المقاومة توحدنا... والمفاوضات تفرقنا

م. عز الدين سلامة

[email protected]

أستطيع أن أجزم أن معركة العصف المأكول لها ما بعدها ، فكما كانت معركة بدر الكبرى الفاصلة في التاريخ الإسلامي ، ستكون هذه المعركة مفصلاً في تاريخ القضية الفلسطينية ولن أكون مبالغاً إذا قلت أن تداعياتها ستنعكس على المنطقة العربية بأكملها وليس على المستوى المحلي فقط ، ولكن إذا تم اغتنام هذه الفرصة السانحة بالشكل الصحيح وثبات القيادة على موقفها الأخير في الإنحياز لنبض شعبها والمبادرة لإدارة الإحداث وتوجيهها نحو الهدف الأسمى للشعب الفلسطيني وليس إدارة الأزمة والتموضع في زاوية ردات الفعل وصد الهجمات فقط، أو الإنحناء للعاصفة حتى تهدأ ، أقول ذلك مما استقرأته واستشعرته من نبض الشارع الفلسطيني والعربي ومدى تفاعله مع ما يجري في غزة من أحداث، حيث ابتدأ المشهد بمسارين ، المسار الأول : المقاومة وحاضنتها الشعبية والتي أبهرت العالم وليس المستوى المحلي فقط بنجاحاتها وصمودها وتعاضدها ، وفاجأت العدو فبل الصديق بالمستوى المتقدم والرائع الذي ظهرت به ، وهذه الصورة الرائعة والمثالية في التحام الشعب بمقاومته سواء في غزة النازفة ، غزة المكلومة ، أو الضفة المكبلة ، المتحفزة للحظة الإنطلاق ، أو الداخل الفلسطيني الذي يحترق في أو الشتات المشرد المقهور أو جميع الأحرار في العالم حيث أظهر الجميع مدى تلاحمه وتساوقه وتماهيه مع مقاومته الباسلة التي استطاعت أن تتفوق على نفسها وخرجت من دائرة ردة الفعل وصد الضربات إلى دائرة الفعل وصناعته والمبادرة بالهجوم ، هذه المقاومة التي أربكت أعتى قوة عسكرية في المنطقة وكشفت القناع والزيف عن صورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر وعرّته أمام العالم وأظهرته أنه جيش لا يقوى سوى على الأطفال والنساء والشيوخ ، أما الميدان فكان بلا منازع لأبطال المقاومة فقط.

أما المسار الثاني فكان المسار الرسمي الذي انفصل في البداية عن الواقع وراح يلهث وراء العبثية والحلول الترقيعية التي شبنا ونحن نطحن مياهها وفي كل مرة نعود إلى نقطة الصفر في دائرة مقفلة لا نهاية لها ، وللأسف تساوق هذا الخط مع النظام العربي المهترئ المهزوم والذي كان ولا زال وسيبقى تابعا وخادماً للإمبريالية والصهيونية التي نصبته على رقاب الأمة فراح يطحن الرقاب ويفسد البلاد . وجدناه قد قد سار في ركبه وتساوق مع مواقفه وطروحاته الإستسلامية ويسكت عن مواقفه التآمرية  على غزة ومقاومتها ، وبعيداً عن الخوض في التفاصيل فقد وجد هذا الخط نفسه يغرد وحده خارج السرب وخارج الكل الفلسطيني الذي وحده الدم النازف في غزة ووحده الشعور بالعزة والكرامة حين رأى المقاومة تمرغ أنف الجيش الصهيوني " الذي لا يقهر " في التراب ، هنا وهنا فقط كان لا بد من إعادة الحساب ومن الإلتحام بنبض الشارع والإستجابة لتطلعاته قبل أن يفوت القطار على رأي المنبوذ علي عبدالله صالح، وكم أثلج الصدر حين سمعنا آيات القتال تتلى في الخطاب بدل عبارات السلام وعواطف المحبة لأبناء عمنا، وهذا الموقف هو موقف وطني مقدر لأن العودة للحق ولو بعد حين خير من التمادي في الباطل، ومطلوب الثبات عليه والآستمرار فيه حتى إعلان الإنتصار موحدين تتشابك أيدينا معاً.

من هنا لا بد أن نضع النقاط على حروفنا كي تبدو جلية واضحة :

الشعب بكل أطيافه يريد الحرية والعيش بكرامة مهما غلت التضحيات وسالت الدماء ولن يضيره التقتيل والهدم فأرحام نسائنا ولادة وسواعدنا بناءة.

الشعب مقتنع تماماً بعبثية المفاوضات التي ستكون محصلتها ولو بعد مائة عام صفراً كبيراً، ويرفض الإستمرار بالدوران فيها كثور الساقية.

الشعب توحده المقاومة الباسلة الناضجة الفاعلة ، توحده الجراج والآلام ، توحده عاطفياً وفكرياً، وستزيل كل الضغائن التي تراكمت خلال السنين السبع العجاف.

الشعب مقتنع أن المصالحة ستبقى فاشلة إذا بقيت على أرضية برنامج المفاوضات العبثية والسلام المزعوم ونضال الشموع وقرع الطناجر والتنسيق الأمني المقدس، ولن تنجح إلا على قرع الصواريخ التي تدك غطرسة إسرائيل وتمرغها في التراب.

فهلا يا قيادتنا قرأتم الرسالة من دوار المنارة حين هتف الشاب الفتحاوي جنباً إلى جنب مع الشاب الحمساوي لكتائب القسام على وقع زغاريد كل الفصائل يوم أسر الجندي شاؤول أرون.