محاضرة عن عصمت سيف الدولة

د. عبد الوهاب المسيري

 القى الدكتور/ عبد الوهاب المسيرى هذه المحاضرة فى احتفالية الذكرى العاشرة لرحيل الدكتور عصمت سيف الدولة فى 31 مارس 2006

أننى حين بدأت أقرأ فى أعمال هذا المفكر العملاق وأنا حين استعمل المجاز ، استعمله بوعى وحذر شديد . فأنا استاذ شعر وأعرف قيمة المجاز ، وهو بالفعل مفكر عملاق وبسبب هذا تم تهميشه تماما مثل جمال حمدان ، مسألة مذهلة ، أنه فى خضم الثورة العربية فى مصر أهم مفكرين للقومية العربية فى مصر وهم جمال حمدان وعصمت سيف الدولة يتم تهميشهما ولا يستشيرهما أحد .

يعنى حسب تصورى أنه لم يلعبا أى دور فى التفاعل مع صناع القرار فى مصر أو فى العالم العربى . ما حدث مثلا  لجمال حمدان  بعد أن توفاه الله أننا نحتفل به ثم نعيد جثمانه مرة أخرى الى مقبرته و ننساه . فمثلا أنا لا أعلم هل ترك جمال حمدان أى أثر على علم الجغرافيا فى العالم العربى أم لا ؟ . هل ترك دكتور عصمت سيف الدولة أى أثر على علم السياسة ، على طريقة التفكير فى العلاقات الدولية وفى القومية العربية أم لا ؟ . أنا أعتقد أن ما حدث فى الخطاب التحليلى العربى أنه تم تسيسه بالمعنى السطحى بمعنى أنه أصبح خطاب يتعامل مع الحدث السياسى  وحسب ويتعامل معه كردة  فعل وليس كفاعل . بمعنى أن المفكر العربى هنا أصبح مفعولا به وليس فاعلا .  كما أبين فى معظم دراساتى . أن سبب هذا يعود الى أننا عرفنا مشروع النهضة العربية بأنه اللحاق بالغرب ومن يود اللحاق بالآخر عليه أن يكبت ابداعه بحيث يتحول الى مقلد وفى نهاية الأمر يتحول الى قرد ، ببغاء ، وهذا ما حدث للخطاب التحليلى العربى وبالتالى قمم مثل جمال حمدان ومثل عصمت سيف الدولة تشكل عبء على العاملين فى السياسة والعاملين فى الفكر . يعنى قراءة أعمال عصمت سيف الدولة مجهدة وأعمال جمال حمدان مجهدة أو ممكن قراءتها بشكل سطحى بمناسبة الذكرى العاشرة مثلا ثم ننساها بعد ذلك ونعود للرؤية الذرية المتناثرة التى نعيش فيها يوما بعد يوم وهى رؤية ليست كلية بأى شكل كان . أهم ما يميز أعمال جمال حمدان والدكتور عصمت سيف الدولة هو ما أسميه الغوص فى البعد المعرفى . ما هو البعد المعرفى ؟ .. البعد المعرفى عادة يدور حول ثلاثة محاور .. موقف من الله .. موقف من الطبيعة .. وموقف من الانسان . والثلاثة محاور يمكن التوصل اليها من خلال دراسة صورة الانسان الكامنة فى خطاب ما . فالنسبة للانسان أن سألنا هل هو مادة وحسب أم مادة وروح ؟ نحن فى واقع الأمر نسأل أيضا عن علاقة الانسان بالله . عن علاقة الانسان بالأرض ، فان كان الانسان مجرد مادة فهو جسد فهو جزء من الطبيعة فهو خاضع لحتميتها فهو غير قادر على التجاوز ، فهو حين ينظر للارض يراها باعتبارها مادة استعمالية لا يمكنه أن يطمح الى ما دون السقف المادى بسبب غياب الله ، بمعنى أنه من خلال صورة الانسان الكامنة فى خطاب ما ، يمكن أن نصل الى هذا البعد المعرفى وهو البعد الكلى والنهائى هو البعد الذى يحدد معنى كل المفردات فى هذا الخطاب . فحينما تقرأ مثلا احدى وثائق النظام العالمى الجديد يتحدثون عن حرية حركة السلع ، حرية حركة رأس المال ، تساقط الحدود ، لكنهم لايتحدثون أبدا عن الثقافة ـ عن الخصوصية ، لا يتحدثون مثلا عن هجرة العمالة من بلاد العالم الثالث الى بلاد العالم الأول بالعكس يضعون الآن القوانين التى تحد من هذا والجيوش التى تطارد المهاجرين . معنى ذلك أنهم ينظرون الى الانسان باعتباره كائنا اقتصاديا وينظرون