صفحات من تاريخ جهلنا

في أكتوبر 1995 طُعن الأديب الكبير نجيب محفوظ في عنقه على يد شابّين قررا اغتياله لاتّهامه بالكفر والخروج عن الملة، بسبب  روايته "اولاد حرتنا" التي صدرت طبعتها الأولى عام 1962 عن دار الآداب في بيروت.

فهل كان نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب كافرا، حتّى يُطعن برقبته وهو في شيخوخته؟ وهل قرأ من طعنوه رواياته؟ ومن حرّضهم على ذلك؟

وفي 8 حزيران 1992 تمّ اغتيال المفكر المصري فرج فودة لأنّه دعا إلى فصل الدّين عن الدّولة، وليس عن المجتمع.

و"في التحقيق مع القاتل سأله المحقق: ليه قتلت فرج فودة؟ فرد المتهم: لأنّه كافر، فسأله المحقق: من انهو كتاب من كتبه عرفت إنه كافر؟ فرد القاتل: أنا ما قريتش كتبه. فسأله: إزّاى ؟ فرد: أنا ما بعرفش لا أقرا و لا أكتب."!

أوليس القاتل الذي تمّ اعدامه بحكم قضائيّ هو الآخر ضحيّة للجهل والتّحريض الأعمى؟

وجرت ثماني محاكمات للشاعر موسى حوامدة بسبب ديوانه "شجري أعلى" الذي صدر في بيروت عام 1999.

وتبيّن في مداولات المحكمة أنّ المدّعين والقضاة لم يفهموا تأويل قصائد الدّيوان الشّعريّة.

وفي السّعوديّة خفّفت محكمة قبل عدّة شهور حكم الاعدام الصّادر بحق الشّاعر الفلسطينيّ أشرف فيّاض، إلى السّجن ثماني سنوات، مع جلده ألف جلدة بسبب ديونه الشّعريّ!

وفي مصر حكم على المفكرّ الاسلامي اسلام بحيري بالسجن سنة ونصف، وعلى الشّاعرة فاطمة ناعوت بالسجن ثلاث سنوات، بتهمة "ازدراء الأديان"، فالأوّل طالب بتنقية المؤلّفات الدّينية من الخرافات، لأنّه لا مقدّس غير القرآن والسّنّة، والثّانية طالبت بعدم ذبح الأضاحي في الشّوارع أمام الأطفال لأكثر من سبب.

وفي العصور السّابقة تمّ اتّهام الفلاسفة المسلمين بالكفر والزّندقة مثل ابن رشد وهو:

أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد (520 هـ- 595 هـ) يسميه الإفرنجAverroes واشتهر باسم ابن رشد الحفيد (مواليد 14 إبريل 1126م، قرطبة - توفي 10 ديسمبر 1198م، مراكش) هو فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضي و فلكي و فيزيائي أندلسي. نشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في الأندلس والتي عرفت بالمذهب المالكي، حفظ موطأ مالك، وديوان المتنبي.ودرس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري. يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي، فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة. تولّى ابن رشد منصب القضاء في أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، تعرض ابن رشد في آخر حياته لمحنة حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضون له بالكفر والإلحاد ثم أبعده أبو يوسف يعقوب إلى مراكش وتوفي فيها (1198 م)

وقد قتلوا قبله أبو مُحمّد عبد الله بن المقفع (106 - 142 هـ)(724 م ـ 759 م).

ومن المفارقات بين من يعلم ويفكّر، وبين من يجهل ولا يعلم أنّه يجهل، ما رواه الفيلسوف والناقد المصري الرّاحل محمود أمين العالم: أنّه عند اعتقاله في عهد الرّئيس السّادات كان يتعرّض للتّعذيب الجسدي من قبل شرطيّ في السّجن، بايعاز من بعض الضّباط، وعند المساء كان العالم يعلّم ذاك الشّرطيّ أصول القراءة والكتابة"محو أمّيّة" وعندما سألوه: لماذا تعلّمه في الليل وهو يعذّبك في النّهار؟ فأجاب: لأنّه مصري يحبّ مصر.

وهذا ما يحصل مع شاعرنا الجميل فراس عمر حجّ محمد، فهو يتعرّض هذه الأيّام لاغتيال سمعته، والطّعن بأخلاقه، والمسّ بعمله كموجّه تربويّ بناء على نصّ نثريّ كتبه، ومن الأمور التي لم تعد عجيبة في بلدان "تقديس الجهل" أنّ الغالبيّة العظمى ممّن يهاجمون الأديب الشّاعر لم يقرأوا نصّه المذكور، تماما مثلما لم يقرأوا مؤلفاته التي تثري المكتبة الفلسطينيّة والعربيّة.

فلا تحزن أيّها الشّاعر الجميل فجاهليتنا في القرن الحادي والعشرين، تفوق جهلنا في العصور السّابقة. وهذه وحشيّة عقليّة الصّحراء المعادية للحياة، والتي تحدّث عنها ابن خلدون في "المقدّمة".

فهل سياسة تكميم الأفواه، وقمع حرّيّة الرّأي، ومعاقبة المبدعين ستقودنا إلى هزيمتنا ثقافيّا، كما نحن مهزومون في مختلف الأصعدة؟