مهاجر بوسني إلى فلسطين يكتب للمسئولين العثمانيين محذرا

مهاجر بوسني إلى فلسطين يكتب

للمسئولين العثمانيين محذرا

من الحراك الصهيوني قبل النكبة..

د. محمد ياسر عمرو

[email protected]

لله درك ياحيفا، ولله درك يا جبل الكرمل، فالمؤامؤة عليكما قديمة، وليست صهيونية فقط، بل مدعومة من أنظمة غربية، نحن أمام وثيقة عثمانية قيمة، يكشف بها مهاجر بوسني إلى فلسطين ما يحيكه الصهاينة ومن يقف خلفهم لفسطين، وخط قلمه هذه الرسالة الجريئة والتي تكشف إرهاصات الحراك الصهيوني وستائر التمويه التي اعتمدها في نشاطه، تظهر الرسالة مدى غيرة البوسني المسلم على فلسطين التي هاجر إليها وقبلته، وصار مخلصا لها ومن أبنائها، وما ضاقت فلسطين يوما بالشرفاء على مر الزمن...، كما تظهر وعيه ومتابعته لما يجري، والرسالة والتي من ترجمة أ.كمال خوجة من الجمعية الدولية للمترجمين العرب، أترككم مع النص وبورك كل وفي في هذه المعمورة.

إلى صاحب المكارم العالية

صاحب العزة، أخي ومواطني العزيز حضرة الآغا

إنني أسمع مدى حرصك على حقوق الوطن، والأخلاق الحميدة التي تتصف بها ، وبناء على هذا وجدت في نفسي الجرأة لعرض ما يلي راجيا إيصال ما أعرضه عليك لمقام حضرة مولانا السلطان خدمة للوطن.

أولاً: أرجو العفو منك إن بدر مني أي تقصير أو هفوة فيما سأعرضه من أجل سلطاننا المحبوب ووطننا المقدس.

ثانياً: نظرا إلى أن هذه الإخبارية ستكون عائقا أمام تحقيق مصالحهم الشخصية فقد أتعرض لنقمة اليهود ومن يتعاون معهم من مأموري الحكومة المحلية، فإني ألجا إلى رحمة مولاي السلطان كي يحميني من نقمتهم، والأمر لسيدي.

إن آبائي وأجدادي عاشوا مع أقوامهم وقبائلهم في البوسنة والهرسك في ظل الدولة العثمانية مدة خمسمائة عام في أمن وأمان. وأنا اليوم أعيش تحت جناح الرحمة لحضرة مولانا الخليفة في أرض فلسطين في قيسارية بداخل قضاء حيفا التابعة لولاية بيروت.

القصة أن البارون روتشيلد ونانا نرسيس وغيرهم من أثرياء اليهود في أوربا يحدوهم الأمل والفكر الفاسد في تأسيس حكومة يهودية في فلسطين مرة أخرى بقوة المال، أسسوا شركات كبيرة في أوربا برؤوس أموال كبيرة جدا لصرفها في سبيل تحقيق هذا الحلم الفاسد، وفتحوا فروعا لهذه الشركات في الممالك المحروسة، لتقوم هذه الفروع باستملاك أراض في الأرض المقدسة، وخلال حوالي خمسة عشر عاما تملكوا قسما كبيرا من الأراضي في سورية وفلسطين ، وهم يواصلون توسيع أملاكهم.

حيث يقوم وجوه البلاد والتجار بالبحث في الأرياف عن الأهالي المسلمين والرعايا الصادقين للدولة ، فيشترون أراضيهم مستغلين فقرهم وضعف أحوالهم، وبعد ذلك يبيعونها لليهود بأرباح خيالية. كما يقوم المأمورون في الحكومة المحلية بمساعدة اليهود في كافة أمورهم لتحقيق منافعهم الشخصية، وخلال الخمسة عشر عاما الماضية أرسلت أوربا أعدادا كبيرة من اليهود الأجانب باسم المهاجرين الموسويين، ليستوطنوا في فلسطين، هؤلاء اليهود ليسو من اليهود الذين نعرفهم، بل تلقوا التعليم في مدارس أوربا وتشربوا تربيتها وعلومها، إنهم قوم يخشى من تكاثرهم واكتسابهم القوة في بلد من البلدان. ومع أن إرادات سنية صدرت بمنع دخول اليهود لفلسطين وإسكانهم، فإن مأموري الحكومة يسيئون استخدام الإرادة السنية ويلجئون إلى وسائل ودسائس لا تخطر على بال في تأمين شراء واستملاك الأراضي لليهود، حتى أنهم استملكوا مزرعة لكامل باشا بتلك الطريقة.

وحاصل القول أن روتشيلد وسائر الشركات في أوربا تبذل كل شيء لزيادة عدد اليهود الأجانب في فلسطين ودعمهم وتقويتهم.

أما مأمورو الحكومة فإنهم ينظرون إلى شركة روتشيلد نظرة سياسية، ويحترمون اليهود ويراعونهم أكثر من الأهالي، يعطونهم الامتيازات، في الوقت الذي يعاملون أهالي البلد من الرعايا الصادقين للدولة معاملة إيذاء وجفاء.

هذه الشركات تواصل إرسال الليرات بالأحمال، وبفضل هذه الثروة يسخر الأهالي والوجوه لخدمة اليهود.

يظن الوجوه والمأمورون بأن الأموال التي ينالونها من اليهود هي مجرد إحسان، لكن اليهود يسجلون كل ما يعطونه ويرسلون ما هو مسجل للمحاسبة العامة للشركة، مع تقرير عن أحوالهم وأوضاعهم.لقد استملك الفرنسيون والألمان القسم الأعظم من جبل الكرمل في قصبة حيفا، وهذا الجبل يعد من النقاط الاستراتيجية المهمة في سواحل البلاد السورية. وقد أقام الفرنسيون حول هذه النقطة جدارا ارتفاعه بطول الآدمي، وصرفوا عليه سبعة آلاف ليرة ويبلغ طولا وعرضا مسافة ساعتين، كما يقوم الألمان بإنشاء مبان ضخمة، وأمور كثيرة لا يمكن حصرها وتعدادها، وبإرسال شخصية وفية وصادقة للدولة للتحقيق في هذه المسائل من غير أن يعلم بذلك مأمورو الحكومة سيظهر كل شيء على حقيقته. رجاء الإطلاع.

من مهاجري البوسنة والهرسك، من أسرة محمد علي باشا الإستولجي

الوثيقة محفوظة بالأرشيف العثماني في استانبول برقم Y.P.R.KA.Z.J 34/1