الى العالم باعتباره مادة استعمالية ، فهو خطاب يدور بعده المعرفى فى اطار مادى محض  لكنه لا يفصح عن ذلك فتكون مهمتنا نحن هى أن نبحث عن البعد المعرفى حتى يمكن أن نحدد مضمون كل المفردات فى هذا الخطاب . وهذا ما يفعله الدكتور عصمت سيف الدولة ، ومن هنا اهتمامه بقضية الانسان ، بمعنى أنه من البداية  يحدد الاشكالية أنها اشكالية ما هو الانسان، كل كتاباته فى نهاية الأمر تصب فى هذا ، ولعل الدكتور زكى نجيب محمود فى مقاله الذى أرسله لى صديقى العزيز ابن الدكتور عصمت لقط هذه ، فى هذا المقال وهو مقال قصير ولكنه هام للغاية لأنه يرى أن هذه بداية فلسفة عربية حقيقية وليست مجرد تدريس فلسفة وانما ولادة فلسفة عربية ووجد أن الإسهام الأول والأساسى هو استعادة مقولة الانسان كمقولة مستقلة عن عالم المادة . كتابات الدكتور عصمت مفعمة بهذا ، أينما نظرت ستجد ذلك . لكن احب أن أضيف هنا أنه رغم هذا البعد الفلسفى المعرفى الذى يفصله عن الخطاب التحليلى المسيس بشكل تافه  وسطحى فى العالم العربى نجد أن قدميه راسختان فى التاريخ ، لا تمر صفحة واحدة دون أن يشير الى أحداث تاريخية محددة يفسرها بمعنى أنه لا يسردها وحسب وانما يضعها داخل نمط معين وبالتالى أنا فى تصورى تتحول المعلومات الى معرفة ومن ثم تولد المعرفة حكمة . لأنه أيضا الخطاب التحليلى العربى خطاب معلوماتى يتصور أن المعلومات هى المعرفة وأن الحقائق هى الحقيقة ، وهذا لا أساس له من الصحة . وهذا خلل ما بعده خلل . تلتزم أيضا رؤية الدكتور عصمت بالاتساع، رؤية بانورامية. بالاتساع يتحرك بين الفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية وتاريخ العرب قبل الاسلام وتاريخ المسلمين والانماط المختلفة من الاستعمار  وينحت مصطلحات كما سأبين فيما بعد . يتوجه بقضية العلمانية بطريقة جديدة كل الجدة . أنا أرى أنه لا بد أن يوضع معجم بالمصطلحات التى نحتها والمصطلحات التى استخدمها ووضع لها معنى محددا جديدا . هذه مسألة أصبحت معروفة الآن فى الغرب ،  أن نجد مثلا معجم لكانط من أعمال كانط ، نأخذ مثلا مصطلح ذى التجاوز يكتب أحدهم مقال عن مفهوم كانط فى التجاوز ومفهوم الأخلاق وهكذا ، لأنه فى كتابات .. مثل هذه يمكن للانسان أن يتوه وتضيع  البؤرة . أما لو كان معجم بهذا الشكل فهو يصلح كمفتاح لقراءة هذه الأعمال وهو لمساعدة الباحثين وبالذات الشباب لأنى أرى أن أحد  مشاكل الثقافة العربية الحديثة أنه لا يوجد تراكم . كلنا نبدأ من نقطة الصفر ونعيد اختراع العجلة كما يقولون . يعنى أنا اعترف انى لو كنت قرأت أعمال الدكتور سيف الدولة فى بداية رحلتى  الفكرية لوفر على هذا الكثير من العناء لكن الخريطة الفكرية غير متاحة لنا خاصة وأن كم الكتب الذى يصدر فى هذه الأيام ضخم جدا ولا توجد متابعة نقدية ، يعنى توجد شلل تكتب كل واحد عن الآخر أو اذا كان فيه متابعة فهى متابعة صحفية، صدر الكتاب الفلانى ، صدر الكتاب العلانى ، أما أن يقدم لنا كتاب يقال أن هذا مهم مثلا أو كذا . أنا اعتقد أن هذا غير موجود وبالتالى ان هذا ضيع على فرصة قراءة هذه الأعمال المهمة وان كان أيضا اشتغالى بالموسوعة مدة ربع قرن سبب فجوات ثقافية كثيرة عندى، يعنى لدرجة أنه كان هناك دائما دعابة فى منزلى أنه حينما كانوا يريدون منى ان أقرأ شيئا يقولون انه يوجد بضعة سطور عن اليهود لأن دى الطريقة الوحيدة التى كان من الممكن أن أقرأ لأنى وجدت أنه لو اشتغلت بأى شئ غير ما أكتب عنه لما أنهيت هذه الموسوعة .

