الشباب السوري وظاهرة الانتحار

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

أذهلني خبراً قرأته على الانترنت تحت عنوان: عشرات الشباب السوريين ينتحرون باستخدام (حبوب الغاز).

وعند متابعتي للخبر وجدت أن هناك 43 شاب وشابة في محافظة إدلب بشمال سورية أقدموا على الانتحار خلال العامين الحالي والماضي من خلال تناول (حبوب الغاز) التي تستخدم كمبيد لفئران الحقول.

وأكد هذه المعلومات – بحسب ما جاء في الخبر – عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع الصحة في محافظة إدلب الدكتور محمد ديب الشعار بقوله: إن (عدداً كبيراً من الشباب قد استخدموا تلك الحبوب كوسيلة للانتحار ولقاء مصيرهم المحتوم، وأنه ما بينته تقارير الطب الشرعي لا يشكل إلا نسبة محدودة من هؤلاء، فقد أودت حبوب الغاز بحياة 15 شاباً وشابة هذا العام حتى تاريخه، بينما بلغ هذا العدد العام الماضي 28 شاباً).

ظاهرة الانتحار هذه تثير القلق، فالشباب السوري لم يعرف ثقافة الانتحار في يوم من الأيام، فالمعروف عن الشاب السوري أنه مؤمن بالله ويعرف أنه لا يجوز إزهاق الروح التي حرم الله إزهاقها إلا بالحق، وإضافة إلى الإيمان الذي يعمر قلب الشاب السوري فإنه يمتلك الشكيمة والجلد أمام الصعاب، ومعروف عنه أنه عصامي يخوض غمار الحياة ويتحدى صعابها وإحنها بصبر وأناة.. فما الذي دفعه لأن ينهي حياته بهذه الوسيلة الرخيصة التي أعدت لقتل فئران الحقول لا لقتل النفس التي كرمها الله وخلقها في أحسن تقويم.

هذه الثقافة وهذه الظاهرة التي باتت تنمو بين فئة الشباب السوري يجب دراستها بعمق وتأني ومسؤولية، لوضع حد لها من قبل المسؤولين وأصحاب القرار، فحل هذه المعضلة لا تكون عن طريق وزارة الصحة أو القائمين على الأمر الصحي في سورية، لأنها ليست ظاهرة مرضية أو وباء عارضاً، بل يحتاج الأمر إلى تدخل السلطات العليا الفوري والسريع قبل تفاقم هذه الظاهرة، وقبل أن تعم هذه الثقافة المجتمع السوري بكل فئاته العمرية، والبحث عن أسباب إقدام الشباب على الانتحار، وإيجاد الحلول المناسبة والناجعة والسريعة لوقف هذا التوجه المريع لدى فئة الشباب التي هي كنز الأمة ورصيدها.. وسورية تفخر بين الدول بنسبة الشباب المرتفعة في مجتمعها والتي تزيد على 25% من سكانها.. وهذا دليل على حيوية المجتمع السوري وفتوته.

ثقافة الانتحار دخيلة على مجتمعنا السوري، وظاهرة انتحار الشباب مؤشر مخيف ومرعب إن لم يسارع المسؤولين إلى وقف هذه الظاهرة واستئصالها من مجتمعنا، ولا يكون هذا إلا بالوصول إلى الأسباب الوجيهة التي دفعت مثل هؤلاء الشباب إلى الانتحار.

وباعتقادي أن أهم هذه الأسباب غياب التوجه الروحي والديني، والكبت، وعدم إيجاد المتنفس ليعبروا عن مشاعرهم وأفكارهم ورغباتهم وأحلامهم، والفراغ، والبطالة، وتمزق النسيج الأسري والمجتمعي، وتفكك العلاقات بين الناس، وانشغال أولياء الأمور عن أبنائهم سعياً لتأمين رغيف العيش، وغياب النوادي الثقافية والفكرية والرياضية، وظهور فئة غنية مترفة تملك كل شيء، وتراجع فئات الشعب المتوسطة الحال إلى فئات فقيرة متدنية الدخل، وازدياد الفئات الفقيرة فقراً، والانحلال الخلقي وانتشار ثقافة الفن الرخيص والهابط، عبر الأنترنت والتلفزيون والسينما..إلخ..!!

هذه العوامل مجتمعة تدفع بعض الشباب إلى ما يقومون به من إزهاق أرواحهم بأيديهم هرباً من هذا الواقع الذي لا يجدون في الأفق أي بوادر لحل مشاكله ومعضلاته، بل وتفاقمها يوماً بعد يوم.