البربرية.. والمثقفون البرابرة

البربرية.. والمثقفون البرابرة

د. حمزة رستناوي

[email protected]

من النادر و الصعوبة بمكان  أن تجد أنسانا سويّا و طبيعيّا يؤيد الظلم و البربرية هكذا عاريا ..كأن يقول للناس : أنا أحبّ الشرّْ .. أنا مع الظلمْ  و الابادة الجماعية.

فما بالكْ بالمثقف مِمَن يمتهن الفكر و الكتابة!

في الحقيقة يصدمُنا هذا الكم الكبير من المثقفين السوريين و العرب من الذين يؤيدون أو يبررون أو يجمِّلون وجه  الطاغية الأسد , و يخفون الوجه القبيح   للنظام الأسدي..رغم أن السلوك الاجرامي و البربري لهذا النظام و بلغة الوقائع و الأرقام شكّل سابقة في التاريخ الحديث , نظام سياسي يستخدم  كامل امكانيات الدولة العسكرية و مدعوما بتحالف إقليمي و دولي يشن حرب إبادة و بمنتهى الوحشية ضد شعبه..شعب صبر نصف قرن على استبداد غاشم , و عندما قام بثورة شعبية سلمية ذات طابع وطني – و بالأخص في الأشهر الأولى - واجهَهُ  النظام بالرصاص  و الاعتقال , و من ثم ليتدرج النظام من استخدام الاسلحة الثقيلة الى الطيران و البراميل المتفجرة الى صواريخ ارض أرض الى الاسلحة الكيماوية الى سلاح التجويع ..الخ

قبل الخوض في الحيل الجمالية و المنطقية التي يستخدمها هؤلاء المثقفين البرابرة يجب تعريف المثقف و ابراز السمة الاهم في نشاط المثقفين بشكل عام.

و يمكن تعريف المثقف – بدون تعقيدات – بكونه  الشخص المشتغل بالشأن العام , و الذي يمارس نشاطه  عبر قنوات الكتابة و الصحافة و الاعلام و غيرها.

و السِّمة الأبرز بين هذه الفئة من الناس كونها تمتلك مهارات التعبير و التفكير و المُحاججة ..الخ .

و المثقفون بشكل عام  من اكثر الناس قدرة على قول الشيء و نقيضه , يملكون مخزون كبير من المعلومات يستخدمونه بشكل انتقائي لتبرير جهة القول ..و لديهم خبرة في حِيَل القول (و الكلام المعسول)  و استثارة المشاعر , لا يتورّع  عدد كبير منهم على استخدامها و توظيفها...و هذا التوصيف السلبي ينطبق على قطاعات ليستْ قليلة منهم.

*

المثقفون  البرابرة , هم مصطلح عابرة للأنظمة و الجماعات لا تخص فئوية سياسية أو عرقية أو عقائدية واحدة دون غيرها , و سنتناول هنا ظاهرة المثقفين السوريين البرابرة من الجنس الأسدي , من الذين فقدوا البوصلة الأخلاقية , بصفتهم إنسان قبل أن يكونوا مثقفين , و فقدوا فطرة الانتماء الى الوطن , و التعاطف مع عذابات و مآسي أشقائهم و أبناء شعبهم .

و هؤلاء يمكن تصنيفهم في ثلاثة أقسام بناء على الموقف السياسي الذي يسوقونه

أولاً :مثقّفي البوق  , المؤمنين بالقيادة الحكيمة , و بالأسد كزعيم سياسي فوق النقد و يصرّحون بذلك , و هذه الفئة يمكن وصفها بالشعبويّة , و تجسّدها شعارات من قبيل : ( الأسد أو نحرق البلد - الله و سوريا و بشار و بس) و نجد لهؤلاء حضورهم في الصحف الرسمية الثلاث و الجرائد الخاصة الموالية لهم كجريدة الوطن و في قنوات الفضائية السورية - الاخبارية السورية – الدنيا ...الخ و لا حاجة لذكر أمثلة فهم أكثر من الهمّ على القلب.

