اتقوا الله في ثوار العشائر!

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

جاء في الذكر الحكيم(( ولا تلبسوا الحق بالباطل)). سورة البقرة/42 لقد أراد الله تعالى وضح الحدود ما بين الحق والباطل كي لا ينقض الثاني على الأول ويلتهمه، وإبعاد رحبة الإيمان عن دوامة الكفر كي لا تلتبس الأمور على البعاد فتضيع الحقيقة. إنها حكمة ربانية نلمسها في حياتنا اليومية وفي مختلف المجالات. فلطالما ضاعت مراكب الحقيقة في يم الباطل.

منذ أن توالت علينا أخبار الإنتصارات الباهرة لثوار العشائر في المحافظات المنتفضة ووصلت شراراتها الى مدينة المنصور والرشيد بغداد الحبيبة، حتى بدأت وسائل الإعلام المأجورة تبث سمومها بين الرأي العام العربي والعالمي مجيرة هذه الإنتصارات الشعبية الى جماعة داعش. مع إن تنظيم داعش هو مزارع من مجموعة مزارعين وليس الوحيد ليأكل ثمرة الإنتصارات كلها. لا ينكر بأن لداعش دورا في هزائم قطعان المالكي وميليشياته الطائفية، ولكن تبقى داعش لغز لم يفك سره بعد. تلك الهزائم التي أوقعها الثوار في قطعان المالكي بدأت قبل أن نسمع بإسم داعش، والدليل على ذلك عندما بدأ المالكي حربه القذرة على الأنبار المجاهدة لم يتطرق الى إسم داعش، وإنما إتهم هو وقزمه محافظ الأنبار ساحة الإعتصامات بأنها تضم حوالي الثلاثين من عناصر تنظيم القاعدة، مع ان ساحة الإعتصام كانت محاطة من جميع الجهات بالجيش والشرطة وقوات الأمن، ولم يكن يسمح لدخولها لمن هم ليسوا من أهل الفلوجة. وانسحب هذا الفهم الخاطيء لطبيعة الإنتصارات على المستوى الرسمي لبعض وسائل الإعلام العربية والدولية.

لا أحد يجهل السياسة الطائفية لحكومة المالكي من العراقيين والعرب والعالم بأكمله، ولا أحد يجهل تصريحاته الطائفية في وصف مطالب أهل السنة المشروعة بالفقاعة وإنهائها بالقوة، الى تهديده ببحار من الدم، الى إعتبار قطعانه المسلحة (قايضوا الرشاشة أخيرا بالدشداشة) بأنهم أتباع الحسين، وأهل الأنبار أتباع يزيد، الى فتحه صفحة دموية جديدة سماها بكل وقاحة (تصفية الحساب) مع أهل الأنبار وتصريحات أخرى من إسهاله الفموي الحاد. سبحان الله لقد كان محقا فقط في تشبيه قطعانه الهزيلة بأتباع الحسين ومن زواية واحدة فقط، فقد خذله جيشه، كما خذل اهل الكوفة الحسين وجعلوه مثلة بيد جيش عبيد الله بن زياد. التأريخ أعاد نفسه.

لا أحد يجهل الظلم الذي وقع على أهل السنة في العراق الجديد في كل شيء،  فالمداهمات تجري على قدم وساق في ديارهم، ولم تداهم قوات المالكي اي ديار شيعية، فإختصاصها أهل السنة فقط. ولا أحد يجهل بأن 98% من السجناء هم من أهل السنة و2% المتبقية من الشيعة بجرائم جنائية وليس سياسية أو إرهاب. ولا أحد يجهل ان هؤلاء ال 98% من السجناء حوالي 90% منهم معتقلين بدون مذكرات قضائية. ولا أحد يجهل السجون السرية وسجون وزارة الداخلية والعدل والفرق العسكرية والأحزاب الحاكمة، كل له سجون والقاسم المشترك بينهم هو ان جميع السجناء من أهل السنة. جاء في الإخبار" أفاد مراسل قناة "العربية" بانسحاب الفوج الأول التابع للفرقة الخامسة من المقدادية في ديالى، مخلفاً وراءه 45 جثة لمعتقلين كانوا لدى الفوج جرى اعدامهم قبل الانسحاب" لاحظ فوج لديه (45) سجينا فما بالك بسجون الألوية والفرق والفيالق! ويعدمونهم ويحرقونهم في دولة القانون!

