ولكنه ليس لبنان الذي نريد

سحر المصري

طرابلس - لبنان

[email protected]

فليقولوا عن حجابي.. لا وربي لن أبالي! وليرغوا وليُزبِدوا فلن يزيدني إسفافهم إلا تمسكاً بحجابي وشغفاً بحبه!

أسعدتني أخبار الثورات التي دقت طبولها في قلوب الشعوب المطحونة.. وأقلقتني أخبار الاعتقالات.. وأبكتني مشاهد الدهس والقتل والتشريد.. ولكنها الأثمان الباهظة الطبيعية لمهر هدف شريف راق لا يُنال إلا ببذل النفس والدم والروح.. هو مفتاح الحرية الذي تُهنا عنه دهورا.. أُزيل عنه الصدأ.. وعاد يتلألأ من جديد.. ويحنّ إلى فتح الباب المضرّج بالدماء!

وبائسٌ جداً أن يخرج عليك في خضم ما تتابعه من ثورات مشرّفة قزمٌ خسيسٌ يتعالى.. ليطعن بأغلى ما تملك المرأة المسلمة: حجابها! فتنظر في أمرك.. هل تردّ على مَن لا يستحق إلا التحقير والازدراء.. أم تتركه يموت بغيظه حتى يأتيه أمر الله جل وعلا فيعرف منزلته.. وحينها لن ينفعه مال ولا بنون ولا مناصرون وسيُكبّ على وجهه المُزرق إن لم يتب قبل أن يغرغر!

هو "لا أحد".. تماماً! تُروى عنه حكايا قبل أن ينفشوا ريشه في بلدٍ قد يرتقي المجرمون فيه درجاتٍ عُلا من الحكم.. في "تركةٍ" يوزّعونها على الأحزاب والحركات والمنظمات.. فتجد من لا يملك شخصية ولا منطقاً ولا علماً ولا خُلُقاً على كرسي "ما".. بطريقة "ما".. فتنظر خلفه وترى سجلاً حافلاً من الظلام! وتشتمّ الكير الذي ينفخ فيه فيزكم أنفك من "عبق" تاريخ من العمالة والسفاهة والخساسة!

لن أذكر اسمه كي لا ألوّث كلماتي.. ولكنه "وزير لبناني درزي سابق".. كبُر مقتاً عنده أن يرى في السعودية المرأة المنقبة العفيفة تُدني جلبابها لتمنع عن أمثاله رؤية ما أمر الله جل وعلا بستره.. فلا تحرق جسدها بنظراته اللاهبة الدنيئة.. فشبّهها بكيس نفايات أسود! واستهزأ بحدود الله جل وعلا معبِّراً عنها بقطع الرؤوس والألسن والأيادي والأذنين! فاض إناؤه بما فيه من نتن!

ليس الأول.. ولن يكون الأخير.. ليس في لبنان فقط بل في العالم أجمع.. يريدون تشويه هذا الدِّين وشعائره ورموزه كي لا يقض مضجعهم ويمنع عنهم شهواتهم ويبعثر ما اغتصبوه ويشتّت شمل شياطين الإنس والجنّ!

وهذا إن كان ينبؤ عن شيء فإنه يُظهِر ضعف المسلمين.. وبُعدهم عن الشرع وتطبيقه.. ولهثهم وراء زعامات لا تعرف الله جل وعلا ولا تريد تطبيق شرعه! بل تحارب كل ما هو ملتزم.. بدعوى القضاء على الإرهاب والرجعية!

وغير بعيد عن هذا ما  درج في الفترة الأخيرة  من علو صيحات تطالب بإسقاط النظام الطائفي وربط ذلك بكرامة المرأة!!.. وبتطبيق المادة 16 من اتفاقية سيداو (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) التي أقرّتها الأمم المتحدة ببنود ظاهرها الرحمة وباطنها من قِبلها العذاب العظيم! وهذه المادة تتعلق في الأساس بكل الأمور التي لها علاقة بالزواج والعلاقات الأُسرية! ومن أبرز المنظمات التي تعمل على تطبيق هذه المادة منظمة كفى المدعومة مادياً وإعلامياً وسياسياً بشكل كبير من الإتحاد الأوروبي ومَن ينعق بهتافات العلمنة في لبنان من بعض ساسته إلى بعض مواطنيه.. وقد ساءها تحفظ لبنان على المادة 16 لأن مسائل الزواج والعلاقات الأسرية يتم التعامل معها من قِبَل زعماء الطوائف في البلاد.. وتطالب هذه المنظمة برفع هذا التحفظ بحيث لا يتم ترك التعامل معها للأديان!! دعوى صريحة وواضحة لإنهاء أي علاقة للدّين بالحياة!.. وتعمل اللجنة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية والتي ترأسها زوجة رئيس الجمهورية الحالي على إطلاق حملة لإلغاء الأحكام التمييزية ضد المرأة في القوانين والتي تؤثّر –بزعمهم- على الاقتصاد!