نعود للدكتور سيف الدولة فنجد كما قلت أن جوهر فكره هو الانسان ، الانسان فى مقابل المادة . هذه هى الثنائية الأساسية فى فكره وكل كتاباته هو محاولة لاثبات أن الانسان غير خاضع لقوانين الحركة كما يقال أو القوانين المادية أو القوانين الحتمية طيلة الوقت يحاول ان يحرر مقولة الانسان من الحتميات المادية التى تتسم بها الفلسفة المادية ، ومن هنا الصفحات الطوال التى أفردها للحديث عن المادية بمعنى يعنى لما يشغل مفكر سياسى مثله نفسه ليس  بالحديث عن الاتحاد السوفيتى وانما بالحديث عن الفلسفة الماركسية فى ماديتها ، لا يمكن تفسير هذا الا أنه يحاول أن يخلص مقولة الانسان من حمأة المادة بحيث يظهر الانسان ككائن مستقل حر ، وطيلة الكتابات دائما مسألة حرية الانسان وقدرته على الاختيار مقدرته على التجاوز لأن الانسان فى الفلسفة المادية يطبق عليه السقف المادى لا يمكنه تجاوز هذا وان تجاوز هذا سقطت الفلسفة المادية ، فلابد أن يكون كائنا ماديا خاضعا لقوانين الطبيعة وتصبح المهمة البحثية والمعرفية هى معرفة قانون الضرورة ، وكما تعلمنا فى المدارس الماركسية فى المرحلة الماركسية من حياتنا أن الحرية هى معرفة قانون الضرورة بمعنى أنه لا يوجد معرفة خارج السقف المادى وهى ميزة الفلسفة المادية أنها مريحة تفسر كل شئ ، ولكن فى تصورى أن ما يفسر كل شئ لا يفسر أى شئ ، لأن جوهر الظاهرة الانسانية هو تركيبتها هى انها محاطة أو مفعمة بالأسرار. فى تعريفه للانسان وللإنسانية  بنجد أنه فى احدى الكتب يرفض ما يسميه بالمثلية ، أن الانسان والظاهرة الانسانية لا تعنى أبدا أن الانسان يشبه الآخر ، أن هناك خصوصية وهذا بالمناسبة فى العلوم الانسانية دائما يتم التأكيد عليه ، الظاهرة الطبيعية مضطردة هى نفس الشئ فى كل زمان ومكان بينما الظاهرة الانسانية تختلف من كل زمان ومكان . ومن كل فرد وآخر . وهنا نلاحظ أنه يضع أسس فلسفية للنظرية القومية بينما النظرية الماركسية تضع الأسس المادية ، تضع الأسس الفلسفية للنظرية الرومانية . أنه فى نهاية الأمر المسألة مسألة طبقية وان ازيلت الطبقات يظهر الانسان المجرد اللى هو بالمناسبة انسان عصر الاستنارة اللى هو الانسان الطبيعى . هذا الانسان الطبيعى الحضارة ليست جزء منه أضيفت له ، ولأنه اضيفت له فبالتالي يوجد تقريبا جوهر انسانى واحد يتجاوز الزمان والمكان ومن هنا تصبح القومية مرحلة من ضمن المراحل لابد من تجاوزها . ومن هنا الموقف الشيوعى كأن قضية فلسطين ان القضية هى قضية عمال وفلاحين وليست قضية قومية وليست قضية خصوصية وانه لو تعاون العمال والفلاحون اليهود مع العمال والفلاحين الفلسطينيين ويكون جميعهم ضد الأقطاع العربى والرأسمالية اليهودية يبقى توته توته خلصت الحدوته . لكن طبعا يعنى أنا أصلى مرة حضرت مؤتمر فى بغداد وقامت احدى عضوات الحزب الشيوعى وقالت أن الصهاينة طردوا العمال والفلاحين العرب ، فأخبرتها بس طردوا العمال والفلاحين والاقطاعيين واللصوص العرب .، طردوا الجميع ، ومعيار الطرد هنا لم  يكن الانتماء الطبقى ولكن المعيار هنا كان معيار قومى ، وفى هذا نهاية الأمر عنصرى .

الدكتور سيف الدولة يؤكد الخصوصية لأن وضع أساس فلسفى لمفهوم القومية العربية هو ضرورة انسانية . ومن أهم الأشياء فى كتابات الدكتور سيف الدولة أيضا أنه يستخدم الاستعمار ليس مرة أخرى كحقيقة أو كحدث أو كظاهرة سياسية وانما يستخدمه أيضا كمقولة تحليلية ، وثمة فارق لأن الفكر السياسى العلمانى فى العالم العربى ينظر للاستعمار وينظر الى الصهيونية باعتبارهما انحرافات عن جوهر الحضارة الغربية الانسانية ، وقد تعلمنا هذا يعنى أنه يجب أن نعجب يالثورة الفرنسية وننسى نابليون الذى جاء الى بلادنا ، يجب أن نعجب بالديموقراطية البريطانية وننسى الاستعمار البريطانى ، يجب أن نحارب ضد الصهيونية لكن أن نمجد قيم الحضارة الغربية الداعية الى العلمانية والاستنارة ، وبالتالى حدث انقسام فى العقل العربى ان احنا دائما كل سلبيات الحضارة الغربية نهمشها ونراها باعتبارها أمر طارئ غربى لا ينتسب الى جوهر هذه الحضارة . الدكتور عصمت سيف الدولة مرة أخرى لأنه بيصل الى البعد المعرفى لا يسكت فى هذا على الأطلاق ، وفى دراسته للحضارة الغربية نجده يستعيد الاستعمار لا كحدث سياسى ولكن كمقولة تحليلية فمثلا لاحظ شئ أنا فى الواقع أدهشنى أننى لم ألاحظه من قبل ، قال ان عادة الدول الاستعمارية تقوم بتوحيد مجموعة من الأمم زى ما حدث فى الهند . الهند فيها ما لايقل عن مائتى قومية وعدد من اللغات اعتقد يصل الى 700 أو حاجة من هذا القبيل ، فى أفريقيا يضمون مجموعة من القبائل وهكذا فتميل نحو التوحيد لكن فى العالم العربى العكس حدث ففرنسا استعمرت الجزائر والمغرب وتونس لكنها لم توحدهم ، انجلترا استعمرت مصر والسودان وفلسطين لكنها لم توحدهم أيضا ، قسمتهم. والآن بوش واسرائيل يحاولون تقسيم ما هو مقسم وتجزئة ما هو مجزئ. ويحاول أن يفسر هذا تفسيرات مختلفة من ضمنها ان الغرب أدرك أن العالم العربى عناصر الوحدة قائمة فيه وأن لو تحول الى وحدة حضارية اقتصادية واحدة لظهرت كتلة أخرى قوية فى العالم وهذا آخر ما يحتاجون اليه خاصة وأن هذه الكتلة وهى فى وسط العالم فى أهم موقع استراتيجى والآن ظهر البترول وهى أيضا قلب العالم الاسلامى . هنا ما حدث أنه استخدم الاستعمار مرة أخرى ليس كحدث سياسى وانما وصل الى البعد المعرفى الحضارى ويحاول تفسير بعض الظواهر فى هذا الإطار بنجد انه فى حديثه عن العلمانية أيضا لا يسقط التسطيحات المختلفة التى نسمع عنها الآن فيرى أن ثمة علاقة بين العلمانية والاغتراب ، العلمانية بتهميشها للدين فى نهاية الأمر تهمش الجانب الحضارى والانسانى فى حضارتنا العربية لأنه فى نهاية الأمر الاسلام هو الذى أدى الى مولد القومية العربية ، فى الواقع أنا اعتقد أن لو فكر الدكتور عصمت سيف الدولة تنبه له أبناء هذه الأمة ومفكريها لما حدث هذا الصدام الذى لا مبرر له بين التيار الاسلامى والتيار القومى وهو الصدام الذى شجعته الولايات المتحدة وشجعه الاستعمار الغربى ، بمعنى أنه الصدام الذى حدث بالذات فى مصر بين عبد الناصر والأخوان المسلمين ليس له أساس على الاطلاق ، وأنه لو كانت ثورة 23 يوليو أدركت بعض الأبعاد التى يطرحها دكتور عصمت لما حدث هذا الصدام على الاطلاق ، وأعتقد أنه لو حدث تعاون بين الفريقين لربما تمكنا من انقاذ هذه الأمة مما يحدث لها الآن لأنه بعد 1967 حدث التدهور الذى نرى نتيجته باعيننا الآن . سنختم بالحديث عن مصطلح نحته دكتور عصمت وهو مصطلح "الامبريالية الحضارية"  وانا اعتقد ان هذا المصطلح  فى غاية الأهمية لأنه تنبؤ بالنظام العالمى الجديد ، النظام العالمى الجديد يطالب بفتح الحدود وا.. وا .. الخ بدون تقديم أى صورة للانسان لكن ما يحدث انه مع سطوة الإعلام يتم تسويق صورة مشوهة للانسان تحدد سلوكنا والأسوأ من هذا أنها تحدد أحلامنا أيضا ويصبح التقدم هو الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك . وبالمناسبة ايضا فى كتابات دكتور عصمت  فيه حديث مطول عن التقدم وعن مفهومه فى الحضارة الغربية ومحاولة لتقديم نقد أيضا معرفى لهذا المفهوم الذى استوردناه والذى استخدمناه دون معرفة أى منفذ لنا . حتى اختم أعتقد أنه خسارة تاريخية كبرى أن الفكر القومى العربى فى مصر وخارجها والنخب الحاكمة ذات التوجه القومى لم تستفد أبدا من فكر الدكتور عصمت وأنه لو كان حدث هذا أعتقد  أن مسار التاريخ فى هذه المنطقة لاختلف بعض الشئ . وهو من البداية دكتور عصمت أدرك خطورة اسرائيل يعنى تأكيده على مسألة القومية العربية يعنى انا دائما اتكلم وأقول أن الدكتور عصمت رؤيته البانورامية طيلة الوقت مهتم بما أسميه الآن المرجعية النهائية أن أى مجتمع على وجه الأرض له مرجعيته النهائية ، وأن هذا المجتمع ، أى مجتمع ، ان لم تكن عنده مرجعية نهائية يحددها بنفسه فان الآخرين سيحددون له . ومسألة تعريف المرجعية  النهائية أصبحت أساسية بعد الاختراق المعرفى الذى حدث . فى الماضى كانت تأتى الجيوش وتغزونا ثم نهزمها فتعود كما حدث فى الممالك الصليبيبة ، أما الآن فلا حاجة للجيوش والفضائيات تتكفل بتصدير الاحلام لنا بتحويلنا الى كائنات استهلاكية . وما يحدث الآن فى العالم العربى أن المرجعية النهائية تتغير وأصبحت بالتدريج مرجعية مادية وبالتالى فى علاقتنا باسرائيل كيف يمكن أن نتعامل مع هذه الدولة ان كانت مرجعيتنا النهائية اقتصادية اذن الكويز مسألة مطلوبة لأن المعيار هنا اقتصادى وان كانت الكويز غير مربحة اذن فلنتاجر مع اوكرانيا أو قبرص أو مع سوريا يعنى المسائل من منظور اقتصادى محض حسابات المكسب والخسارة واضحة . لكن لو كانت المرجعية النهائية عربية اسلامية  تختلف المسألة تمام الاختلاف والدكتور عصمت دائما يصر على البعد الاسلامى للقومية العربية لا يفرق بينهما . ان كانت المرجعية النهائية عربية اذن رؤيتنا لهذه المنطقة أنها ليست مجرد سوق للسلع الغربية أو العربية والصينية وان الانسان العربى عنده موروث ماضى وأن هذا الماضى متحقق الآن  فى الحاضر وأنه أساس لرؤيتنا فى المستقبل ، وفى هذا الأطار تصبح اسرائيل جسد غريب زرع لسبب معين والسبب المعين هذا نعرفه جيدا وهو تقسيم وفصل العالم العربى ، والدكتور عصمت سيف الدولة يؤكد على هذا تماما كما فعل جمال حمدان كلاهما لأنه وصل الى البعد المعرفى وحدد المرجعية النهائية أصبح من المستحيل قبول اسرائيل أصبح من المستحيل  التطبيع معها ، أصبح من المستحيل التعاون معها لأن هناك رؤية كبرى حاكمة لكل التفاصيل ، هذا على عكس النخب الحاكمة الآن المستعدة للمساومة . انظروا ماذا يحدث لحماس فى فلسطين والسلطة الفلسطينية التى تطالبه بالاعتراف باسرائيل بدلا من أن تسانده وتقف الى جانبه تطالبه بالاعتراف باسرائيل وان رئيس الدولة الذى كلف هنية بتشكيل الوزارة يجب أن يشكلها فى اطار مرجعيته النهائية المتخاذلة المستسلمة .

فى اطار فكر دكتور عصمت سيف الدولة مثل هذا مرفوض وهو مفروض كما قلت لا لاسباب سياسية وانما لأسباب معرفية فلسفية تضرب بجذورها فى الطبيعة البشرية القادرة على تجاوز الحتمبات المادية وعلى تجاوز السطح المادى .

    وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم

                          وشكرا ..