ولا احد يجهل بأن العراق الذي يتنافس مع الصين وايران في نسبة الإعدامات، بأن جميع المعدومين هم من أهل السنة. ولا أحد يجهل بأن جميع النساء اللواتي أغتصبن في سجون المالكي هنٌ من حرائر أهل السنة، ولا أحد يجهل ان المساجد التي استولت عليها الميليشيات الشيعية خلال الحرب الأهلية عام 2006 لم تعاد إلى أهلها لحد الآن. ولا أحد يجهل بأن المداهمات العسكرية لما يسمى بحزام بغداد كان الغرض منها تهجير أهل السنة. ولا أحد يجهل بأن الصلاة منعت مئات المرات في الأعظمية والفلوجة والعامرية وبقية معاقل أهل السنة لمجرد الإستفزاز لا أكثر. وتم إغتيال وإعتقال الآلاف من علماء الدين والخطباء بلا مبرر، ولم يعتقل رجل دين واحد شيعي سوى واثق البطاط، وقد أفرج عنه المالكي بعد أيام قلائل وقربه منه وهو الآن يقاتل معه. ولا أحد يجهل بأن 90% من جيش المالكي هم من الشيعة، وان قوات سوات ودجلة وغيرها من القوات غير الدستورية عناصرها 100% من الشيعة.

ولا احد يجهل طائفية الجيش وتعاملة اللاإنساني مع أهل السنة، اللطميات تجري داخل الثكنات العسكرية، وأن ضباط الدمج وعناصر الميليشيات الإرهابية تحولت مهماتهم القتالية الى طبخ الهريسة وتوزيع الشاي والماء على زوار الحسين ببزاتهم العسكرية. ولا أحد يجهل المادة/4 من قانون الإرهاب وهي أشبه بمقصلة ضحاياها من أهل السنة فقط. ولا أحد يجهل بأن المخبريين السريين جميعهم من الشيعة، ومهمتهم رصد تحركات أهل السنة وحياكة الوشايات ضدهم في ظل قضاء مسيس لحزب الدعوة العميل.

ولا أحد يجهل المجازر التي ارتكبتها قوات سوات المجرمة ـ التي لا تستحق أية رحمة من الثوار ـ في الحويجة والطارمية واليوسفية والفلوجة، ولم يمثل اي ضابط أو جندي منهم أمام القضاء ليحاسب عن الجرائم التي ارتكبها! لسبب بسيط وهو ان الضحايا من أهل السنة! بل كرمهم المالكي برتب أعلى. ولا أحد يجهل قيام قوات الشرطة وهي تطوف في الأحياء السكنية لأهل السنة وبإستخدام مكبرات الصوت بسب ولعن أم المؤمنين عائشة والصديق والفاروق، بل يقوم وغد صفوي (ثائر الدراجي) بسبب الفاروق وعائشة في معقل أهل السنة الاعظمية بحماية الشرطة، ولا يجرأ فأر من الأعظمية على الخروج من جحره لقضم لسان هذا الوغد.

ولا أحد يجهل ملاحقة المالكي لأهل السنة من الأوغاد المشاركين في العملية السياسية المأفونة في الرئاسة والحكومة والبرلمان وتجريدهم من مناصبهم وحصاناتهم بذريعة الإرهاب بعد ان طوع السلطة القضائية كالخاتم في إصبعه. ومن ذا الذي يجهل البراميل الحارقة التي وزعها المالكي على نساء وأطفال وشيوخ أهل الأنبار؟ أو القصف المدفعي الثقيل والغارات الجوية على أهلنا في الموصل. حتى في هجوم المالكي على جيش المهدي في البصرة(صولة الفرسان) الذي يتبجح فيه عند المحاججة، فإنه لم يستخدم الطيران الحربي ولا المدفعية الثقيلة ولا الالبراميل الحارقة ضد خصومه الشيعة! لماذا؟

لم نتحدث عن الفساد الحكومي والرشاوي والصفقات الفاسدة ومشكلة البطالة والماء والكهرباء والجوع والفقر والفشل وإنتشار الجهل والأمية، وإنتفاء الخدمات الصحية والبلدية، وغرق المحافظات في الشتاء، والتزوير، وجمع المناصب الأمنية والمالية والقضائية بقبضة واحدة، لأن جميع العراقيين مظلومين من هذه الناحية وليس أهل السنة فقط، رغم إن معاناتهم منها أكثر من غيرهم.