وقد أتخمتنا الإعلانات التي انتشرت على طول الساحل اللبناني وقد خطّت شعارات لدعم المادة 16 من اتفاقية سيداو الخارجة من رحم الأمم المتحدة جاء فيها: "الأحوال الشخصية ناقص 16 تحت الزفت".. وإعلان آخر يشير إلى تدني حرارة الأحوال الشخصية في بيروت وفيه: "أوسلو 23 درجة، تورنتو 21 درجة، بيروت -16"!.. وما لا أفهمه حقيقة لِم لا "تلتهي" الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الداعم لحملة كفى في لبنان بتحسين وضع الأسرة الغربية المفكّكة؟ ولماذا لا ينصرون المرأة الأجنبية التي تُهان وتُغتصَب وتُضرب! أم أن تدمير الأسرة العربية بات ديدنهم لتكون مع الأسرة الغربية سواء بسواء ولا يقوم للإسلام قائمة؟!؟

وباسم المساواة بين المرأة والرجل يوحون بأنهم يعملون لصالح المرأة التي لا يزالون يغذّونها بكل فِكر غربيّ غريب دخيل عبر الإعلام والثقافة والتغريب.. وفي واقع الحال فإنهم يُبعِدونها عن جوهر مهمتها الأساسية في الحياة، وطبيعة دورها في الحياة وفطرتها التي فطرها الله جل وعلا عليها.. فأوهموها أنها ضعيفة مضطهدة مظلومة.. ولا تقوى إلا حين تتساوى بالرجل –بزعمهم- وتتربص له وتكون ندّاً له في البيت والعمل وتخلع ثوب الرضا عن أحكام ربانية أنزلها مَن خلق المرأة والرجل وهو أعلم بمن خلق!

وقد رأينا في يوم المرأة العالمي مَن يرفع شعارات من أجل حرية المرأة ويتساءل: لِم لا يوجد زواج مدني في لبنان؟ لِم لا ترث المرأة إن كانت على غير دين زوجها؟ لِم تكون الحضانة من حق الزوج إذا تم الطلاق؟ لِم لا تستطيع الفتاة اختيار شريك حياتها إن كان من طائفة أُخرى؟ لِم يحق للرجل وحده أن يطلِّق دون الرجوع إلى زوجته؟ لِم تُمنع المرأة من السفر من دون إذن الولي؟ وسلسلة من "اللِماءات" التي تعصف بالأحوال الشخصية الإسلامية بشكل أساس.. ثم يُرفع شعار: نريد إسقاط النظام الطائفي بكل تفرّعاته.. لأن هذا سيقوّي المرأة اللبنانية.. وهذا لبنان الذي نريد..

أحترم وجهة نظرهم.. ولكن عليهم أيضاً أن يحترموا وجهة نظري ومَن يرى ما أرى في لبنان.. وبكل بساطة: ليس هذا لبنان الذي نريد نحن!..

ولا أفهم حقيقة كيف ستقوى المرأة اللبنانية حين يُنتزَع الدّين من حياتها! وإذا كان العلمانيون والقوميون والشيوعيون لا يلتزمون بأديانهم ولا يدينون لأيّ دين في النظام الطائفي وغير الطائفي فلِم يسوء وجوههم وهج كلمة "الدِّين" إذن؟!.. ثم يعيدون: فالتمييز ضد المرأة مرتبط تماماً بالنظام الطائفي.. ويكررون ويكررون حتى تكاد تلتصق هذه الأفكار في عقول خَفَت بريقها وقلوب زاد مرضها!

تكتب إحداهنّ  متذمّرة: "هذه هي الصورة النمطية التي يجب علينا حفظها، الرجل يبادر والمرأة تحتوي، هو يخرج وهي تنتظر، هو يحقق وهي ترضيه. وللأسف، غالباً ما ابتلعت النسوة الطعم الاجتماعي القائل بضرورة الزواج، فتسعى المناضلات دوماً إلى الزواج حال هدوء المعارك، إثباتاً لأنوثتها وطاعتها"..

وفي زاوية أُخرى تقول: "ولكنّ النساء، كما العديد من الأقليات حقوقاً، يسمح لهنّ بأن يشاركن في نصرة الرجال بشرط العودة إلى «بيت الطاعة» في نهاية المطاف"..

وفي إحدى المظاهرات في يوم المرأة العالمي لبست بعض النساء قمصاناً كُتِب عليها "أنا مش سِت بيت".. وتعني بها أنها لا ترضى أن تكون ربّة منزل! ولو رضيت لكفاها فخراً أن تبني أسرة!