ثانياً : مثقّفي البوط : و نجد ضمن هذه الشريحة قطاعات واسعة من المثقفين السوريين المهمين – و الحقّ يقالْ - على صعيد الانتاج المعرفي ( ثائر ديب مترجم لأكثر 40 كتاب فكري الى العربية على سبيل المثال ) , و قسم كبير منهم من كانوا يصنِّفون أنفسهم بمعارضين  قبل الثورة , لا بل و هناك من كان معتقلا في سجون النظام الأسدي كفاتح جاموس و بسام القاضي , و مع ذلك نجدهُ يؤيد النظام الاسدي , بشكل غير مباشر. و هذه الفئة تتحاشى ذكر بشار الأسد و آل الأسد في حديثها , و تبرر دفاعَها عن النظام بأنه دفاع عن وحدة الدولة السورية – دفاع عن الوطن السوري في وجه المؤامرة الكونية - دفاع عن الحضارة في وجه الارهاب الاسلامي و الوهابية , و القاسم المشترك لهؤلاء المثقفين هو التغنّي بانتصارات و بطولات الجيش العربي السوري و هُبَل البوط العسكري  ..و لهؤلاء حضورهم في صحف مثل الأخبار اللبنانية و السفير وكذلك فضائيات مثل روسيا اليوم و الميادين. و هؤلاء في معظمهم يستخدمون حُجج عقلانية  لتبرير مواقف غير عقلانية و غير متوازنة , قد يكون سببها الخوف أو العامل الطائفي أو الاسلام فوبيا أو بسبب اضطرابات نفسية تفسّرها متلازمة ستوكهولم ( هو مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال ، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف.)

ثالثاً : مثقفي الطائفة : و هم قلة بالعلن , يبررون موقفهم بأن ( ما يسمى بالثورة السورية تستهدف وجودهم الشخصي أو كعلويين أو مسيحيين ..و بالتالي فإنّهم  بوقوفهم مع سياسيا مع النظام الأسدي يدافعون عن وجودهم الشخصي و العائلي و الطائفي...و هذه أولوية بالنسبة لهم في هذه المرحلة , و هؤلاء المثقفين أكثر انسجاما مع أنفسهم بغض النظر عن خلافنا معهم و يمكن أن نطلق عليهم (مثقف طائفي) من حيث أنهم يعطون الاولوية لانتمائهم الطائفي.

*

لماذا همْ برابرة ؟!

يورد قاموس المعاني :" هَمجيّ ، وحشيّ ، بدائيّ ، غير متحضِّر اعتداءٌ / هجومٌ / غزوٌ / شعبٌ / جمهورٌ / بلدٌ بربريّ 

تعبير بربريّ : مخالف للأصول والذوق السليم ، 

حاكم بربريّ : غير إنسانيّ ، يعمل بوحشيّة وقساوة ، بدائي لا نظام له ولا حضارة"

و قد جاء وصفهم بالبرابرة , لكونهم يسكتون أو يبرِّرون أو يحرضون على أعمال همجية  و وحشية ضد شعبهم و أبناء جلدتهم السوريين...يقفون الى جانب الجلاد و الظالم..ولا يتعاطفون مع مآسي السوريين و عذاباتهم.

لم ينبسوا بكلمة واحد عندما حدثتْ مجزرة الحولة و مجزرة التريمسة و مجزرة اللطامنة و مجزرة كرم الزيتون ..و غيرها كثير من سلسلة المجازر التي راح ضحيتها مدنيون أبرياء.

يتباكون كثيرا على القصف الاسرائيلي على غزة , و يسكتون قصف الطيران الاسدي بالبراميل المتفجرة على الأحياء السكنية و الناس الآمنين كنوع من العقاب الجماعي.

نراهم يسكتون أو ينكرون  استخدام السلطة الاسدية للأسلحة الكيماوية في ريف دمشق و مع ذلك راحوا يتباكون و ينتفخون وطنية  في وقوفهم مع النظام الاسدي أمام التهديدات الامريكية له بحجة السيادة الوطنية , و كأن مفهوم السيادة الوطنية وثنٌ يبرر لهم ابادة شركائهم من الشعب السوري ؟! يتجاهلون موت عشرات آلاف السوريين تحت التعذيب و قد جرى توثيقها و نشرها للعلن ؟!

يدعون للوحدة الوطنية ؟! أي وطنية هذه التي تبرر لهم الشماتة في مصائب أبناء جلدتهم و إنكار حالهم .. تراهم يسكتون او يشمتون في أبناء جلدتهم من ملايين اللاجئين السوريين ..عن أي وطنية يتكلمون و عن أي ضمير ؟!

يصفون الحراك الشعبي و السياسي المعارض للنظام بالطائفية , حسنا ليكنْ ذلكْ و لكن ماذا عن الطبيعة الطائفية للنظام و استجلاب المليشيات الطائفية و أسواق السنّة ؟!!

*

ما قصدته ليس رفض الانتقادات للثورة , أو إدانة ما يجري من انتهاكات من غير طرف النظام الاسدي , أو حتّى التشكيك في كونها ثورة وطنية فهذا رأي و مجال حوار , فما يؤخذ على هؤلاء المثقفين البرابرة ازدواجية المعايير , و غياب الموقف الاخلاقي و الانساني , تجاه جرائم و مجازر إبادة جماعية بحق أبناء شعبهم , جرائمْ قلَّ نظيرها في التاريخ المعاصر للبشرية.

"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ , أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً, وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ,  وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ" سورة البقرة 74