هذه هي سياسة المالكي تجاه أهل السنة وليس إتجاه داعش! هذه مأساة الملايين من أهل السنة وليس ثلاثة آلاف من عناصر داعش. وإذا كان المالكي يدعي بأن عناصر داعش جاءوا من وراء الحدود فهذا يعني بالنتيجة إنهم لا يشاركون أهل السنة مشاكلهم التي نوهنا عنها ولم يعانوا معاناتهم. لقد خلق المالكي من المحافظات السنية بسبب تهوره وحماقته وطائفيته العمياء، بيئة ملائمة لكل من يعارضه ويقف ضد حكمه الفاسد. إنه أبله وبليد. تناسسى بأن أهل السنة وليس الأمريكان الغزاة ولا قطعانة المسلحة من قاتلوا تنظيم القاعدة وأخرجوه من العراق.

الحقية ان المالكي ليس هو المجرم الوحيد في حربة على أهل السنة بل هناك أطراف أخرى! فمرجعية النجف متهمة ايضا من وجهين الأول بسكوتها المريب عن الإبادة التي يتعرض لها أهل السنة، أو على الأقل الشعور بمعاناتهم ولو بخطبة واحدة من أحد ممثلي مرجعهم الأعلى. يقول الإمام علي بن أبي طالب" لم يرض الحق تعالى من أهل القرآن الادهان في دينه، والسكوت على معاصيه". والثاني عدم ردعها للمالكي في إنتهاج السياسة العدوانية ضد أهل السنة. بل أن بعص نواب السيستاني وخطباء منابره  إطلقوا صفة الإرهاب على أهل السنة مما شجعه على المضي في إجرامه. وها هي المرجعية تصب النار على الزيت بدعوتها الشيعة للجهاد! هذه الحوزة الخرساء أخيرا نطقت سبحان الله! والتي كانت في موقف معادي مع سياسة المالكي وحكومته الفاسدة (ربما عقيدة تقية) فقد أعلنت الجهاد الكفائي بعد وصول الجنرال سليماني مباشرة الى النجف ولقائه بالمراجع الأربعة (هل يجوز الجهاد مع غياب المهدي؟ وربما ظهر ولم يعلن بعد عن ظهوره) وطالبت الشيعة بالتطوع بحجة حماية العتبات المقدسة. لقد علق أسعد أبو خليل الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة سان قرانسيسكو على جهاد السيستاني بقوله"  فقيه الإحتلال السيستاني يدعو العراقيين إلى حمل السلاح وهو الذي نصحهم بـ(الكلمة الحسنة) في مواجة الإحتلال الأميركي"!!!

الزعماء الشيعة كعمار الحكيم ومقتدى الصدر واليعقوبي شركاء في الجريمة أيضا، فلم يكن لهم دور فعلي وجاد في دعم مطالب أهل السنة المشروعة، ووضع حد لجنون المالكي وإستهتاره بأرواح أهل السنة، بل وقفوا معه بحجة الحرب على الإرهاب، أو صمتوا كالحيطان. وهذا عمار الحكيم ظهر ببرزة عسكرية وهولم يسبق له لبسها إلا خلال الحرب العراقية الإيرانية عندما قاتل مع الجيش الإيراني ضد الجيش العراقي بإعتباره مواطنا إيرانيا، قبل أن يُعفى من الخدمة العسكرية الإيرانية ليدير فيلق بدر. وهذا المراهق السياسي مقتدى الصدر يطالب بإستعراض عسكري مسلح لأتباعه في بغداد. لقد بان معدنهم الصدي, إنها التقية هي دينهم وديدنهم.

