عشرة أعوام على المشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين

عشرة أعوام على المشروع السياسي

لجماعة الإخوان المسلمين

زهير سالم*

[email protected]

يؤكد المتابعون لتطورات الحياة الحضارية الإنسانية في كل مناحيها ، أن ما شهده العالم من تغير وتطور خلال قرن مضى يتفوق على ما سبق للإنسانية أن عرفته خلال  تاريخها الطويل .

وبالتوازي ومع كل المتغيرات التي واكبت الربيع العربي والثورة السورية جزء منه ؛ فإن ما شهدته الحياة العامة السورية خلال العقد الأخير من تغيرات وتطورات يكاد يتفوق على ما عرفه السوريون في قرنهم الأخير .

في عام 2004 تقدمت جماعة الإخوان المسلمين في سورية بمشروعها السياسي . الذي كتب بالأصل تحت عنوان ( رؤية جماعة الإخوان المسلمين لسورية المستقبل ) . المشروع الذي أريد منه التوضيح والتصحيح والتبشير ، وإسقاط كل التصورات النمطية السلبية التي ألصقتها الدعاية السوداء بهذه الجماعة وبرؤيتها وبمشروعها وبتاريخها ورجالها ، وتصحيح  كل التصورات التي نشأت عن القصور والضعف وقلة المتابعة والعلم ...

ومن إيمان هذه الجماعة أصلا بالإسلام المتجدد مشروعا عمليا يلبي احتياجات الإنسان ، ويحقق مصالحه الضرورية والحاجية والتحسينية الفردية منها والجماعية ، على قاعدة ثابتة وركينة من مقاصد الشريعة الإسلامية في آفاقها السامية السمحة  ؛ فإن جملة من المتغيرات والتحديات التي أفرزتها المرحلة التي نعيشها في ظل حراك ثوري متقد بات يتطلب اليوم ، التقدم خطوات إضافية واضحة على طريق التعريف بالذات وإعادة تقديم المشروع في صورة تتفاعل عمليا مع كل المستجدات ، فتنفي عن مشروع هذه الجماعة ما ينسب إليه من اتهامات ، وتحسم القول في المشتبهات ، وتميز بين  الأصيل من مواقف هذه الجماعة وبين ما قد يختل من ممارسات ، وتؤكد دائما على تمسك الجماعة بإيمانها بثوابتها الإسلامية  ، في إهابها المتجدد من لغة العصر وقيمه الكونية الإيجابية ، ومعطياته الإنسانية التي تلح دائما على كرامة الإنسان فردا وجماعة وأمما وشعوبا ، وعلى الأخوة الإنسانية الشاملة السابغة والأخوة الإسلامية الركينة الثابتة .

لن نتوقف في هذا السياق عند جملة التغيرات والتحديات الدولية والإقليمية التي لا تخطئها العين ، والتي لا يجوز أن يغفلها عاقل ، يدرك أن الأطر التي تحيط به تفرض نفسها شاء أو أبى عليه ، وأنه مطالب أن يحسن التعامل معها قبولا أو دفعا بما يقع في يده ، وبما يتناسب مع ظروفه ويخفف من معاناته  ، ولو لم يكن إلا استحقاقات هذه المتغيرات لكفى داعيا وسببا ..

ولكننا نعتقد أن متطلبات التجدد والتجديد الذاتية هي الأهم في السياق الذي نتحدث فيه لجماعة تريد أن تحتفظ بمكانتها ( كبرى الحركات الإسلامية ) وأكثر هذه الحركات شمولا وتكاملا ووضاءة ووسطية واعتدالا وإنجازا وحسن إداء . إن الاستجابة لهذه المتطلبات الذاتية لا يتنافى مع مراعاة التحديات الخارجية واعتبارها وحسن التعامل معها وهو الأمر الذي نعد أن نسير في سياقاته ضمن أطر هذه المقالات ...

إن  أبرز المتطلبات الذاتية  التي تفرض نفسها على أجندة جماعة الإخوان المسلمين في سورية اليوم ويطلب منها أن تقوم بمراجعتها و أن تحسن التعامل معها أو تستجيب لتحدياتها يمكن أن تُجمل في الصعد التالية   ...

أولا - على صعيد الخطاب ...

