي فيتوريو اريغوني عضو حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وكلا الجريمتين تمثلان وصمة عار بحق شعبنا، وبنضالاته وصموده أمام قوى الشر الاحتلالي، ان ثبت أن القتله من ابناء شعبنا، وان كان القتلة من جهات معادية فبالتأكيد فانها تسعى الى تشويه شعبنا ونضالاته، ومن هنا تنبع أهمية متابعة الجريمتين حتى معرفة القتلة وتقديمهم للقضاء حتى ينالوا العقاب الذي يستحقون،   فجوليانو خميس الفنان المرهف الاحساس والذي تربى في بيت معاد للاحتلال، وفاعل في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، حيث كان والداه عضوين في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الاسرائيلي، المناهض للصهيونية وللاحتلال، ووالده الراحل صليبا خميس أحد مهندسي يوم الأرض في 30آذار 1976، والصحفي الذي تصدى للدفاع عن حقوق أبناء شعبه الذين بقوا على تراب وطنهم في نكبة العام 1948 وتعرضوا لسياسة التمييز والقهر القومي والطبقي، لا يحتاج للتعريف، فكتاباته في صحيفة الاتحاد الحيفاوية وفي مجلة الجديد شهادة لتاريخ الرجل، وجاء ابنه جوليانو الذي درس المسرح والاخراج المسرحي ليتضامن مع أبناء مخيم جنين بعد المذابح التي تعرض لها المخيم عند اجتياحه في العام 2002، احتضن أبناء المخيم وأطفاله، واحتضنه أهل المخيم واعتبروه واحدا منهم، وجاءت رصاصة حاقدة وعمياء لتنهي حياته على أرض المخيم، فاعذرنا يا جوليانو على الجريمة ان كان مرتكبها من أبناء شعبنا، وليعذرنا والداك أيضا، فقد أحزننا رحيلك بهذه الطريقة المأساوية بغض النظر عن هوية القاتل الذي يستحق أقسى العقوبات.
أما المتضامن الايطالي اريغوني الذي جاء متضامنا مع شعبنا في قطاع غزة، الذي يتعرض لحصار جائر قارب الخمس سنوات، فعملية قتله جريمة يندى لها جبين البشرية،أريغوني دفعته انسانيته الى التضامن مع شعب يحاصره مدعو الحفاظ على حقوق الانسان، فهل هذا جزاؤه؟
إن استنكار الفصائل والمؤسسات الفلسطينية لجريمتي القتل يعبر عن موقف الأصالة الفلسطيني الذي يرفض الجريمة، لكنه لن يغسل العار اللاحق بنا إن ثبت أن القتلة من أبناء شعبنا، واذا كنا نعاني من عدم قدرتنا على ايصال قضيتنا العادلة الى الرأي العام العالمي، فان جريمتي القتل هاتين قد زادتنا عمى على عمانا، ومن هنا فانه يجب متابعة هاتين الجريمتين الارهابيتين بجدية متناهية، حتى تنجلي الحقيقة، وحتى ايقاع أقسى العقوبات بالجناة.

 ان ممارسات الاحتلال اللاانسانية واللا أخلاقية في الأراضي الفلسطينية، ليست مبررا لردات فعل لا مسؤولة ولا انسانية، فهكذا جرائم ليست من ثقافتنا ولا من أخلاقياتنا، فحياة الانسان مقدسة بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه، فما بالكم اذا كان نصيرا لنا ومتضامنا لتخفيف المآسي اللاحقة بشعبنا؟ وهل يمكن أن يتحول الضحية الى مجرم؟ فرحماك يا رب...واذا كان "مجنون منا دبّ حجر في بير، فمليون عاقل لن يستطيعوا اخراجه".