روسيا تفرض أجندتها على “أصدقاء الشعب السوري”

تضحياتٌ جسيمةٌ قدمها الشعب السوري وما يزال، وتخاذلاتٌ متعددة وجهها “أصدقاؤه” الذين يدعون حمايته. لا داعي لاستعراض كمِّ المؤتمرات التي تدعي حرصاً على الشعب السوري وثورته؛ لأن نتائجها ظاهرة على الأرض، وآخرها مجزرة الأطفال في دوما (13/12/2015) التي لم تحرك ما تستحقه من تحرك، فضلاً عن الإدانة، ولكن حسبنا في هذا المقام التوقف أمام المحطة الأخيرة لمؤتمرات “مناصرة” القضية السورية، أي مؤتمر الرياض؛ قراءةً وتحليلاً، ليتبين واضحاً أن أعداء الشعب السوري هم الذين يفرضون تأثيرهم في نهاية المطاف، وأن النضال السوري يقف وحيداً في مواجهة  أصدقاء بشار الأسد والمشروع الإيراني في المنطقة.

وللموضوعية؛ فإنه يحسبُ لمؤتمر الرياض أنه جمع مكونات متباينة من المعارضة السورية، وأنه نجح في الخروج بمبادئ موحدة، وأنه أضاف للمرة الأولى المكونات العسكرية (عدا جبهة النصرة وتنظيم داعش والتنظيمات الكردية المتطرفة)، وأنه وضع آلية للتفاوض مع النظام. ويؤخذ عليه أنه أدخل مكونات قريبة من بشار الأسد ونظامه، وأنه لم يراع الأحجام الحقيقية في تشكيلة الهيئة العليا لإدارة المفاوضات مع النظام، وأنه لم ينتج وثيقة حاسمة في الموضوعات الأساسية المتعلقة بالعدوان الروسي، والاحتلال الإيراني، ومصير بشار الأسد.

ورغم تواضع نتائج المؤتمر – وما تلاه من اجتماع في باريس تحت عنوان “أصدقاء الشعب السوري” – فقد أعربت كلٌّ من موسكو وطهران عن امتعاضهما من النتائج، بينما يفيد تحليل الوقائع والمواقف بأن الروس وحلفاءهم فرضوا تأثير أجندتهم على المؤتمر، بمعنى أنهم أثروا كثيراً في نتائجه على صعدٍ عدة، من أهمها أن البيان أشبه بإعلان مبادئ سبق ذكرها مرات ومرات، وقد جاءت متبوعة بمطالبة من سبق مطالبته بلا جدوى؛ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. فيما أهم مخرجات المؤتمر تشكيل وفد للتفاوض مع ممثلي النظام.

وعليه يبدو تأثير التصور الروسي للحل واضحاً من خلال جعل بشار الأسد معبراً إلزامياً لبحث القضية السورية والتفاوض معه، ولو أن المؤتمرين أكدوا على “رحيل الأسد وزمرته من سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية”، لأن بشار الأسد سيكون طرفاً في التفاوض، وهذا يعني دخوله في المرحلة الانتقالية لزمن غير محدد من جهة، كما يعني إطالة الأزمة أكثر وزيادة أمد إهراق الدم السوري، لأن القضية السورية باتت معقدة وتدخل فيها حسابات إقليمية ودولية عدة.

إن الواضح لأي متابع أن أطرافاً دولية عديدة مرتاحة للوضع الحالي، والاستنزاف المستمر لسوريا؛ دولةً وشعباً، وأن هذه الأطراف غير مستعجلة لإقفال هذا الملف، وأن بعضها المتضرر من آثار الأزمة غير مستعد لتقديم شيء جدي للمعالجة، في الوقت الذي يستقتل فيه أصدقاء بشار الأسد لنصرته، وبما يعني أن “أصدقاء الشعب السوري” ليسوا إلا مساحيق تجميل لـ “المؤامرة الكونية على الشعب السوري” المعذب.

د.فادي شامية                                          

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 646