 لعله قد آن الأوان لتنتقل لغة ( الخطاب الإسلامي الإخواني )  من ضباب التعميم  إلى وضوح التخصيص  ، ومن هالات الايماء والإشارة إلى دقيق التصريح والعبارة ، ومن أسلوب الإرسال والتلويح إلى إيقاع الحسم والجزم  . ( هذا الذي نجتمع عليه ونسعى إليه  وهذا الذي نريد ) إن إسلامية الخطاب ومفصليته ومباشرته لا تتنافى مع وضوحه وقصده وجديته وحسم تفسيراته الاحتمالية .

 وهذا  أمر ليس بالسهل ولا هو بالميسور ولكن مستجدات الثورة ، والثورة  باتت تقتضيه وتستدعيه . لكي تصير الجماعة على المحجة التي تريد ، و يصير أبناؤها ومن يريد أن يلحق بها على بصيرة من أمرهم فيما يأتون أو يدعون ..

وثانيا على صعيد البناء التنظيمي ...  

ومع كل الاعتبار لما قامت عليه ال جماعة من بنيان ومؤسسات وأنظمة ضابطة ، فإن متطلبات العصر وتحدياته تتطلع إلى مؤسسة دعوية شاملة ، مؤسسة دعوية دينية مدنية ، تنتمي إلى العصر بكل معطياته بنيويا وإداريا . إن الاحترام للروح المشيخية ، وللإدارة الأبوية ، أو الاعجاب بكل ما يقدمه الأخ الكبير ، لن تسمح للجماعة ، ليس أن تشق طريقها إلى عصر جديد فقط ، بل أن تبقى في هذا العصر العاصف كل ما فيه ...

وثالثا على صعيد  الإنسان ...

إن الكلام الذي يمكن أن يرصف في هذا المقام كثير . أختصره بقولي : إن السقف الواطئ لا يستقبل القامات الفارعة . والجماعة أحوج ما تحتاج إلى القامات الفارعة  اجتماعيا ودعويا وسياسيا  واقتصاديا وعلميا و ثقافيا وفكريا . إن أصحاب هذه القامات هم في الحقيقة الحاملون الحقيقيون لعبء أي مشروع . ( تذكروا أحد العمرين ) . ارفعوا السقف ولو على أعمدة من خشب . تحديات التجديد الإنساني في إطار تنمية بشرية حقيقية تنفتح على العصر وثقافته ، وعلى المجتمع السوري بآفاقه ، وعلى الداخل السوري وخارجه ، وعلى الرجال والنساء كل ذلك بعض مطلوبات الرؤية الجديدة لعصر جديد يحتاج إلى رجال ونساء شيوخ وشباب جدد ...

رابعا – على صعيد المجتمع السوري الهواء الذي نتنفس

ومن أبرز المستجدات والتحديات في العقد الجديد أن المجتمع السوري بكل تلافيفه ومكوناته الذي كانت الجماعة تناديه قبل عشر سنوات من مكان بعيد ، أصبحت اليوم قادرة على أن تناجيه من قريب . هذا المجتمع

( الكل ) و ( الكثير ) و( القليل ) يحتاج إلى أكثر من كلام مرسل عبر وسائل الإعلام ، أو عبر الوثائق والنصوص المحبرة بعناية ، ربما هو وفق رؤية العصر الجديد بحاجة إلى شيء من الخصوصية والحميمية التي فرضتها على هذه الجماعة  الكثير من المعطيات والظروف ..

 ولقد كان أمل المجتمع السوري في هذه الجماعة كبيرا ، والظن خيّرا ، وكان الحال  على غير ما يحبون ونحب ، وربما يكون لهذه الجماعة معاذيرها ، ولكن هذه المعاذير لا يفصح عنها الصمت والتواري  ، ولابد فيها من نوع من الوضوح والمكاشفة والبناء على الصراحة للتعاون على المعروف بالمعروف ..

خامسا على صعيد العمل السياسي : دعاة وسياسون أم دعاة أو سياسيون...

ولقد كان هذا امتحانا صعبا وخطيرا وشائكا ، ونتائجه لم تسر الكثيرين . حتى حسم البعض بترجيح الخيار الخطأ . ونادى آخرون بضرورة الصيرورة إلى ما رفضوه الدهر الطويل ..