كما إن معظم عشائر الجنوب والوسط سيما كربلاء والنجف تتحمل جزءا من المسؤولية فالمالكي لم يتهجم على أهل السنة إلا في ديارهم وعلى ردح شيوخهم وهوساتهم، وهم من فتحوا باب التطوع على مصراعيه في عشائرهم لنصرته على أهل السنة، وخرجوا بتظاهرات مؤيدة لهجومه على الأنبار، متجاهلين بأنه سيأتي يوم الحساب، وتدور الدوائر عليهم.

رجال الصحافة والإعلام شركاء بارزين في الجريمة، فقد طبلوا ولا يزالوا يطبلون لمختار عصرهم، ووقفوا بقوة معه مبررين صولاته على أهل السنة بحجة الإرهاب، فقد نزعوا شرف المهنة، ولبسوا رداء الخزي والعار.

الجامعة العربية تتحمل جزءا كبيرا من الجريمة بسكوتها عن مجازر أهل السنة بعد إن اشترى المالكي كرامتها ببضعة ملايين. والرأي العام الدولي يتحمل جزءا كبيرا من الجريمة، إنهم شغلوا العالم بطائرة ماليزية مفقودة تضم بضعة مئات من الركاب، لكنهم صموا آذانهم عن الإبادة الجماعية لمئات الآلاف من العراقيين.

القرقوز الدولي (مله دينوف) ممثل الأمين العام للأمم المتحدة كالأطرش في الزفة، فمنذ أن أعلن تبعيته للسيستاني والرجل لا علاقة له بما يحدث في العراق لا أهل السنة ولا مأساة الأشرفيين في ليبرتي، فهو في واد والعراق في واد.

الإنتصارات الباهرة من صنع الثوار وليس داعش، وإن صح الإعلان الداعشي بقرارهم تدمير العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وهذا ما لا يقبله أي عراقي شريف، فهذا يعني إنهم جزء من مؤامرة تمت صياغتها في ولاية الفقيه، لأنهم بذلك دعموا المالكي دعما كبيرا بإلتفاف الشيعة حوله، وأعطوه فرصة ذهبية ليستعيد حلفائه السابقين كجيش المهدي وفيلق بدر، وفسحوا المجال للتدخل الإيراني المسلح في العراق. بل ساعدوا المالكي في الدعوة لفسح مجال التطوع للشيعة بحجة حماية العتبات المقدسة، وهو نفس سيناريو حماية مرقد السيدة زينب في سوريا. صحيح هذه المراقد أصبحت مراكز لأشعال الفتن، كما حدث في تفجير إيران للعتبات المقدسة في سامراء وما أعقبها من حرب أهليه، وفتنة الدفاع عن مرقد السيدة زينب في دمشق. عجبا! خذلوهم أحياءا ويدافعوا عن قبورهم يا للوقاحة! لكن مع هذا لا ذنب لسكنة القبور بإساءات وحماقات وجرائم زوارها.

أمر عجيب سرعة توافق الأضداد في دعم المالكي، الروس والأمريكان أرسلوا معا  شحنات أسلحة سريعة للمالكي، الشيطان الأكبر وإيران يتراصفان معا في دعم المالكي، أيران وسوريا تصدحان جهرا بتأييد ودعم للمالكي، وتركيا والسعودية سكوت محير ومطبق! والسكوت علامة الرضا. الصدر وعمار الحكيم الأعداء السابقين للمالكي هم المناصرين الحاليين له. الحوزة الناقمة على المالكي البارحة هي الناصرة له اليوم في ظل حضور الجنرال سليماني!

بالتأكيد سيكون لكل حدث حديث ولكن لا بد من التذكير بأن أهل السنة أرادوها سلمية وإرادها المالكي حربية، فكان له ما أراد. وإن بيان داعش الأخير ـ إن صح ولم يكن فبركة إيرانية ـ هو الذي يقف وراء التنسيق الإيراني السوري الحوزوي الصدري الحكيمي! فما الغرض من وراء سرقة صك إنتصارات ثوار العشائر وتجييره لداعش؟ إنها ثورة العراق الكبرى، وليست ثورة داعش، إفهموها يا أولي الألباب!