يناضلن ضد الطائفية والعنصرية والذكورية وإحياءً للعدالة الجندرية! إملاءات غربية زُرِعَت في أرضٍ يردن أن تكون قاحلة من كل حياة لا تأتي إلا من الالتزام بتعاليم الدّين.. أيّ دين كان.. في وطن التعددية!

يقلن: "حان الوقت للمرأة اللبنانية أن تصحو.. حرية.. مساواة"..

وأنا أنادي المرأة اللبنانية أن تصحو من سباتها العميق لترى ما يُدبّر لها من مكائد لتتحطم الأسرة على صخورها!

يطالبن بإنهاء التحرش الجنسي ضد المرأة في الأماكن العامة.. ويطالبن أن تعطي المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها إن تزوجت من غير لبناني.. ويردن القضاء على العنف الأسري.. وأنا أيضاً أريد كل هذا! ولكني أريد أن تبقى الأحوال الشخصية بيد المحاكم الشرعية لا المدنية! وأريد أن تبقى القِوامة بيد الرجل وإلا تحطمت السفينة عند أول موجة عالية! وإن كان الرجال يُظهِرون نماذج سيئة فلا أقل من أن يُثار على السلوكيات وليس القوانين.. فإن كانت القوانين الربانية لا تُرضي الجموع أفتُرضيها قوانين وضعية من بشر قد تغلغل النقص في عقولهم وقلوبهم؟!؟

قرأت خبراً سأضطر إلى مشاركتكم فيه وأعتذر لذلك.. يقول الخبر: "اختارت المؤسسة الدولية السياحية للمثليين والمثليات في تشرين الثاني الماضي بيروت إحدى أفضل العواصم السياحية للمثليّين والمثليات، وذلك لعقد اجتماعها السنوي".. هل هذا هو لبنان الذي تريدون؟ نحن وربي لا نريده هكذا!

ثم يتباكى كاتب مقال داعم للمثلية ويقول متأوِّهاً: "المادة 534 من قانون العقوبات،لا تزال تعدّ المثلية جرماً يحكم عليه بالسجن! والمطلوب اليوم حركة تنبثق من مصالح مثليي/ات الطبقة العاملة وتمثّلهم/هن. حركة تحمل شعارات تغييرية جذرية، تثور على هذا النظام الاقتصادي خصوصاً، الذي يهمّش أغلبها و يضعها في مواجهة أنواع مختلفة من التمييز. حركة رافضة لثقافة الاستهلاك التي تقوم على مبدأ الاستغلال، حركة تضمن تغييراً حقيقياً في المجتمع كله. فلنبدأ بإسقاط النظام الطائفي!" من أجل تحرير الطبقة العاملة من المثليين يريدون إسقاط النظام الطائفي! تعساً لهم!

أفرزت الثورات حول العالم عبارات كثيرة انتشرت وكان أبرزها "الشعب يريد إسقاط النظام".. وتأسياً بهذه العبارة رددوا في لبنان "الشعب يريد رفع التحفظ عن المادة 16".. وبدوري أحذو حذو الجميع وأقول: "الشعب يريد رفع الأيادي الآثمة عن الأحوال الشخصية"!..

إن رفع الحظر عن المادة 16 من اتفاقية سيداو والتي يرون فيها "الإبقاء على السلطة الذكورية المكرّسة في قوانين الأحوال الشخصية" ليس في لبنان فقط وإنما في كامل عالمنا العربي ما هي إلا محاولة لهدم قانون الأحوال الشخصية الإسلامية بكافة فقراته ونسف ما شرعه الله جل وعلا لتنظيم الأسرة المسلمة.. وأذكّر أن أهم بنود المادة 16: "إلغاء طاعة الزوجة لزوجها، وإلغاء الولي، والتساوي التام عند عقد الزواج، والطلاق، وفي التعدد والميراث"!.. وغيرها الكثير مما يخالف شرع الله جل وعلا الذي ارتضاه لنا!

وهي دعوةٌ إلى كل غيّور على الدِّين.. وغيّورة على الأمّة.. أن يحافظوا على هذا الدِّين الذي يحيي، وعلى تعاليمه لتبقى راسخة في الوجدان وفي التطبيق!.. وأن يحاولوا بكل ما أوتوا الذود عن الشعائر الإسلامية.. وأن يجادلوا مَن خالفهم بالتي هي أحسن.. دون أن يرضوا الدنيّة في دينهم.. ولتتوحد قلوبهم لمواجهة ما يُكاد لهذه الأمّة المباركة.. وطوبى لِمَن أزال الران.. وأعلى اللواء!