الحاكم والعائلة

سقوط النظام العربي

بسام الهلسه

[email protected]

إنكشف النظام العربي على الملأ عارياً كما هو على حقيقته: حاكم فرد مطلق وأقاربه, تحميهم أجهزة استخبارية وأمنية, ويعينهم رجال أعمال متخصصون في جمع الثروة وإدارة النهب, ووسائط إعلام موظفة لتقريض المدائح لهم وتجميل صورهم.

في الدول الوراثية التقليدية- الملكيات والإمارات- يتخذ النظام من مجموعة عائلات وقبائل موالية سنداً إجتماعياً له يتوارث أبناؤها معه المناصب المهمة في الدولة ووزاراتها ومؤسساتها. وفي الدول الوراثية الجمهورية المستحدثة, يتخذ النظام من الحزب واجهة سياسية له, قد يضيف لها أحزاباً اُخرى - مضمونة التبعية- على سبيل التزيين.

بالطبع, ثمة فروق هنا وهناك- كالإتكاء على الطائفة, أو المذهب, أو المنطقة الجهوية- لكنها لا تؤثر في جوهر الأنظمة العربية- من حيث هي أنظمة تتشارك في الإستبداد والفساد, وحرمان شعوب الأمة العربية من حقوقها في السلطة والثروة والمعرفة وإدارة الشؤون الوطنية العامة.

وبقدر ما تبدي-الأنظمة- ترفعاً إستعلائياً يضمر الإحتقار لشعوبها, وضراوة شرسة في معاملتها,عند أقل بادرة إحتجاج على الظلم, فإنها تمارس كل صنوف التودد والإستجداء والخضوع المهين للإرادات الأجنبية, وبخاصة للولايات المتحدة.

                       *     *     *

في أنظمة الحاكم والعائلة هذه- أو "العيلة" كما يقال في مصر وبلاد الشام- لا مجال للحديث الجاد عن دساتير, وقوانين, ومؤسسات دولة, ووطن, ومواطنين, إلا على المستوى النظري واللغوي! فالدساتير والقوانين والقرارات, تكتب, وتصدر, وتطبَّق بحسب إرادتهم. والدولة وأجهزتها مكرسة لتنفيذ أوامرهم وتعليماتهم. أما الوطن, فهم يتعاملون معه كغنيمة تم إكتسابها- وراثة أو إغتصاباً- وعليهم العمل بحرص على إحتكارها خالصة لهم ولنسلهم. وأما المواطنون, فهم يصنفون إلى أتباع ومريدين ينبغي تقريبهم وتنفيعهم ومراعاتهم, وإلى معارضين "ناقمين حاسدين" يجب ملاحقتهم وعزلهم وقمعهم وإتهامهم بالعمالة لجهات خارجية. وبين هاتين الفئتين تقع جموع كثيرة من "الخلق" لا يبالون بها, مع حرصهم على مراقبتها بإستمرار للتأكد من خضوعها وبقائها تحت السيطرة. ولأجل تحقيق هذا الهدف, فهم يؤلبونها ضد بعضها البعض, ويؤججون في صفوفها كل أنواع التباغض والإنقسام: الإقليمي, القبلي, الديني, الطائفي, الجهوي, المناطقي, والعِرقي...الخ.

وإذا لم تكن هذه الإجراءات كافية, فهم يعززون حكمهم بأشكال مختلفة من الإتفاقيات والتعاون والتنسيق الأمني و"القواعد العسكرية" مع الولايات المتحدة ودول الغرب. فالأمر المهم والثابت والمصيري هنا, الذي تنطلق منه السياسات وتدور حوله كما تدور الأرض حول الشمس, هو بقاء الحاكم والعائلة في السلطة وتوارثها. أما ما عداه  من اُمور: كحقوق الشعوب والأوطان, وكرامتها, وثرواتها, وسيادتها, ومكانتها ودورها بين الأمم, فهي قابلة للتداول والتفاوض والتسويف والمساومة والإهمال والبيع والهدر والتفريط.

                       *     *     *

مرت من قبل, في تاريخنا وفي تواريخ غيرنا من الأمم, عهود أنظمة الحكام المطلقين والاُسر المتغلبة الوراثية. لكنها إنقرضت وحلت في المكان اللائق بها: متحف الإجتماع السياسي القديم. فلم يعد ثمة مجال في عصرنا لتملك الوطن و الدولة وشخصنتهما والتصرف بهما على طريقة الملك الفرنسي "لويس الرابع عشر" صاحب العبارة الشهيرة :"أنا الدولة والدولة أنا"! إن هذا النمط من الأنظمة, وما هو متفرع منه أو على شاكلته, هو ما شرعت الشعوب العربية بإسقاطه والتخلص منه, لبناء دول وأنظمة جديدة تكون فيها سيدة نفسها وصاحبة القرار في مصيرها وشؤونها. وهو ما تفصح عنه بجلاء, ثوراتها وحركاتها الإحتجاجية المتدفقة.