هكذا تجعلينه قريباً منك

د. محمد رشيد العويد

قالت تشرح مشكلتها : 

لا أدري من أين أبدأ في شرح معاناتي من زوجي الذي عشت معه حتى الآن أكثر من عشرين سنة ؛ ورزقت منه خلالها ببنتين وثلاثة أبناء .

ولعلي أبدأ بضيقه من الجلوس في البيت ، وغيابهِ طويلاً عنا، وهذا يزيد في الأعباء الملقاة عليَّ ، ويزيد في الضغط النفسي والعصبي الذي أحس به .

وحتى حين يبقى زوجي معنا في البيت ، في تلك الأوقات القصيرة ؛ فإنه يبدي تذمرَه مني ومن أولادي ، ويعبر عن تسخطه الدائم ، ويردد تشكيَه من كل شيء .

أضيف إلى هذا بخلَه علينا ، وعدمَ شراء كلِّ ما نحتاجه ، واتهامَه الدائمَ لنا بالإسراف والتبذير مع أننا والله نحرِم أنفسنا من أشياءَ كثيرة لعدم توفر المال بين أيدينا .

ومما أشكوه في زوجي أيضاً ضعفَ تدينه ، وتقطيعَه في الصلاة ، وهو لا يصوم إلا رمضان ، ولا يصوم يوماً واحداً في غير هذا الشهر !

وزوجي أيضاً سليطُ اللسان ، كلماته جارحة ، وألفاظه قاسية ، لا يسلم منها أحد من أولاده ، والنصيب الأوفر من هذه الكلمات أناله أنا زوجته .

وهو ، فوق هذا كله ، لا يقبل مني نصحاً ، ولا يعمل بما أذكّره أنه واجب عليه ، وتثور ثائرتُه إذا بيّنت له إهمالَه لنا وتقصيرَه نحونا .

بالله عليك ماذا أستطيع أن أفعل لأصلح هذا الزوج ؟ أم تنصحني بالطلاق لإنهاء معاناتي من العيش معه ؟ 

قلت لها : 

لا أنكر أن العيش مع أمثال هذا الزوج فيه كثير من المعاناة والضيق ، ولكني ألمح أسلوباً خاطئاً في معالجةما تشتكينه في زوجك ، فقد قلت (( هو لا يقبل مني نصحاً ، ولا يعمل بما أذكّره أنه واجب عليه )) وكلماتُك هذه تشير إلى أنك تدفعينه دفعاً إلى معاندتك ، وإلى إصراره على مواصلة ما هوعليه ، لأن الرجل ، عادة ، لا يقبل أن تقومي بدور المعلمة التي تعلم وتؤدب وتنصح ، التي تذكّر بالواجبات وتكشف التقصير والإهمال ، وأمر متوقع أن تثور ثائرته حين تعددين له عيوبه وتواجهينه بسلبياته ، ولقد أكدتِ هذا الأسلوب الخاطئ بسؤالك الذي جاء في آخر كلامك وهو (( ماذاأستطيع أن أفعل لأصلح هذا الزوج )) ، ذلك أن تعبيرك (( لأصلح هذا الزوج )) يكشف عن أنك تنظرين إلى زوجك وكأنه ولد من أولادك الذين يحتاجون إلى إصلاح . وكنت أتمنى لو كان سؤالك في صيغة أخرى من مثل (( كيف أكسب زوجي وأجعلهُ قريباً منا محباً لنا ؟ )) .

لقد جعل سبحانه ما بين الزوجين مودة ورحمة ، وهذا يقتضي أن تحزني على ما هو عليه زوجك أكثر من أن تضيقي بما تعانينه منه .

ولو تحقق هذا لصرت مشفقة على زوجك لا ناقمة عليه ، قلقة على حالـه لا متشكيَّةً من إهماله ، ومن ثم ستجدين زوجك أقرب إليك ، محباً لبيته والجلوسِ فيه ، لأنه يجد في بقائه بين زوجته وأولاده ما هو جاذب لا ما هو طارد ، ما هو مقرِّب لا ما هو منفر .

ولعل هذا هو حسن التبعل الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم كل امرأة ووعدها عليه بالأجر الكبير والثواب العظيم حين قال للنساء (( حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل هذا كله )) أي يعدل كلَ ما يحصل عليه الرجل من أجر في الجمع والجماعات وحضور الجنائز والجهاد في سبيل اللهوغيرِها من الأعمال التي لم تفرض على المرأة ولكنها بتوفيرها السكن الهانئ لزوجها أعانته على قيامه بكل تلك الأعمال .

لكن نصحي هذا لك لا يعني أن زوجك غير مخطئ ، بل هو مخطئ كثيراً ، فالبخل صفة ذميمة ، وخاصة على الزوجة والأبناء ، لأن زوجك هو المسؤول عن إعالتكم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (( وابدأ بمن تعول )) ، أي يجب على زوجك أن ينفق عليكم أولاً ، وأن يفي بحاجاتكمالمختلفة قبل أن ينفق على غيركم من الناس .

كذلك ندرة بقائه معكم في البيت ، هي من أخطائه أيضاً ؛ لأنه مسؤول عنكم . قال صلى الله عليه وسلم (( الرجل راع وهو مسؤول عن رعيته )) ، وهذه المسؤولية تقتضي منه أن يتابع أولاده بالتربية والعناية والرعاية .

أما عدم صيامه في غير رمضان فهذا شأنه ؛ وليس لك أن تطالبيه بصيام النافلة ، وكذلك صلاة النافلة .

أصلح الله لك زوجك ، وأصلحك له ، وألف بين قلبيكما .

وسوم: العدد 668