لقد بدا أن هذا الانغماس المباشر في سياقات العمل السياسي ، بكل ما فيه من تنافس وتناجش وتدافع ومداورات ومناورات ، مما لايليق أصلا بجماعة انتدبت نفسها للدعوة إلى الخير وليس إلى الجري وراء لعاعات الدنيا من سراب يحسبه بعض الظِماء ماء ، تحقيقا أو تمويها ...

إن تقديم تصورات عملية تحسم هذا الخيار ( دعاة سياسون  أو مناورون  سياسيون ) وتنأى بالجماعة عن الجري وراء الكرة التي يتدافع وراءها المتدافعون ، مهما حسنت النية وطاب القصد ، هو بعض المنتظر أن نستفيد منه من درس مصر ودرس الائتلاف الوطني وقبله المجلس الوطني وكل ما كان فيه ...

وسادسا على صعيد نابتة الغلو نظريا وعمليا ...

من ينظر اليوم إلى سطح المشهد السوري والعربي والإسلامي يدرك بشكل مباشر أنه لم يعد من السهل التسليم أن جماعة الإخوان المسلمين هي ( كبرى الحركات الإسلامية )  . وبغض النظر عن الضرر الذي ألحقه مشروع الغلو وحملته بالأمة والمجتمع وبالمشروع الإسلامي ؛ فإنه في الوقت نفسه قد شكل منافسا مهددا لمشروع الإسلام الوسطي الذي تعتبر الجماعة حامله الأساس ..

لقد شكلت نابتة الغلو في سياق الثورة السورية  ، بشكل خاص  ، مفصلا من مفاصل التغيرات السلبية الحادة  التي تستدعي فصولا من القول في الظاهرة وأسبابها وتداعياتها ومخاطرها وأساليب التصدي لها وآفاق التعاون لتطويقها ، ومع فصول القول ،  مطلوب جولات من الفعل اليومي الجاد ، وليترافق قبل كل ذلك إصرار هذه الجماعة على نبذ هذا الفكر ومفرزاته والتحذير والبراءة منهما ...

لقد كان سهم الغلو سهما  متعدد الرؤوس  ،ولعل أخطرها – كان -  هذا التخييل لجماهير الأمة بأن المشروع الإسلامي الذي جاهد حملته قرنا من الزمان لتقديمه للأمة في ثوبه الحق الوضاء هو مشروع قتل ودماء وجفاء وعنجهية  وبداوة وليس مشروع رحمة وهداية ورفق ولين وحضارة وتمدن ...

وسابعا –  على صعيد المتغير الأول الثورة و محورها الرئيس ...

وهو الموطن الضنك الحق الذي افتُقدت الجماعة  لسبب أو آخر فيه . حتى شعر الكثير من الثوار ومؤيديهم في الداخل والخارج باليتم الحقيقي . أقل ما يمكن أن نثبته هنا أنه كان بالإمكان أفضل مما كان . قصص وحكايات كثيرة تحكي لنا كيف تتحول فتاة في الخامسة من عمرها إلى أم لأخيها الصغير فتعطي وتوفي وتستحق الشكر والتقدير . أربع سنوات من عمر الثورة نكاد نقول . والثورة ( لا أم ولا أب ولا أخ كبير ) . ليبقى السؤال حائرا على شفاه الجميع ...

في اليوم الأول لليرموك كما يروون ضغط الروم المسلمين وأزاحوهم عن مواقعهم أو كادوا . وفي اليوم التالي وقف عكرمة رضي الله عن عكرمة ينادي : من يبايع على الموت ؟ قالوا فبايعه سبعون فارسا . حفروا لأنفسهم حفرا في الأرض وصمدوا فيها حتى كانت الكرة للمسلمين ..

الرؤية التي ينتظرها الشعب السوري من جماعة الإخوان المسلمين هي أن يعرف مكان هذه الجماعة على هذا المحور الذي طال الغياب عنه . حتى قال من قال الكثير ...

وثامنا وتاسعا وعاشرا ...

إن جماعة الإخوان المسلمين في سورية اليوم وهي  تودع العام العاشرعلى إصدارها مشروعها السياسي تجد على أجندتها وهي في دور تنظيمي جديد أمورا كثيرة من القول الرشيد والفعل السديد وقبل أن يضغط الواقع المر بكل ما فيه على صدور البعض فيرتدوا عما كان أطرح هذه المبادرة للسعي لما يجب أن يكون  ...

( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية