اغتيال بدر الدين : لغز الصراع بين طهران -موسكو –النظام السوري

تريث حزب الله بناء على أوامر صدرت له من طهران بشكل عاجل، فبصمات الموساد وصواريخ الطائرات الإسرائيلية غير موجودة هذه المرة ، ودول الاستكبار وأدواته –على حد تعبير دولة ولي الفقيه - من أجهزة المخابرات العربية والخليجية والتركية والقطرية والسعودية والأوروبية والأميركية والبريطانية والفرنسية – غير موجودة أيضاً . أما الحقيقة الأخرى فإن المعارضة السورية المسلحة لم تستهدف محيط مطار دمشق منذ أكثر من أسبوع ، وإلا لها الشرف في أن تستأصل شياطين حزب الله أينما حلوا .

إذاً ما الذي جرى ، خبر عابر نشره أحد مواقع المعارضة الإيرانية - ثم قام بحذفه بعد ثلاث ساعات - تحدث على أن القيادي في مليشيا حزب الله مصطفى بدر الدين تم اغتياله بنيران حليفه . إن صح هذا الخبر فهذا يضع اغتياله أمام ثلاثة احتمالات لا رابع لها : النظام السوري وأجهزته المخابراتية ، أو الروس الذين ضاقوا ذرعاً بمحاولات إيران وحزب الله جراء فرض قراراتهم ومحاولاتهم و بسط نفوذهم لجهة تحقيق أكبر مكاسب محتملة نتيجة أية تسويات سياسية مستقبلية قد تحدث ، أما الاحتمال الأخير فهو تنسيق الروس مع النظام السوري للقيام بهذا الاغتيال بشكل منسق .

هذه التطورات لا تخرج عن سياق الاتهامات المبطنة التي يطلقها بعض المسئولين الإيرانيين الذين خسروا الكثير من قادة الحرس الثوري وجلهم جرت تصفيته بظروف غامضة .

حزب الله خسر لغاية الآن – حسب تصريحات من داخل الحزب ، بحدود 1500 مقاتل في مقابل 613 خسرها في أخر حرب مع إسرائيل ، وبموجب هذا المعدل من العدد فإن مليشيا حزب الله قد خسر حوالي 25% من مجمل قدراته القتالية العاملة في سوريا ، و إن كنا نقدر أن الرقم أكبر من ذلك بكثير. والحبل لايزال على الجرار بعد اعتبار نصرالله وأولياء نعمته في طهران أن حرباً مقدسة جاءت بأوامر إلاهية بعد قرب تسليم القيادة للمهدي الذي بشرونا بظهورة لقيادة معركة ملحمة حلب ، وها نحن ننتظر لغاية كتابة هذه السطور .

تريث « مليشيا حزب الله» في إعلان تفاصيل اغتيال مصطفى بدر الدين، ليس ناجماً عن نقص في المعلومات الميدانية أو الاستخبارية ، أو حتى في غياب المعطيات أو غياب الأدلة التي تثبت تورط أحد الحلفاء في هذه العملية بشكل دامغ ومباشر ؛ لهذا

تشاورت مع طهران التي أمرتها بعدم كشف المتورط الحقيقي حفاظاً على مصالح دولة الولي الفقيه ، وعلى البيئة الداخلية في كل من إيران والضاحية الجنوبية ، وتحديداً البيئة الحاضنة لحزب الله التي سيدب فيها الذعر في حال أدركت أن نصرالله قد زج بأبنائهم بحرب كونية لا قبل لهم بمواجهتها ، وحرصاً على سير العمليات ، ما أدى إلى التوجيه باتهام "التكفيريين " وقد كان هذا أفضل الخيارات بالنسبة لهم.

 توجيه أصابع الاتهام للتكفيريين، كان من أفضل الخيارات المتاحة ، وهو يصب في خانة تكثيف دعم القطاعات المؤيدة لحزب الله ، ومنحها دور من جرعة الثأر ، ونفس هذه المليشيا تريد استمرار الحشد لاستحقاقات المعركة المصيرية ، و تعزيز مسار العمليات بحيث لا يضعفها شيء ؛ فليس من مصلحة حزب الله فتح جبهة لا مع الروس ولا مع بعض قادة جيش النظام العسكري والأمني المحسوبين على الروس والرافضين لهذا النفوذ الكبير لكل من إيران وحزب الله ومن شايعهم . من هنا من شأن توجيه الأنظار عن المتهم الحقيقي لقاتل بدرالدين ، وتوجيه الاتهام نحو "التكفيريين" ؛ و تعزيز ثقافة الثأر ، وتسهيل اختلاق الذرائع و الدوافع التي أجبرت مليشيا حزب الله على القتال حتى النهاية بحجة محاربة التكفيريين الذين يتعطشون لتدمير مزارات آل البيت ونبش قبورهم ، وسبي زينب مرة أخرى ، ومواجهتهم قبل وصولهم إلى الضاحية الجنوبية ، إضافة إلى العزف على سمفونية تعزيز محور الممانعة والمقاومة .

 بالنسبة لطهران ومليشيا حزب الله باتا يدركان تماماً أن المحرّض والمخطط والمنفذ لجرائم الاغتيال هو واحد، سواء روسيا أو بعض أجنجة النظام السوري ، طالما أنه يستهدف حزب الله وقادة الحرس الثوري .

لا تنكر إيران ومليشيا حزب الله في تقييمها لأداء قواتها على الأرض وجود تعقيدات وصعوبات بالغة ،لدى تحرك قادتها وقواتها على الأراضي السورية ؛ فالساحة المفتوحة والمخترقة أمنياً وسياسياً وعسكرياً تضعنا أمام احتمالات شتى ،

و قد حاولت طهران النأي بنفسها من خلال الزج بألوية شيعة الشتات " لواء الزينبيون والفاطميون" إلى الجبهات الساخنة وإلى الخطوط الأمامية ليؤمنوا التغطية ويكونوا كبش الفداء، ويحققوا تغطية وستاراً أمنياً لتحركاتهم في سوريا .

 لكن استهداف نخبة القادة من الحرس الثوري ومليشيا حزب الله يُرجح جملة من الفرضيات الأمنية التي تؤكد وجود صراع بين الروس والنظام السوري من جهة – وإيران ومليشيا حزب الله من جهة أخرى .

الفرضية الأولى : طبيعة المستهدفين وهوياتهم والقواسم المشتركة بينهم ، تؤكد أنها استهدفت قيادات أمنية وعسكرية تابعة لإيران ومليشيا حزب الله دون غيرهم ، مع عدم استهداف نظراءهم من القادة العسكريين الروس أو السوريين ؛ الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات .

 الفرضية الثانية : أن هناك عملية خرق قد تمت ، مما سهل اغتيال قادة الحرس الثوري الكبار ، وقادة مليشيا حزب الله ، من خلال وجود معلومات حصرية ودقيقة حول حركة هذه الأهداف، وهذه المعلومات موجودة بالتحديد وبدقة متناهية فقط عند الروس وأجهزة النظام السوري .

الفرضية الثالثة : أماكن تواجد القيادات المستهدفة : وجلهم تم استهدافه في مناطق خاضعة للنفوذ السوري – الروسي ؛ مما يثير الكثير من التساؤلات .

الفرضية الرابعة : بناء على الربط بين المعطيات التي يلمح لها الإيرانيون والتي ترى أن قادة الحرس الثوري الذين تم اغتيالهم بالترتيب كان لهم باع طويل في دعم حزب الله ، وتدريبه ، وتنظيم عملياته القتالية ضد إسرائيل ، حيث انخرط جلهم في عمليات قتالية مباشرة من خلال تواجدهم في جنوب لبنان ، كما أن الثلاثة من قادة مليشيا حزب الله « عماد مغنية وسمير القنطار ومصطفى بدر الدين » كان لهم دور بارز في دعم النضال الفلسطيني على حد زعم إيران ومليشيا حزب الله . ربما أن قرار تصفية هؤلاء تزامن مع مبادرات رئيس النظام السوري الذي عرض توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل ، والتنازل عن الجولان ، والتطبيع الكامل والشامل معها .... وبالتالي فإن عملية اغتيال هؤلاء من جانب النظام تندرج في إطار تقديم نظام بشار الأسد عربون صداقة للتقارب مع إسرائيل .

الفرضية الخامسة : القاسم المشترك بين العمليات التي تمت ، والتي نجحت في تصفية بعض قادة الحرس الثوري قد تمت بآلية واحدة ،وبصورة تكاد تكون متطابقة .

 فعمليات تصفية قادة الحرس الثوري ومليشيا حزب الله تمت بقصف موجه بينما اغتيل عماد مغنية بعبوة ناسفة وضعت خلف مقعد سيارته بعد خروجه من اجتماع عسكري- أمني سوري- فلسطيني؛ والجامع في العمليات الأربع أنها استهدفت هؤلاء لدى وصولهم إلى مكان الاستهداف ما يعني أنهم رصدوا، واكتشفت هوياتهم إما بواسطة الاستطلاع الفضائي ، وهذا لا يمكن أن يتم دون معرفة الروس " الذين يجوبون سماء سوريا الأسد " ويشهد لإيران تطورها التكنولوجي و العلمي الكبير في هذا المجال ، حيث زودت قواتها في سوريا بأنظمة اتصالات وتشفير عالية الكفاءة ، كذلك الأمر بالنسبة لمليشيا حزب الله .

الشاهد في القول أن إمكانية الرصد والاستطلاع الجوي فوق سوريا تملكه أكثر من دولة :الولايات المتحدة وتحالف دولي بسيط ، روسيا ، النظام السوري ، إسرائيل ؛ لكن في النهاية من المستفيد من عمليات الاغتيال والتصفية هذه ؟ إسرائيل ولا شك مستفيدة. لكن من ماذا ؟ ليس من اغتيال قادة الحرس الثوري فعلياً ، ولا من اغتيال بعض قادة مليشيا حزب الله ، لكنها لا تخجل من الإعلان عن تبني اغتيالهم، كما حدث في عملية عماد مغنيه ، وإسرائيل غير معنية تماماً بفتح جبهة مع إيران ، بينما تقوم أميركا وحلفاؤها بدور محدود ، حيث تقوم بطلعات سياحية في جنوبي سوريا وفي شماليها ، مما يتيح لطياريها التقاط الصور التذكارية تحت غطاء محاربة داعش ؛ وهي لا يهمها لا فتح جبهة مع إيران ولا مع مليشيا حزب الله باستهداف قادتهم . في حين يجهد الطيران الروسي والسوري ليل نهار في التركيز على استهداف المدنيين، وضرب معاقل المعارضة السورية المعتدلة ، وتقوية داعش بحيث يجعل العالم بين خيارين إما نظام بشار الأسد وإما داعش .كذلك يجهد الطيران الروسي في تجريب أخر صرعاته التكنولوجية في مجال التسلح لضرب المنشآت والقطاعات الخدمية ؛ على اعتبار أن روسيا ستكون الراعي الرسمي لإعادة إعمار سوريا ، كما ألمح إلى ذلك النظام السوري من قبل.

إذاً هي معركة كسر العظم التي بدأت وتيرتها بالازدياد يوماً بعد يوم بين التحالف الثلاثي الشيطاني : سوريا وروسيا و إيران ومليشياتها .اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين .آمين آمين.

د.نبيل العتوم   

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية  

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 668