آه يا بلد الطماطم!

د. محمد أبو زيد الفقي

ذات مساء جلست مع أحد رجال الأعمال المصريين، الذين يصدِّرون الخضر والفاكهة

إلي أوروبا، ووجدته علي غير العادة حزينا مكتئبا، ولما سألته عن سبب حزنه

قال لي: أوروبا يا سيدي تحاربنا في التجارة لصالح إسرائيل!

ـ  كيف ؟

ـ  منذ عام 1974م وحتى سنة 1995م كانت مصر هي المُصدِّر رقم ( 1) في تصدير الطماطم لأوروبا ، وفي سنة 1996 أصبحت إسرائيل هي رقم (1) في تصدير الطماطم لأوروبا ، وفي سنة 1998 جاءت إسرائيل أيضاً في الترتيب رقم (1 ) في  التصدير من المزارع الخاصة في صحراء النقب [ الزراعة في صحراء النقب تتم علي تجميع المياه من الطل ، أخذ اليهود هذه الطريقة من آية من القرآن الكريم ] وهي { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } من الآية 265 سورة البقرة].

ومنذ عام 2000 وحتى الآن يعتبر المُصدر رقم ( 1 ) في تصدير الطماطم لأوروبا: المزارع المنزلية، أعني زراعة خلفيات البيوت والسلالم والأسطح، وهكذا كل سنتمتر يُزرع في إسرائيل.

قلت له: ولماذا تعتبر تحولنا من المُصدر الأول إلي الُمصدر السابع مؤامرة أوروبية إسرائيلية ؟!!  لماذا لم تفكر في أننا في مصر نتآمر علي الزراعة والصناعة وكافة وسائل الإنتاج ؟

إنهم قوم يعشقون العمل ونحن نكرهه ، وهم ليس لديهم ماء النيل العظيم ، والأرض الخصبة ، ومع ذلك يتفوقون علينا في كل شيء حتى الزراعة ، ونحن للحق لا نتفوق علي إسرائيل

أو غيرها ، إلا بالجعجعة ، وكثرة الكلام  وإدعاء العلم واعتقادنا المفضوح بأننا أفضل بلد

في العالم ، دون أن نقدم لهذا الوطن شيئا يُذكر ، غير سرقته  وإهانته ، والتآمر عليه بالعمالة للأجنبي ، أو بالعيش تحت خيمة من الأكاذيب والألاعيب ، التي لا يتقنها غيرنا في العالم .

بعد العشاء مع رجل الأعمال افترقنا وعدت إلي بيتي ، وعكفت علي دراسة الزراعات المنزلية في العالم وفي إسرائيل ، فوجدت أن الدولة الأولي الرائدة  في  زراعة الفراغات في البيوت والسلالم والأسطح هي اليابان ، ومنها نقلت الهند هذه الفكرة ـــ رغم وجود أراضي شاسعة لديها ــ  وبعدها بدأت إسرائيل في تنفيذ هذا المشروع ، وتفوقوا فيه علي اليابان والهند ، فمثلا : في زراعة المساحة الموجودة خلف البيت ، مازالت اليابان والهند  يزرعونها بشكل أفقي  ــ يعني المساحة فقط ، أما اليهود فقد قاموا  بالزراعة في هذه المساحات الضيقة أفقياً ورأسياً في وقت واحد ، وقالوا : إن شتلة الطماطم تأخذ من الأرض 50 سنتمتر مربع ، فلماذا

لا نصنع ماسورة ارتفاع  ( 10 ) عشرة أمتار وقطرها 50 سم  ونجعل فيها من 60 : 80 فتحة

[ خرم ]  ونزرع في الماسورة الواحدة 80 شتلة طماطم ، ونصل كل المواسير بحبال حتى تتمدد شتلات الطماطم عليها ، ثم قاموا بعمل  خزان يتصل بجميع رؤوس المواسير ، وينزل عليها الماء  من أعلى في أوقات معينة وتقوم الأسرة في الصباح بتناول الفطور والشاي داخل هذه الحديقة ، و إذا رأوا فراشة تريد أن تضع بيضا يتحول إلي دود  قتلوها فوراً ، واستغنوا تماما عن المبيدات الحشرية ، ولذلك يبيعون الطماطم لأوروبا بعشر أضعاف ثمن الطماطم المنتجة في أي بلد آخر .

ولكن للحق قابلت مهندس فرنسي يعمل في مزرعة في النوبارية ، أخبرني أنه حقق إنتاجا في فدان الطماطم وصل إلي ( 83) ثلاثة وثمانون طنا ، ولما شكرته وأخبرت صاحب المزرعة قال لي : إنه يهودي من فرنسا ، ولولاه ما تقدمت المزرعة فقد كان الفدان قبل وصول هذا المهندس ، يعطي ( 13) ثلاث عشر طنا لا غير .

من هنا بدأت أطالب الناس في المساجد ، وفي المحاضرات، وفي قنوات التلفزيون بزراعة شرفات المنازل، بالطماطم والباذنجان، والفلفل لسببين الأول: أن يجد الفقير السلع بأسعار مناسبة.

والثاني: إيجاد غاز الأكسجين الخارج من هذه النباتات، وهذا يُحسن من صحة جميع أفراد الأسرة، ويقاوم التلوث.

استجاب لهذه الدعوة علي مدي عشر سنوات تم إنجاز: 7 شرفات في الإسكندرية ، وواحدة في

كفر الشيخ ،  و25 في المعادي بالقاهرة ، وكانت هناك شكوى من السيدات : إن الزراعة

في جرادل الطين تلوث أيديهن ، وربما أثرت علي نظافة المنزل .

في عام 2013م قمنا بعمل مؤتمر للتنمية الشعبية، ودعونا لهذا المؤتمر الدكتور سيد حسن وهو متخصص من مركز البحوث فأطلعنا علي طريقة حديثة  لزراعة الشرفات [ البلكونات ]

و الأسطح بطريقة المواسير البلاستيك المملوءة بالمياه وبعض السماد ، بل يمكن زراعة خلفيات العمارات ، والمدارس والفنادق ، وشاهدنا كل ذلك وهو مسجل علي صفحته علي الفيس بوك ما يعني طفرة كبيرة في عالم الزراعة المنزلية ،

قال د. سيد: إنه زرع خمسمائة عمارة في المعادي ، وخمسين في مدينة نصر ، ومنها فندق الوردة للقوات المسلحة ، ولديه استعداد هو وزملاؤه في معهد البحوث بالقاهرة لزراعة كل مدن مصر .

الغريب والمدهش ، أن رئيس الوزراء الحالي والسابق  يجتمعون دوما بالرئيس ويتفقون  علي خفض الأسعار في الأسواق لصالح الفقراء ، ولي سؤال بسيط وبريء : كيف تخفِّض الأسعار دون أن تنمِّي الإنتاج ، لأن العرض والطلب قانون يدرسه الطلاب في السنة الأولي

من المدارس الفنية التجارية؟

لماذا لا يفهم رئيس الوزراء والوزراء من حوله، ويريحوننا من النظريات الخائبة عن رفع المعاناة عن كاهل محدود الدخل.

لماذا لا يصدر قراراً قابلاً للتنفيذ نستبدل الشجر الخبيث الغير مثمر بالشجر المثمر، ونوفر للدولة 700 سبعمائة مليار ؟

وبالزراعة المنزلية سيكون التوفير في حدود 200 مليار .

وسوم: العدد 644